صلوات الرب كمن كان يحتوينا في نفسه 

نفس المعنى السابق (الشفاعة والنيابة عن البشرية) يعبر عنه الآباء بعبارات أكثر قوة وأكثر جرأة، كأن يقولوا:

+ أن المسيح كان قد اقتنى في نفسه الشخصية البشرية في عموميتها، مثلما قال القديس كيرلس الكبير في تفسيره للآية (یو ۱: ۳۲و۳۳):

[جميعنا كنا في المسيح والشخصية البشرية في عموميتها كانت تتجدد فيه]. 

(ب. ج ١٦١:٧٣) 

+ أو أنه كان يحمل الجميع بواسطة جسده الخاص، كما يقول القديس كيرلس في تفسير يو ٦:١٦و٧:

[إنه قد حملنا بواسطة جسده الخاص، فإننا جميعاً كنا فيه من حيث أنه استُعلن إنساناً]. 

(ب. ج ٤٣٢:٧٤) 

كما يقول القديس أثناسيوس في كتاب «تجسد الكلمة»:

[لم يكن اللوغوس نفسه هو المحتاج لانفتاح أبواب السماء… بل نحن الذين كنا نحتاج إلى ذلك، نحن الذين كان يحملنا في جسده الخاص]. 

(ب . ج ١٤٠:٢٥) 

+ وبالتالي حينما كان يصلي كان يتكلم بالنيابة عن البشرية كلهـا 

ἐκ προσώπου τῆς ἀνθρωπότητος 

+ بل كانت البشرية المشخصة في المسيح هي التي تطلب بفمه الخلاص، حتى إن القديس كيرلس يجرؤ أن يقول: [إننا نحن الذين كنا فيه نصلي بصراخ شديد ودموع].

وهذه العبارات الجريئة، وإن كان لا يصح أن تؤخذ بالمعنى المادي الساذج، كأن نفهم أن نفهم أن المسيح في حياته الأرضية كان يحوي في حيز جسده المادي أجساد ملايين وملايين الناس الذين لم يولدوا بعـد – فهذا فهم مادي غير جائز – إلا أنها في الواقع تعبر عن حقيقة روحية غير مادية وسرية mystical من أهم ما يمكن وقيمتها الروحية من جهة الخلاص تفوق كل ما عداها وأساسها الكتابي ثابت في تعليم بولس الرسول عن المسيح بصفته آدم الثاني: «إذا كمـا بخطيــة واحـد صــار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحدٍ صارت الهبة إلى جميــع الناس لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً» (رو ه : ۱۸ و ۱۹). فكما حُسبنا في صُلب آدم الأول لما أخطأ وبالتالي ورثنا منه كل نتائج سقطته، هكذا يليق بالأحرى أن نحسب محمولين في كيان المسيح الروحي، آدم الثاني، لما صلى عنـا وقـدم بالنيابة عنا كل أنواع البر فصرنا «متبررين مجانا بنعمته». 

والقديس كيرلس يستشف هذه الحقيقة الروحية، حقيقة وجودنا السري في المسيح من كل ما قاله بولس الرسول عن شركتنا مع المسيح:

[ فبواسطة الجسد المتحد بـه كـان حاملاً الجميع في نفسه، فإننا بهذه الكيفية، نعم بهذه الكيفية قد دفنـا مـع المسيح في المعمودية المقدسة (رو ٦ : ٤) وأُقمنا معه وأجلسنا معه في السماويات!]. 

(ضد نسطور ۱:۱ ب. ج ١٧:٧٦) 

فمن الطبيعي إذا أن نراه يُطبق نفس هذا المنهج في تفسيره لصلوات الرب، ويرى أن «الذي في أيام جسده قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت» (عب ه : ٧) كان في الواقع يمثلنا نحن بل ويحملنا سراً في ذاته: 

[فنحن الذين كنا فيه نصلي بصراخ شديد ودموع ونطلب أن يبطل الموت]. 

صلاة الرب في جسيماني:

[الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه، مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به، وإذ كُمِّل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي مدعواً من الله رئيس كهنة إلى الأبد على طقس ملكي «صادق» (عبه : ۱۰۷). 
إنه من جهة يرفع التضرعات بصراخ شديد بصفته قد صار مشابهاً لنا، ومن جهة أخرى قد «سُمع له بصفته ابن الله الحقيقي بحسب الطبيعة الذي لم يرفض له الآب شيئاً قط. فهو القائل للآب: «أنا علمت أنك في كل حين تسمع لي» (يو ٤٢:١١)]. 

(عن الإيمان القويم إلى الملكات ٣٩ و ٤٠ ب. ج ۱۳۸۸:٧٦-۱۳۹۲) 

قبل أن نواصل قراءة قول القديس كيرلس، ينبغي أن نتوقف قليلاً عند هذه العبارة: [إنه من جهة يرفع التضرعات بصراخ شديد بصفته قد صار مشابهاً لنا، ومن جهة أخرى قد سُمع له بصفته ابن الله الحقيقي بحسب الطبيعة] 

فإننا نجد فيها مثالاً رائعاً للغنى اللاهوتي والروحي الذي يستخلصه القديس كيرلس باستمرار من عقيدة الاتحاد الأقنومي (أي اتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح). فالمسيح بحق ناسوته أي بصفته «قد صار مشابهاً لنا» استطاع أن يستقطب صراخ البشرية كلها – كمـا سيرد في بقية القول – منذ صرخة آدم وحواء عند انطراحهما خارج الفردوس، إلى صراخ وبكاء آخر إنسان سيعيش على الأرض؛ هـذه كلها استطاع المسيح بحق ناسوته أن يستقطبها في نفسه ويرفعها إلى الآب بصراخ شديد ودموع.

ثم من جهة أخرى بحق لاهوته أي بصفته «ابن الله الحقيقي بحسب الطبيعة» قد «سُمع له من أجل تقواه»، لأنه قدم صراخ البشرية هذا بتقوى على مستوى إلهي . فالوحدة بين بشرية المسيح ولاهوته هي التي جعلت صراخ البشرية يرتفع فيه بتقوى إلهية فينال هذا الصراخ فيه استجابة لائقة بتقوى ابن الله الوحيد. 

ولنواصل الآن قراءة قول القديس كيرلس لنجد فيه تأكيداً لهذا المعنى: 

[ فلكي يجعل صلواتنا نحن أيضاً مقبولة لدى الآب،
لذلك قد وضع بنفسه بداية جديدة لفعل الصلاة،
لكي يستميل بذلك مسامع الآب لصراخ الطبيعة البشرية،
ويجعلها مستعدة إلى أقصى درجة لاستجابة صلوات الذين 
يجازفون بأنفسهم من أجله.
فإننا نحن الذين كنا فيه – كما في بدء ثان الجنسنا – نحن الذين كنا فيه نصلي بصراخ شديد ودموع ونطلب أن يُبطل سلطان 
الموت، 
وأن تتقوى الحياة الموهوبة قديماً لطبيعتنا]. 

«نحن الذين كنا فيه نصلي بصراخ شديد ودموع»، هذا هو التفسير الصحيح لصلاة المسيح «للقادر أن يخلصه مـن المـوت». فليس المقصود من هذه الآية أن المسيح كان يطلب خلاصـه الشخصي مـن الموت الجسدي؛ بل خلاص الطبيعة البشرية كلها الممثلة فيه من الموت اللاصق بها. فحيث أن استجابة الآب لصلاة المسيح كانت استجابة جماعية لكل جنس البشرية و لم تكن استجابة فردية لحالته الخاصة، نستطيع أن نؤكد مع القديس كيرلس أن صلاة الرب في جثسيماني لم تكن مجرد صلاة فردية له بل كانت بالحري صلاة جماعية للجنس البشري بأثره الممثل في شخص المخلص. 

صلاة الرب على الصليب 

«إلهي إلهي لماذا تركتني» 

يقول القديس كيرلس بخصوص هذه الآية: 

[لاحظ أن الوحيد قد نطق بهذه الكلمات من بعد أن صار إنساناً وكأنه واحد منا، (يتكلم) بالنيابة عن الطبيعة (البشرية) كلها. فكأنه يقول: 
«الإنسان الأول أخطاً ووقع في العصيان ولم يحفظ الوصية… ولذلك أخضع للفساد والعذاب. وأما أنا فقد أقمتني بداية ثانية للذين على الأرض ولذلك دعيت آدم الثاني. فانظر في إلى الطبيعة البشرية وقد صارت مطهَّرة، مقومة عن أخطائها مقدسة وبلا عيب. وانعم بإحسانات رأفتك، وكف عن تركك إيانا. ازجر الفساد وضع حداً للغضب». 
هذا بحسب رأيي معنى كلمات المخلص، فهو ما كان يستدعي تحنن الآب على نفسه بل علينا نحن]. 

(«المسيح واحد» ب. ج ٧٥: ١٣٢٥ – ۱٣٢٦)

 

وبنفس هذا المعنى يقول القديس أثناسيوس في تفسيره للمزمور ٢١ الذي بدايته «إلهي إلهي لماذا تركتني»

[ إن المسيح كان يسبح بهذا المزمور بالنيابة عن البشرية: 
«إلهي إلهي التفت إلى لماذا تركتني».
إنه يطلب التفات الآب 
لأنه ينقل إلى نفسه الأمور الخاصة بنا، 
حتى يوقف اللعنة، ويحوّل نحونا وجه الآب 
فإننا نحن الذين كنا متروكين ومطروحين بسبب العصيان الذي في آدم]. 

(مكتبة الآباء اليونان ۷۰:۳۲)

وبخصوص الآية التالية من نفس المزمور «بعيد عن خلاصي كلام معاصي (أو حساب معاصي» (بحسب الترجمة السبعينية)، يقول القديس أثناسيوس:

[يبدو لي هنا أيضاً أن البشرية المشخصة في المسيح هي التي تطلب أن تتخلص من السقطات أي من المعاصي ومن المحاسبة عنها]. 

(نفس المرجع السابق) 

وفي ذلك يتفق القديس أثناسيوس مع القديس كيرلس في اعتبار الجنس البشري كله مشخصاً في المسيح وطالباً بفمه الخلاص. 

ويعود القديس أثناسيوس ويوضح نفس هذا المعنى في تفسيره للمزمور ٦٨ الذي يضعه أيضاً على فم المخلص على الصليب:

[هذا المزمور يحتوي على صلاة مقدمة من المخلص بالنيابة عن البشرية. فإن كل صلاة صلاها المخلص إنما صلاها بالنيابة عن طبيعة الإنسان]. 

(مكتبة الآباء اليونان ١٦٤:٣٢و١٦٥) 

هذا مبدأ عام يقرره القديس أثناسيوس، ويليق بنا أن نطبقـه علـى جميع صلوات الرب في حياته الأرضية بما فيها الأربعين يوماً والأربعين ليلة التي قضاها الرب في البرية في صلاة دائمة، ثم اعتزاله مراراً متكررة في الجبال والأماكن المنفردة، ليمارس بلا مانع، بالنيابة عنـا، حديثـه السري مع الآب، ثم صلاته في جثسيماني وصرخاته على الصليب، فهذه كلها يقول القديس أثناسيوس إنها قد صعدت من فم الرب بل من قلبه بالنيابة عن الشخصية العامة لطبيعة الإنسان حتى تتحول لحسابنا، وكأن البشرية هي التي كانت تصلي فيه صلاة على مستوى إلهي لائق بابن الله الوحيد. 

ويستطرد القديس أثناسيوس في تفسيره للمزمور ٦٨ قائلاً:

[ وتشير إلى ذلك أواخر المزمور إذ تقول: «لأن الرب استجاب المساكين ولم يحتقر أســراه»]. 

أي إن هذا المزمور ٦٨ الذي يبتدئ كصلاة فردية مملوءة بالنبوات عن أحداث الصليب، ثم ينتهي باستجابة جماعية للمساكين والأسرى هذا المزمور فيه تأكيد للمبدأ العام الذي قرره أثناسيوس من أن صلاة الرب الفردية على الصليب كانت مقدمة بالنيابة عن مساكين» الأرض جميعاً و «أسرى» الخطية. ويواصل القديس أثناسيوس تفسيره لهذا المزمور قائلاً:

[ «خلصني يا الله فإن المياه قد دخلت إلى نفسي». (عدد ١) حيث أنه قد حمل خطايانا فهو يتألم عنا، فمن المناسب أن يصلي لينقذ من التجارب المحيطة بنفسه مثل السيول الجارفة. 
«غرقت في حمأة عميقة وليس مقر». (عدد۲)
فإن هذا هو ما كانت الطبيعة البشرية قد تألمت به، إذ أنها أحدرت إلى الموت بواسطة الخطية وإلى موضع الجحيم نفسه 
الذي يدعوه «حمأة عميقة». 
«
تعبت من صراخي. يبس حلقي». (عدد۳) 
فبماذا كان يصرخ؟ وضد من؟ 
لقد عرفنا ذلك بوضوح في الآيات التالية قائلاً: 
«
لأنقذ من مبغضي ومن أعماق المياه ولا يغمرني سيل المياه »(عدد ١٤) 
فإنه كان يصلي كما قلت عن طبيعة الإنسان لكي يُبطل سلطان الموت ولا تعود الهاوية تغلق فمها عليها. لذلك يقول: 
«ولا تُطبق الهاوية عليَّ فاها» (عدد ه١) 
«أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب». (عدد٤)
فكثيرون هم الشياطين المتآمرون على طبيعة الإنسان الذين لا يتضررون بشيء منا وهم مجتهدون في إبادتنا. 
«يا الله أنت عرفت حماقتي». (عدد ه) 

إنه يدعو «حماقة» ذلك الجنون الذي ساد على البشر، أعني جنون الألم (أو جنون الشهوة)  فإن صليب الرب قد صار بحسب قول الرسول القديس لليهود عثرة وللأمم جهالة (أو جنوناً) (۲۳:۱۱)، فكأنه يقول: «أيها الآب أنت عرفت تدبير الصليب»، ويقول ذلك بصفته قد صار مطيعاً للآب حتى الموت موت الصليب. 

«وذنوبي عنك لم تخف». 

هذا يشبه «جعل الذي لم يعرف خطيــة خطيــة لأجلنا» (۲کو ه: ۲۱) فهذا هو ما يعنيه بقوله «ذنوبي عنك لم تخف». 

«لا يخزَ بی منتظروك يا سيد رب الجنود». (عدد ٦) عبارة «بي» تعني «بواسطتي»، أي بواسطة تألمي عنهم، وعبارة «لا يخز» تعني لا يخزوا بعد كمـا قـد خـزوا في القديم بسبب الفساد الذي خضعوا له فيكون معنى الآية وكأنه يقول: «حيث أني قبلت أن أذوق الموت عنهم فليرفع عنهم الخزي الذي صار لهم في القديم بسبب الموت».

فقد كان الموت المالك على الإنسان المخلوق على صورة الله خزياً للإنسان، فهو يعني إذاً أنه بقيامته سوف يُرفع المــوت مــن الوسط. وتتفق أيضاً مع هذا التفسير الآية التالية المشابهة للسابقة:
«لا يخجل بي ملتمسوك». 

فحسناً قال «بي» في الآية السابقة وفي هذه أيضاً. 

«نجني من الطين فلا أغرق». (عدد ١٤) 

هذا هو ما كان يصرخ به في صلاته من أجل البشرية. 

«لا تحجب وجهك عن فتاك». (عدد ۱۷)

حيث أن الله كان محتجباً عن طبيعة الإنسان بسبب معصية آدم، بسبب ذلك يطلب منه أن يرجع بوجهه من جديد نحوها. «اقترب إلى نفسي، فكها». (عدد ۱۸) 

يعني «فكها من القابض عليها، أي من الموت». 

