تفسير سفر التكوين الأصحاح الخامس 


ولادة شيث وموت آدم (ع1-5)

«هذا كتاب مواليد آدم يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله. ذكراً وأنثى خلقه وباركه ودعا اسمه آدم يوم خلق. وعاش آدم مائة وثلاثين سنة وولد ولداً على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثاً. وكانت أيام آدم بعدما ولد شيثاً ثمانمائة سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام آدم التي عاشها تسعمائة وثلاثون سنة ومات.» (التكوين 5: 1-5)

«هذا كتاب مواليد آدم»: هذا كتاب أي هذا بيان، وهو جزء من كتاب التكوين. وفي هذا الأصحاح بيان بمواليد آدم من ابنه شيث حتى نوح، وهم عشرة أجيال.

«يوم خلق الله الإنسان»: أي “عندما خلق الله الإنسان”.

شيث مر الحديث عنه في شرح (التكوين 4: 25). وقوله «على شبهه كصورته» أي من جنسه. «فكانت كل أيام آدم تسعمائة وثلاثين سنة ومات» تتكرر هذه العبارة كقرار لترنيمة حزينة تعبر عن حياة الإنسان التي تختتم بالموت إن طالت أو قصرت. وقد كان هذا تنفيذاً لحكم الله على آدم بأنه «من تراب وإلى تراب تعود».

«وولد بنين وبنات» في مدة حياته.

مواليد آدم من شيث حتى أخنوخ (ع6-20)

«وعاش شيث مائة وخمس سنين وولد أنوش. وعاش شيث بعدما ولد أنوش ثمانمائة وسبع سنين وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام شيث تسعمائة واثنتي عشرة سنة ومات. وعاش أنوش تسعين سنة وولد قينان. وعاش أنوش بعدما ولد قينان ثمانمائة وخمس عشرة سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام أنوش تسعمائة وخمس سنين ومات. وعاش قينان سبعين سنة وولد مهللئيل. وعاش قينان بعدما ولد مهللئيل ثماني مائة وأربعين سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام قينان تسعمائة وعشر سنين ومات. وعاش مهللئيل خمساً وستين سنة وولد يارد. وعاش مهللئيل بعدما ولد يارد ثماني مائة وثلاثين سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام مهللئيل ثماني مائة وخمسة وتسعين سنة ومات. وعاش يارد مائة واثنتين وستين سنة وولد أخنوخ. وعاش يارد بعدما ولد أخنوخ ثماني مائة سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام يارد تسعمائة واثنتين وستين سنة ومات.» (التكوين 5: 6-20)

أنوش مر في شرح (التكوين 4: 26).

قينان معناه كاسم قايين: حداد أو اقتناء.

مهللئيل معناه: حمداً لله.

يارد أو يَرد معناه: متفجر أو منحدر، ولعله من “زرد الماء” أي بلعه، وربما دعي هكذا لعثورهم على بئر للماء عند مولده أو لعثوره هو على بئر ماء.

أخنوخ وهو السابع من آدم من نسل ابنه شيث، وهو ثاني رجل تسمى بهذا الاسم، والأول هو ابن قايين (التكوين 4: 17). وقد عرب الأخير باسم أخنوخ في بعض التراجم وباسم حنوك في بعضها الآخر للتمييز بينه وبين أخنوخ السابع من آدم المذكور هنا. وقد مر معنى حنوك أو أخنوخ: المدرب أو المحنك أو المهذب أو المكرس.

حديث عن أخنوخ رجل الله (ع 21- 24)

«وعاش أخنوخ خمساً وستين وولد متوشالح. وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ثلاث مائة سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام أخنوخ ثلاث مائة وخمساً وستين سنة. وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه.» (التكوين 5: 21-24)

لم يعش أخنوخ سوى ثلاثمائة وخمساً وستين سنة، ولم يعمر مثل آبائه وأجداده، ولكن الوحي ميزه بعبارات مقدسة توضح امتيازه في سلوكه في الحياة وفي الطريقة التي انتقل بها من العالم. فيقول عن حياته أنه «سار مع الله» مكرراً العبارة مرتين، ويعني أنه عاش في شركة عميقة مع الله، سائراً في طريقه ووصاياه، وحسب مقاصده. وكانت النتيجة أنه «لم يوجد لأن الله أخذه». لم يتركه الله كثيراً في وسط العالم الشرير لأنه «من وجه الشر يضم الصديق» (إشعياء 57: 1)، وإنما أخذه إليه، نقله بدون أن يجوز الموت الجسدي. وفي هذا يقول عنه الرسول بولس: «بالإيمان نُقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله، إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله» (عبرانيين 11: 5).

وقد ذكر القديس يهوذا في رسالته نبوة أخنوخ التي تنبأ فيها عن مجيء الرب يسوع للدينونة (يهوذا 14-15). ويرى بعض الآباء أن أخنوخ ربما يكون قد كتب نبواته وتعاليمه في كتاب فقد بمرور الزمن، وقد حفظت الأجيال بالتقليد بعض نبواته، ومن بينها هذه النبوة التي أوردها يهوذا الرسول بإرشاد الروح القدس.

هذا ويوجد كتاب وضعه أحد المؤلفين في الجيل الثاني المسيحي ودعاه «سفر أخنوخ» وهو من الأسفار غير القانونية. والكتاب وإن كان يشتمل على بعض الأخطاء إلا أنه يحتوي على نبوات صادقة لأخنوخ مما حفظ بالتقليد، من بينها النبوة المذكورة، ومن بينها نبوات لأخنوخ عن المسيح، حيث دعاه «البار، وابن الإنسان، ومسيح الله». وقال عنه إنه أزلي قبل كون العالم، وأنه سيأتي ليدين العالم، إلى غير ذلك.

قد يظن البعض أن هناك تناقضاً بين القول بصعود أخنوخ وإيليا وبين قول المخلص: «وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء» (يوحنا 3: 13). ونجيب بأن السيد المسيح يتكلم بهذا إلى نيقوديموس ليبين له أنه ليس أحد عالم بأسرار السموات ومطلع عليها بطبيعته إلا ابن الله الكلمة الذي ظهر في الجسد، وهو وحده الذي حل في وسط الناس وله وحده أن يعلن لهم أسرار السموات. ولذلك يقول لنيقوديموس: «الحق الحق أقول لكم: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا… إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السمويات؟». فصعود المسيح إلى السماء شيء طبيعي لأن السماء كرسيه، ومنها نزل. وصعوده في هذا الحديث يعني وجوده في السموات بالفعل، وعلمه بما فيها رغم تأنسه ووجوده على الأرض في نفس الوقت، حيث أنه غير محدود. يدل على ذلك قوله: «وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء».

أما صعود أخنوخ وإيليا فليس إلا إنعاماً من الله، وهما لا يعرفان من أسرار السموات إلا بقدر ما يعطيهما الله، كما أنهما لم ينزلا إلى الأرض ليخبرا الناس عن شيء من هذه الأسرار.

متوشالح ويعني اسمه: «رجل السلاح أو الرمح» أو «مات فأرسل» يشير بذلك إلى إرسال الله الطوفان بعد موته، ولعل أباه دعاه هكذا بروح النبوة معلناً عن الطوفان الذي سيحل بالعالم ويدمره.

مواليد آدم من متوشالح إلى نوح (ع 25-31)

«وعاش متوشالح مائة وسبعاً وثمانين سنة وولد لامك. وعاش متوشالح بعد ما ولد لامك سبع مائة واثنتين وثمانين سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام متوشالح تسع مائة وتسعاً وستين سنة ومات. وعاش لامك مائة واثنتين وثمانين سنة وولد ابناً. ودعا اسمه نوحاً قائلاً: هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب. وعاش لامك بعدما ولد نوحاً خمس مائة وخمساً وتسعين سنة وولد بنين وبنات. فكانت كل أيام لامك سبع مائة وسبعاً وسبعين سنة ومات.» (التكوين 5:25-31)

«فكانت كل أيام متوشالح تسع مائة وتسعاً وستين سنة»: يكون متوشالح بذلك أكبر المعمرين سناً.

لامك هو ابن متوشالح، وهو خلاف لامك الذي من نسل قايين الذي ذكر في (التكوين 4: 18). نوح هو ابن لامك، ومعنى نوح: راحة. وقد دعاه أبوه هكذا عند ولادته قائلاً: «هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب» أو «في الأرض التي لعنها الرب» مؤملاً أن يكون ولداً صالحاً يعزي والديه ويسليهما في أتعابهما على الأرض، والأولاد الصالحون قرة عين لوالديهم ومصدر تعزية لهم. وقد كانت تسمية نوح هكذا في موضعها، وتحقق رجاء أبيه فيه، ولعل قوله كان نبوة لأن نوحاً كان بركة للأرض.

أولاد نوح (ع32)

«وكان نوح ابن خمس مائة سنة وولد نوح ساماً وحاماً ويافث.» (التكوين 5:32)

كان عمر نوح خمسمائة سنة وولد بعد ذلك أولاده الثلاثة: ساماً وحاماً ويافث الذين عمروا المسكونة بعد الطوفان.

سام ومعناه: اسم أو صيت أو سمعة، ولعل أباه سماه هكذا بإرشاد الروح القدس لأن من نسل سام ولد السيد المسيح له المجد، فبقي اسم سام خالداً به. ومن نسل سام تناسلت الشعوب السامية وكان مقرها قارة آسيا.

حام معناها: أسود أو أسمر أو لفحان الشمس والحر، ومنه تناسل المصريون والكوشيون والسودانيون وباقي شعوب أفريقيا.

يافث ومعناها: حسن أو جميل أو منتشر ومتسع، ومنه تناسل الأوروبيون وبعض شعوب آسيا.

وسيأتي الكلام عن ترتيب أولاد نوح بالنسبة لتواريخ ولادتهم في شرح (التكوين 9:10، 9:24-27).

ملاحظة: قد يستبعد البعض أن الآباء عمروا هذه الأعمار الطويلة، مما يجعل البعض يظنون أن السنوات التي حسبت بها هذه الأعمار شهوراً.

وللتعليق على هذا نقول:
(أ) أن الله بحكمته دبر أن تطول أعمار الآباء لكي تعمر الأرض بالسرعة وبالقدر اللذين رآهما مناسبين، ورب الخليقة له أن يدبر الخليقة بحسب ما يرى.
(ب) وفي العصور القديمة لم يكن في الحياة التعقيدات ودواعي الهموم والأمراض والأفكار التي تكثر كلما تقدمت العصور.
(ج) والأطعمة البسيطة التي اتخذها الإنسان من الأرض وهي لا تزال بكراً كانت تعمل على حفظ جسمه صحيحاً وعلى صيانته من العديد من الأمراض.
(د) ولا صحة للقول بأن السنوات شهور، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان آدم قد ولد شيثاً وهو في سن الحادية عشرة من عمره تقريباً، وشيث ولد بكره وعمره أقل من تسع سنوات، وقينان ولد بكره وعمره نحو خمس سنوات، وهكذا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى