القديس إغناطيوس الأنطاكي 

إغناطيوس أي المتوشّح بالله، هو ثالث أسقف لأنطاكية بعد بطرس الرسول وإيفوديوس. سوري الأصل، هيليني الثقافة. هناك تقليد يجعله تلميذا ليوحنّا الإنجيلي، ولكن من دون إثباتات. لا نعرف عن حياته سوى أنه من عائلة وثنية فقيرة، تعلّم على يد الفلاسفة والرواقيين بخاصة، وتضلّع من الآداب. قبض عليه العام ١٠٧ واقتيد مكبّلًا بالأغلال من أنطاكية إلى روما، تحرسه مفرزة من الجند، أثناء الاضطهاد الذي شنّه الإمبراطور (ترايانس) على المسيحيين بين العامين ۹۸ – ۱۱۷. هناك طرح هو ورفاقه للأسود الجائعة في ملعب فلافيانس. كان ذلك على الأرجح في ٢٠ كانون الثاني العام ۱۰۷. تعيّد الكنيسة اللاتينية تذكاره في ١٧ تشرين الأوّل. 

رسائله 

كتب إغناطيوس، في طريقه إلى رومية، سبعَ رسائل شخصية قصيرة إلى كنائس آسيا (معظمها مذكور في سفر الرؤيا). وهذه الرسائل مفعمة بالعاطفة والروحانية، وصادرة عن قلب راع يهمّه أمرُ الرعيّة، ومن أجلها يبذل ذاته. هذه الكنائس هي : أفسس، مغنيسية، تراليان، روما، فيلادلفيا، إزمير، وإلى أسقفها بوليكربس

أطروحاته 

كلّ هذه الرسائل تدور على محور ثابت هو «تدبير الخلاص» إذ يقول: «لقد أحبّ الله البشر جدًّا، وأراد تحريرهم من ربقة العبودية، لذا أعدهم للخلاص في العهد القديم بواسطة الأنبياء، وهؤلاء أشاروا إلى المسيح الذي أقامهم عند مجيئه لأنه موضوع رجائهم» (مغنيسية ٩/٣٢). 

عقيدته المسيحانية 

إغناطيوس هو أحد الكتاب المسيحيين الأولين الذين يعلنون إيمانهم بالمسيح بشكل يضطر معه المؤمن إلى التساؤل عن معنى حياته. يُدرك أهمية البشارة المسيحية الحق أمام أفكار المظهريين والغنوصيّين، لذلك نراه يتكلّم على المسيح بموضوعية ويقدمه حدثًا تاريخيا وكونيا وخلاصيّا . يقول : إذا كان المسيح قد تألّم ظاهريًّا، كما يدّعي بعض الملحدين، أعني الذين لا إيمان لهم، وما هم سوى مظهر، فما الفائدة من القيود التي أحملها ؟ لماذا تتآكلني رغبة الصراع ضدّ الوحوش؟ أفيكون موتي في هذه الحالة عبئًا ؟ أيكون ما أقوله عن الربّ محض كذب؟ (تراليان ۱۱/۱۰ وطالع أيضًا إزمير ٢). 

محور أفكاره هو الشوق إلى الحياة وليس البرّ كما لدى بولس، وهو أقرب إلى إنجيل يوحنّا. المسيح موضوع رجائنا (مغنيسية ۳/۹) و «حياتنا». ويحس بأنّ عملا مأساويًا سيحصل مع إدراكه أنّ الحدث الأواخري الفاصل قد تم بمجيء المسيح. «إنّ في الإنجيل شيئًا فريدًا، فيه مجيء المخلّص ربنا يسوع المسيح وآلامه وقيامته. الأنبياء المحبوبون قد أعلنوا عنه، أما الإنجيل فهو خلاصته الأزلية . كلّ شيء حسن إذا اختتم بالمحبة» (فيلادلفيا ۲/۹) ، «المسيح ظهر في ملء الزمن» (مغنيسية ١/٦)، ويمثل للمؤمنين حياة جديدة فقد صاروا «أعضاءه» (أفسس ٤/٤ ؛ تراليان ٢/١١) وذراعي الصليب (تراليان ۲/۱۱)، وبما أنّهم متحدون في الكنيسة «جسده» (إزمير ٢/١١) فهو رأسها، وعليهم أن يعيشوا كلّ حياتهم فيه. به غلب الموت وصارت الحياة. «لقد ظهر الله متأنّسًا ليحقق النظام الجديد أي الحياة الخالدة. التصميم الإلهي الذي أُعدّ منذ البدء أخذ يتحقق، كلّ شيء اضطرب لأنّ الموت أوشك أن يزول» (أفسس ۳/۱۹). ويقدّم بالتالي الحياة المسيحيّة كلها دخولا في سريانيته Sacramentality الاتحاد بالمسيح، أي الاشتراك في ألمه وموته وقيامته ولهذا السبب يعطي أهمية قصوى حقيقة المسيح الإلهية والبشرية التي عليها يقوم الخلاص.

إسهام إغناطيوس في اللاهوت يكمن في تمييزه في قلب وحدة الشخص، الحقيقتين الأساسيتين: الإلهي والإنساني ويسمّيهما الجسد – الروح، أو الكلمة – الجسد. هذه الكلمات تبقى من دون شك، غير كاملة، لكن معناها واضح. إنّه يلتقي والإنجيلي يوحنا والرسول بولس من يوحنا اقتبس عقيدة الكلمة مشدّدًا على ربط وحدة المسيحيين بوحدة المسيح والآب من خلال الإفخارستيا . ومن بولس أخذ تقواه تجاه المصلوب ورؤيته لعقيدة التجسّد والفداء وتدبير الخلاص. 

روحانيته 

في الرسائل التي كتبها إغناطيوس إلى الكنائس التي تعرّف عليها في أشره، أظهر رغبة عارمة في الاستشهاد، وفي أن تمزّقه الوحوش من أجل المسيح، ويطلب ألا يتدخل أحد لدى السلطات الرسمية لإنقاذه : 

«إنني أعرفُ ما هو الخيرُ لي… 

لقد بدأت الآن أن أكون تلميذا حقيقيًا . 

لتأتِ النيران أو الصليب أو لتأتِ الوحوش فتحطّم كلَّ جسدي…  

دعني أذهب إلى يسوع المسيح ..

دعني أتمثل بإلهي في آلامه» (رومية ٥). 

إغناطيوس مثال على رغبة الاستشهاد العارمة التي تملكت بعض المسيحيين في ذلك الوقت، فعملوا على دفع السلطات لقتلهم لكي يموتوا شهداء، مما دفع كاتب قصة استشهاد بوليكربس إلى القول : جميل أن يموت الإنسان من أجل إيمانه، ولكنّ بقاء الكنيسة وثباتها في العالم هو أيضًا مهم، ويجب على المسيحي أن يحافظ على حياته، إن أمكنه أن يفعل ذلك بضمير صالح (الفصل ۲). 

روحانية إغناطيوس روحانية شخص سائر إلى الاستشهاد بهدوء وسلام وثقة بالنفس وإيمان عميق ويقين بأنَّ الموت ليس النهاية التعيسة، بل هو تتويج للقائه بربّه. 

 تنظيم الكنيسة 

في الرسائل الموجّهة إلى كنائس آسيا، يقول إغناطيوس إنّ الكنيسة المحلية يجب أن يكون فيها أسقف واحد يشرف على أمورها ويبني قوله على أسس لاهوتية: إتبعوا الأسقف كما اتبع يسوع المسيح الآب واتبعوا مجمع «القسس» كالرسل، واحترموا الشمامسة كما تقول وصيّة الله . . . حيث يكون الأسقف هناك يجب أن تكون الرعيّة، كما أنه حيث يكون المسيح هناك تكون الكنيسة الجامعة، وبدون الأسقف لا يجوز العماد ولا ولائم المحبة ولا يفعل أحد منكم أيّ أمر إلّا بموافقة الأسقف (إزمير ۸)، «على الرجال والنساء الذين يتزوّجون أن يكون اتحادهم على يد الأسقف حتى يكون الزواج حسب الربّ» (بوليكربس ٢/٥). 

في هذه الرسائل خدمة الأسقف والقسيس والشمّاس مرتبة ترتيباً تنازليا ، واعتمدتها الكنائس الرسولية في ترتيبها الكهنوتي. مع هذا يوصي بالأنبياء: «تعلّقوا بالأنبياء» (إزمير ٢/٧) 

الإفخارستيا 

يستخدم إغناطيوس الأنطاكي لفظة إفخارستيا أربع مرات، ويتغير مدلولها بحسب سياق النصّ، ففي الرسالة إلى أفسس تتخذ معنى الشكر : حاولوا أن تكتفوا اجتماعكم، لتقدّموا شكركم وتمجيدكم الله (۱/۱۳) . وفي الرسالة نفسها يعود يعلن أنّ الإفخارستيا هي دواء الخلود: إذا كنتم جميعكم تجتمعون كواحد متشددين بنعمته وبالإيمان الواحد بيسوع المسيح .. ابن الانسان وابن الله .. تكسرون الخبزة الواحدة التي هي دواء الخلود، تقدمة مُعَدّة لتحفظنا من الموت، وتؤمن لنا الحياة الدائمة في المسيح (۲/۲۰). ويحذر المسيحيين من الاشتراك في الولائم الأخرى: «إياكم والاشتراك بغير سرّ الشكر الواحد، لأنه لا يوجد غير جسد واحد لربنا يسوع المسيح، وكأس واحدة بدمه، ومذبح واحد» (فيلادلفيا ٤). 

تفقد الإفخارستيا معناها ما لم يرافقها الإيمان والمحبّة: «إنّ جسد المسيح الحقيقي هو إيمان المسيحيين، ودمه هو محبّتهم» (ترالیان ۱/۸) 

يذكر احتفال المسيحيين بيوم الأحد بدل السبت: «أولئك الذين عاشوا وفقا للنظام القديم، واحتضنوا بالرجاء الجديد لا يحفظون السبت بل الأحد الذي أشرقت فيه شمس حياتنا بواسطة المخلّص وموته» (مغنيسية ١/٩).  

نص 
روحانية شهيد 

إنّي أكتب إلى الكنائس كلّها لأعلن لها أنّي أموت، بمحض اختياري من أجل المسيح، إذن لا تمنعوني في الأقل إنّي أضرع إليكم راجيا أن تضعوا عطفكم جانبا ، لأنّه لا يفيدني. أتركوني فريسة للوحوش. إنها هي التي توصلني سريعا إلى الله. أنا قمحُ الله أطحن تحت أضراس الوحوش لأخبز خبزًا نقيًّا للمسيح. أغروا الوحوش لتصير قبرًا لي فلا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا مت لا أكون عبئًا على أحد. إذ ذاك أصبح تلميذا ليسوع المسيح، أي عندما يختفي جسدي ولا يراه العالم. إضرعوا إلى المسيح حتى يجعل من الوحوش واسطة لأكون قربانا الله أنا لا أمركم كبطرس وبولس، إنهما رسولان، أما أنا فمُدان هما ،طليقان أما أنا فلا أزال حتى الآن ،عبدا، لكن الموت سيجعلني معتقاً  بيسوع المسيح، وسأقوم معه حرًّا. إنّي أتعلّم الآن، وأنا مقيد بالحديد، بأن لا أشتهي أي شيء» (رومية ٤). 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى