خصائص الإتحاد بين اللاهوت والناسوت 

خصائص الإتحاد بين اللاهوت والناسوت 

الاتحاد الحقيقي بين الطبيعتين 

لقد شدّد آباء الكنيسة في تعاليمهم اللاهوتية، على كمال الطبيعة الإنسانية في المسيح، وأن الاتحاد بين الطبيعتين هو اتحاد حقيقي، وأن كل طبيعة احتفظت بكمالها في أقنوم الكلمة، ورفض هذا التعليم معناه رفض الخلاص وعدم وجود ضمانه لقيامة الأموات. 

والشرح الذي قدمه الآباء بخصوص اتحاد الطبيعتين (الإلهية والإنسانية) في المسيح يتعلق بتوضيح معنى المصطلحات السابق الإشارة إليها أي:

+ الأقنوم أو الشخص – ويعني تمايز في الخصوصية. 

+ الجوهر أو الطبيعة. وتعني العامل المشترك. 

فالبشر جميعًا شركاء في الطبيعة الإنسانية، بينما كأشخاص هم متمايزون فيما بينهم، مثلما أن أقانيم الثالوث القدوس هم متمايزون ولهم جوهر واحد، أما فيما يتعلق بشخص المسيح فتوجد طبيعتان، الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، وهما طبيعتان وليسا أقنومين. اتحاد الطبيعتين في المسيح هو اتحاد حقيقي وتام، وليس اتحاد إرادي أي تم بإرادة الله المنفردة في اتصال مع الإنسان يسوع المسيح. وهكذا فإن العذراء لم تلد إنسانًا مثل كل البشر، لكي يسكن فيه الكلمة، بل ولدت الإله المتجسد فالاتحاد بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية قد تم في بطن العذراء.  فلو أن الاتحاد قد تم بعد الولادة، لكان هذا سكنى وليس اتحادًا. إذن فنحن نتحدث عن طبيعة إنسانية كاملة اتحدت بالطبيعة الإلهية. 

وبسبب هذا الاتحاد الحقيقي بين الطبيعتين في المسيح، والذي تم بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير صار للطبيعة الإنسانية إمكانية الخلود والقداسة. وهذا ما يقوله القديس كيرلس : [تقديس الإنسان في المسيح هو أساسا اشتراك في الطبيعة الإلهية. هذا التحوّل والتقديس يحدث في الإنسان بقوة الروح القدس نفسه الذي يصور المسيح فينا ويجددنا لله]. 

إذن فقداسة الإنسان وتمتعه بالحياة الحقيقية واشتراكه في الطبيعة الإلهية، وعودة بهاء الصورة الأصلية إليه، كان يتطلب استعلان الله “الكلمة” القادر أن يجدد طبيعة الإنسان ويمنحه القداسة ويعيد إليه أصالته وملء كيانه ويمنحه الخلاص. هكذا كان التجسد ضرورة حتمية لشفاء الطبيعة الإنسانية التي أصابها المرض بسبب ابتعادها عن الله، وسقوطها في الخطية والموت. لأنه إذا ابتعد الإنسان عن الله، فإنه سينفصل عن الحياة، لأن الله هو مصدر حياته ووجوده، ولهذا فإن الكلمة صار جسداً، أي أخذ جسدا حقيقيًا، لكي يخلص الإنسان.

يقول القديس كيرلس [ لكي لا يعود إلى العدم ما جاء من العدم، أي إلى أصله الذي أخذ منه، بل أن يظل باقيًا دائما، جعله الله شريكا في طبيعته].

لقد صار للإنسان إمكانية الشركة في الطبيعة الإلهية، بسبب تجسد المسيح وآلامه وصلبه وقيامته وصعوده إلى السموات صار المسيح رأسًا للكنيسة، وهو وحده الكاهن والشفيع، الذي صالح الإنسان بالله لقد إتحدت هذه الرتبة الكهنوتية بالرتبة الملوكية والرتبة النبوية إتحادًا تامًا، فقد انتهى الكهنوت اليهودي كوساطة بين الله والناس، فالكاهن والملك والنبي هو المسيح. وقد صار الجميع شركاء في هذه الرتب بالنعمة. طالما أنهم أعضاء جسد المسيح. 

وباستعادة طبيعة الإنسان الأصلية والمواهب التي خُلق بها، والتي كانت قد فقدت بالخطية، يكون المسيح قد أعاد السيادة والملوكية للإنسان، فالإنسان ينال كرامة ملوكية من جديد في المسيح.

لقد عاد الإنسان في المسيح إلى رتبته الأولى بل وأسمى، وصار شريكا في الطبيعة الإلهية، وقد تحقق هذا من خلال خطة دقيقة للتدبير الإلهي. وصارت الكنيسة جسد المسيح الواحد، وتحققت شركة المحبة وشركة المواهب في هذا الجسد الواحد، وظهرت أعمال عظيمة ومعجزية. وقد سجل المؤرخون بكثير من الثناء والمديح أعمال أولئك الذين عاشوا حياة الملائكة على الأرض؛ من أمثال الآباء المعلمين والنساك والمجاهدين الذين عاشوا في المسيح وسلكوا طريق الحق باستقامة وتقوى وقداسة. 

 

خصائص الإتحاد بين اللاهوت والناسوت 

يؤكد القديس كيرلس على أن الإتحاد بين الطبيعتين في المسيح لا يغير من طبيعة اللاهوت ولا من طبيعة الناسوت. فالجسد لم يتحول إلى طبيعة اللاهوت ولا طبيعة كلمة الله التي تفوق التعبير تغيرت إلى طبيعة الجسد. وهو لا يجزئ ولا يفصل الإنسان عن الله، على الرغم من أن سامعية كانوا ينظرون إليه كإنسان. فالمسيح له المجد لم يقل النور موجودًا في ، بل قال “أنا هو نور العالم، حتى لا يُقسم أحد المسيح إلى إبنيين بعد تأنسه، كما يقول الرسول بولس الرب يسوع المسيح هو واحد” (اكو ۸: ٦ ) . وفي رده على الفصل بين الطبيعتين في المسيح يقول القديس كيرلس: [عندما يُقال إنه وُلِدَ من امرأة، فبالضرورة أيضًا يُشار إلى أنه ولد حسب الجسد ، لكي لا يُعتبر كأنه يتخذ من العذراء بداية لوجوده، ورغم أنه كائن قبل الدهور، وهو الله الكلمة المساوي في الأزلية لأبيه الذاتي والقائم فيه، إلا أنه حينما أراد أن يأخذ صورة عبد ” (في۲: ۷) بمسرة أبيه الصالح، عندئذ يُقال إنه خضع للولادة من امرأة بحسب الجسد مثلنا]. 

إذن فالمسيح واحد وهذا هو المحور الأساسي الذي دار حوله الجدل الخريستولوجي بين القديس كيرلس ونسطور. 

نتائج إتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح الواحد 

أولى النتائج المترتبة على هذا الإتحاد، كما يرى القديس كيرلس أن هذا الجسد الفاني قد اكتسب بعد التجسد الإلهي وإتحاد اللاهوت بالناسوت صلاح دائم بحسب تعبيره. 

هذا يعني أن الطبيعة المخلوقة الفاسدة، قد دخلت في علاقة فائقة مع الطبيعة الإلهية غير المائته، فنالت ما هو ليس من طبيعتها. وهذا أيضًا ما يشرحه القديس كيرلس بقوله : لأن كلمة الله هو بالطبيعة حياة، فقد جعل ما هو بالطبيعة فاسد، جسدًا له لكي يحوّله إلى عدم فساد بإبطال قوة الموت فيه. وكما أن الحديد إذا وضع في نار متأججة يفقد برودته ويأخذ شكل النار وحرراتها، بل يُصبح بدوره حارًا وحارقا ويشعل النار في أي شيء يمسه ، هكذا الجسد أخذ في طبيعته عدم الفساد والحياة العجيبة لكلمة الله ولم يعد كما كان من قبل. وإنما صار أسمى من الفساد]. 

لكن هذا لا يتم بشكل سحري، بل يتطلب إيمان كما قلنا آنفًا، فالنعمة ممنوحة للجميع، لكنها تعمل في الذين يؤمنون . فالأموات سيقومون في عدم فساد، لكن ليس الكل سيقوم في مجد، وهذا ما يقوله القديس كيرلس [ليس لجميع البشر وبدون تميز يهب النعمة والكرامة والمجد وإنما العكس للمختارين الذين إختارهم وخيرهم على الآخرين. هؤلاء الذين صاروا مشابهين صورة إبنه (رو ۲۸:۸). فكل الأجساد سوف تعود للحياة لابسه عطية عدم الفساد، ولكن لن يتغير الكل ( ١ كو١٥: ٥١ ) . فالأشرار سوف يظلون في صورة عدم الكرامة ولهدف الدينونة، أما الأبرار وحدهم، فهم الذين سوف يتغيرون وينالون بركة عدم الفساد التي تغتني بلبس المجد الإلهي]. 

 

Leave a Reply