«بسبب أعدائي افدني». 

أي (افدنا) من الظلم الذي تألمنا به من قبل الأعداء الخفيين. فهو يناشد الآب أن يبعد عنا هذا الظلم وينظر إلى احتياجنا للرحمة].

(مكتبة الآباء اليونان ١٦٤:٣٢-١٦٧) 

والملاحظ في تفسير جميع هذه الآيات أن القديس أثناسيوس يُطبق باستمرار المبدأ العام الذي قرره في بداية هذا التفسير أي إن [كل صلاة صلاها المخلص إنما قد صلاها بالنيابة عن طبيعة الإنسان]. 

صلاة الرب لحظة الموت على الصليب

«يا أبتاه في يديك أستودع روحي» (لو ٤٦:٢٣). 

يعلق القديس كيرلس قائلا: 

[لقد استودع روحه الله أبيه، أي نفسه البشرية المتحدة به لكـ بهذا الفعل أيضاً يحسن إلينا. فإن نفوس الناس في القديم حينما كانت تنحل من أجسادها، كانت تُرسل إلى المواضع السفلية المظلمة لكي تملأ سراديب الموت. ولكن منذ أن استودع المسيح روحه للآب، فقد افتتح لنا هذا الطريق الجديد فإننا لن نمضي إلى الجحيم بل بالحري سنتبعه في هذا أيضاً. وبعد أن نكون استودعنا نفوسنا للخالق الأمين (ابط ٤ : ١٩) في رجاء الخيرات العتيدة سيقيمنا جميعا المسيح]. 

صلاة الرب في القبر لحظة القيامة:

(عن الإيمان القويم للملكات ب. ج ١٤١٣:٧٦) 

«إنك لن تترك نفسي في الجحيم، ولن تدع قدوسـك يـــرى فساداً عرَّفتني سُبُل الحياة». (أع ۲ : ۲۸) 

يقول القديس كيرلس تعليقاً على هذه الآية: هذا القول يعلمنا أن الذي صار مثلنا واقتنى شخصية البشرية ينطق بأقوال تناسب حالنا نحن ولا تناسب حاله باعتباره إلها، وهو بذلك يستدعي علينا شركة الخيرات السمائية، وكأنه يستدعيها على نفسه هـو أولاً. لأنه بقوله إنها أُعطيت له فهو في الواقع يقدمها لطبيعة الإنسان. وبهذه الكيفية قد اغتنينا نحن بافتقاره كإنسان]. 

(ب. ج ٦٧١:٧٤) 

ونريد هنا أن ننبه ذهن القارئ إلى أن هذا المنهج الآبائي في تفسير صلوات المسيح على أنها صلواتنا نحن فيـه هـو مـن أقوى ما يستطيع أن يدخلنا إلى سر أسبوع الآلام، ويغذي تأملاتنا وصلواتنا فيه، وعلى الأخص تأملاتنا في مزامير أسبوع الآلام بألحانها الشجية الطويلة.

فمن الجيد أن نحمل هذه المزامير جميع احتياجاتنا الروحية، بـل واحتياجات الذين نصلي من أجلهم، بل واحتياجات البشرية عامة، وفي نفس الوقت أن نضع هذه المزامير عينها على فم الرب أثناء آلامه من أجلنا. والآباء يعلموننا أنه لا فرق بين أن نفسر هذه المزامير على أنها صلواتنا نحن أو أنها صلوات المسيح أثناء آلامه، لأن «طلبتنا نحن هي التي صارت فيه»، و«نحن الذين كنا فيه نصلي بصراخ شديد ودموع»، و«كل ما صلاه المسيح إنما صلاه بالنيابة عن طبيعة الإنسان». ولا شك أن هذه الحقيقة تضاعف بلا حد من قيمة صلواتنـا إذ تجعلها صلوات إلهية صاعدة من فم الرب نفسه بل ومن قلبه ومن روحه، فتصير استجابتها مؤكدة على قدر ما ننجح في الدخول في هذا السر… 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى