هل الله عنصري؟
يُقصد بالشخص العنصري من يعتقد أن جنسًا بشريًّا بعينه أفضل من أي أو كل الأجناس البشرية الأخرى، ويرى أن هذا الجنس، أو بعض الأجناس، لها سمات متميزة، تحددها عوامل وراثية وهو ما يمنحهم تفوقًا جوهريا. وهذا يعني أن التمييز العنصري له ما يبرره ودعونا نتساءل بناءً على هذا التعريف، هل الله عنصري؟ البعض يقول إنه كذلك !
يقول سفر التكون إن الله ميَّز رجلًا يُدعى أبرام، واختاره قائلا له:
«اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض» (التكوين ۱۲: ۱- ۳).
إذا اخذنا هذا الوعد من الله ، ودرسنا بدقة كيف كان الله يُفضّل بني إسرائيل (اليهود)، فإن البعض سيقول بلا شك إنه تمييز عنصري. على مر التاريخ، وكما سجل الكتاب المقدس، كان الله شعبٌ مختار واحد. وقد يقول البعض إن هذا يُثبت أنه عنصري.
إحدى الأمثلة الأخرى التي تؤخذ للدلالة على عنصرية الله المزعومة، تظهر عندما لعن الشعب الإفريقي بالعبودية كما يقول البعض. واعتاد الكثيرون على الادعاء بأن الله قد لعن نسل حام بن نوح؛ لأنه أخبر أخويه الأكبر منه سنا بأنه وجد أبيه عاريًا بعد أن شرب الخمر وسكر. وكانت اللعنة أنه «عبد العبيد يكون لإخوته» (التكوين ۹: ۲۵). وبما أنه يُعتقد أن نسل حـام هو الأفارقة، كان من المنطقي استنتاج أن الله قام بالتمييز ضد جميع أجيال الأفارقة، بما في ذلك اللعنة بالعبودية.
تصحيح سوء التفسير
تأتي هذه التهم الموجهة لله من سوء التفسير، وسوء فهم الرواية المذكورة في الكتاب المقدس. أولًا: لم يلعن الله حام على ما فعله بل نوح هو من نطق باللعنة. كما أن نوح لم يلعن حام، بل لعن كنعان بن حام قائلًا: «ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته». وقال: «مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدًا لهم«. (التكوين ۹: ۲۵ ،٢٦). والأمر الأكثر شدة كان عندما يلعن الابن بدلًا من الأب؛ لذا وجه نوح لعنته إلى كنعان بن حام.
صحيح أن اثنين من أبناء حام على الأقل قد استقرا في إفريقيا هما كوش ومصرايم (راجع التكوين ٦:١٠ – ٢٠). لكن نسل كنعان قد سكن شرق البحر المتوسط، في المنطقة التي أصبحت معروفة فيما بعد بأرض كنعان، وهي إسرائيل حاليًا (راجع التكوين ۱۰: ۱۵ – ١٩). لذلك من غير المعقول الادعاء بأن الله عنصري استنادا على سوء تفسير كامل للنصوص الواردة في سفر التكوين. ومع ذلك، برّر الكثيرون على مدار سنين عدة آراءهم العنصرية نحو الأفارقة السود، والأمريكيين من أصل أفريقي؛ بناءً على تشويه كلمات الكتاب المقدس.
لكن ماذا عن نظرة الله لليهود؟ بالفعل قطع الله عهدًا مع إبراهيم ونسله اليهودي لسبب وجيه! قبل الخليقة، كان الله يخطط لفداء البشر «الخطاة»، وكان سيفعل ذلك بأن يأخذ صورة إنسان من خلال ميلاد يسوع. لذا اختار شعباً، وأعطاه كلمته المقدسة، الكتاب المقدس. وأسس نظام الذبائح الذي سيقود في النهاية إلى العلاج النهائي للخطية والموت. وقد تنبأ في كلمته بأن الذبيحة الكاملة، حمل الله، سيُولد من نسل إبراهيم (راجع متى ۱: ۱ -۱۷) وقد جاء يسوع ليفدى ويخلص كلَّ مَن يقبله، سواء من اليهود أو الأمم.
لذلك فاختيار الله لإسرائيل لا يتعلق ببساطة بهم، لكن بأنه كان يريد أن يجعل اسمه معروفًا، ويقدم الخلاص لبقية العالم. كما أنه قضى أيضًا لإسرائيل كما فعل مع شعوب أخرى (راجع ۲ ملوك۱۷). لم يكن الله يفضل أحدًا على الآخر، سواء من اليهود أو الامم، ونحن جميعا على قدم المساواة ستعطي حسابًا الله.
هل الله يتمسك بحرفية الشريعة؟
يُقصد بالشخص الذي يتمسك بحرفية الشريعة أنه يلتزم التزاما صارمًا بها، أو بقانون معين كغاية في حد ذاته. ويُعد اتباع الشريعة كاملةً هـو كل شيء لدى الشخص الذي يتمسك بها بحرفية والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل الله يتمسك بحرفية الشريعة؟
يرى الكثيرون أن تسلط الله الظاهر على تشريع القوانين والوصايا برهان على تمسكه بحرفية الشريعة. وقد ورَّث لنا العديد من القوانين والتعليمات. ذكر العهد القديم الكثير من الوصايا والقوانين المحددة للغاية، وكانت وصايا أخلاقية، ووصايا مدنية لشعب إسرائيل، ووصايا خاصة بالذبائح والاحتفالات ووصايا التطهير، كما قدَّم العديد من الوصايا التي تتعلق بالأكل والملبس والعبادة والزواج. وكانت الوصايا والتعليمات والقواعد مستمرة. كما أن الوصايا قد وضعت بعض العقوبات القاسية على من يكسرها ويخالف القوانين. وهنا يبدو في الظاهر أن الله يتمسك ، إلى حدٍّ كبير، بحرفية الشريعة.
مع ذلك، يغيب عن أولئك الذين يرون أن الله يتمسك بحرفية الشريعة، السبب، الذي جعله يقدم هذه الوصايا. إن سببًا جوهريا دفع الله لأن يُقدم تعليماته ووصاياه على هذا النحو. فقد قال إلى بني إسرائيل: «لأني عرفت الأفكار التي أنــا مفتكر بها عنكم، يقول الرب، أفكار سلام لا شر، لأعطيكم آخرة ورجاء» (إرميا ۲۹: ۱۱). قدَّم الله شريعته وخططته؛ لكي يجعل إسرائيل يُثمر ويزدهر. وكانت لخير شعبه.
أعطانا الله شريعته من أجل اثنين من الدوافع أساسهما المحبة: تسديد احتياجاتنا، و تقديم الحماية لنا، وهذا سبب يتعلق بالعلاقات. والله يريد منا في الحقيقة أن نتبع وصاياه ؛ لأنها تمثل طرقه التي تسدد احتياجاتنا، وتوفر الحماية لنا، وتأتي بالفرح لحياتنا. لذلك، في كل مرة نطيع شريعته، نحن في الواقع نتصرف وفقا لطرقه.
يبدو أنه غائبٌ عن كثيرين أن طرق الله تعكس ماهيته عندما نبدأ في التصرف بطريقة إلهية نعيش الحياة التي من المفترض أن نعيشها. ويمكنك رؤية أن طبيعة الله وشخصيته تحدد كل ما هو كامل ومستقيم وخَيّر، وهذه الأشياء هي التي تجلب لنا الفرح الحقيقي. يقول الكتاب المقدس: «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق» (يعقوب ۱: ۱۷). لذلك، عندما نتصرف وفقًا لطرقه، نختبر الفرح؛ لأن طرقه تعكس صلاحه وكماله المطلق. وعندما نتحلى بالصدق؛ سيأتي ذلك بالفرح لأن الله حقيقي. وعندما نتمتع بالطهارة سنعيش حياة الفرح لأن الله قدوس. وعندما نتعامل مع الآخرين بعدل، سنفرح لأن الله عادل. وتنبع وصايا الله لنا من أنه يريدنا أن نتصرف بطرق معينة تعكس طبيعته، والطريقة التي يتصرف بها. بكل تأكيد طرق الله تعكس ببساطة طبيعته الكاملة، وبهذه الطريقة يأتي الفرح في حياتنا، وتُسدَّد احتياجاتنا ويحمينا.
بأي حال من الأحوال، لا يتمسك الله بحرفية الشريعة فقد أعطانا وصاياه وتعاليمه كحدود؛ حتى يعلمنا الصواب والخطأ، وبالتالي نعيش وفقًا لطرقه من أجل خيرنا. والله يريد منا أن نرتبط به ونعيش مثله؛ لأن ذلك سيملأ حياتنا بالفرح، وهو ما سيفرح قلبه أيضًا. يقول الرب يسوع: «كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم» (يوحنا ١٥: ١١).
هل الله عنيف؟
سيعترف أي شخص يقرأ العهد القديم بأن بعض الشعوب قد تحملت مأساة كبيرة، والبعض حقق انتصارات عظيمة، وهو ما
تتضمن في الحالتين العديد من أعمال العنف. كما قرأنا قصص الخيانة والإرهاب والاغتصاب والقتل والحرب وذبح الأبرياء، والتعذيب والاستعباد والقتل الجماعي. وعلى الرغم أن الكتاب المقدس وثق هذا السلوك العنيف، فلا نستطيع الجزم بموافقة الله باستمرار هذه الأعمال أو حتى افتراض ذلك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الله عنيف؟ هل يشترك في أعمال عنيفة؟
لماذا يرتكب الله أعمال عنف؟!
إن الإجابة المختصرة هي: نعم ارتكب الله أعمال عنف، لكن ما لم يكن لدينا سياق للعنف الذي قام به الله سوف نخاطر بسوء فهم طبيعته. فالله رحيم ورؤوف (مز ۱۰۳: ۸). كما أنه قدوس وبار (مز ١٤٥: ١٧؛ رؤ ۳: ۷). وكذلك هو عادل ومنصف. يقول الكتاب «بار أنت يا رب، وأحكامك مستقيمة. عدلًا أمرت بشهاداتك، وحقًا إلى الغاية» (مز ۱۱۹: ۱۳۷ ، ۱۳۸). ويضيف الكتاب المقدس: «هو الصخر الكامل صنيعه. إن جميع سبله عدل. إله أمانة لا جور فيه. صديق و عادل هو» (تث ٤:٣٢).
ما مقدار العنف الذي يرتكبه إلة عادل، ولماذا ؟ في سفر الملوك الثاني، يقول الكتاب: «وكان في تلك الليلة أن ملاك الرب خرج وضرب من جيش أشــور مئة ألف وخمسة وثمانين ألفا» (۲مل ۱۹: ۳٥) وهنا نرى أن الله ذبح بالفعل مئة ألف وخمسة وثمانين ألفا من جيش أشور وهم نائمون! لماذا يرتكب مثل هذه الفظاعة؟ ما الذي كان وراء هذا التصرف العنيف؟
أولًا: دعونا نعترف أننا نعيش في عالم مليء بالعنف، ولم يكن الله هو السبب في هذا العنف، بل البشر أنفسهم. تمتلئ جميع الصحف، والأخبار عبر الإنترنت، في جميع أنحاء العالم اليوم، بقصص الطمع، وعدم الثقة، والسرقات والصراعات، وعمليات القتل والحرب، والدمار، والموت. وقد وضَّح يسوع ذلك بأن هذا العنف الشرير في العالم لم تسببه ظروف خارجية، بل بالأحرى «من القلب تخرج أفكار شريرة قتل، زني ،فسق سرقة، شهادة زور، تجديف» (متى ۱٥: ۱۹). لا يعد العنف في هذا العالم مشكلة اجتماعية أو اقتصادية أو حتى مرضية، بل هو مشكلة روحية أو قلبية. كما أن الخطية، وميل الإنسان الفطري إلى الانانية هما أساس أعمال العنف.
لكن في بعض الأحيان، مارس الله – الذي وقف ضد الخطية والانانية – العنف؛ لأنه الحامي الأسمى للأبرياء، وقاضي المظلومين. عندما قتل الله مئة ألف وخمسة وثمانين ألفا من جيش أشور، فقد قتل الجيش الذي يحاول أن يستولى على أورشليم، ويدمر يهوذا وشعبه. وكان الجيش الآشوري في عهد الملك سنحاريب قد دمر بالفعل إسرائيل، وكان يستعد لإبادة شعب الله.
كانت آشور دولة عدوانية تعذب الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وتقتلهم بوحشية. وقد سخر القائد الأعلى الملك سنحاريب الشرير، من الله، في رده على يهوذا: «مَنْ مِنْ كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي، حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي؟… لا يخدعك إلهك الذي أنت متكل عليه قائلا: لا تدفع أورشليم إلى يد ملك آشور» (۲ملوك ۱۸: ۳۵؛ ۱۰:۱۹).
كانت هذه الامبراطورية الوثنية التي قتلت الأبرياء، وسخرت من الإله الحقيقي، تستحق العقاب. وقد جاء القاضي البار للكون؛ حتى يدافع عن شعبه. نعم استخدم الله العنف للدفاع عن شعبه وحمايته، وتحقيق العقاب المستحق على فاعلى الشر. وقال عن ملك آشور : «و أحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي» (٢ملوك ٣٤:١٩).
الحامي والقاضي
لا بد ألا نعتقد بأن الله أقل من الدفاع عن الأبرار، والحكم على الأشرار. إنه البطل الذي يأتي لينجد المظلومين. ما الذي كان ينبغي أن يفعله قبل الخليقة عندما كان الشيطان يتحدى قداسته وعدله وسلطانه؟ هل كان لا بد أن يقف موقف المتفرج، ولا يحارب العصيان والشر؟ بكل تأكيد لا، كان من الحق والعدل أن يلجأ إلى العنف، ويطرد إبليس من السماء. كما أنه من الحق والعدل أن يستمر في الحرب؛ حتى يقهر الشيطان، وكل الشرور، والموت؛ حتى يحل في يوم من الأيام السلام الأبدي (راجع الرؤيا ۱۲-۲۱).
يقول كاتب المزمور «الله رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة» (المزامير ۱۰۳: ۸)، لكنه لا يقف مكتوفي الأيدي، ويسمح للشر أن يمر بلا قضاء. يقول الكتاب المقدس: «أمام الرب، لأنه جاء. جاء ليدين الأرض. يدين المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته» (المزامير ۹٦: ۱۳) فالله عادل، ويستخدم العنف لتنفيذ عدله الكامل الذي في النهاية سيأتي بالسلام الكامل والأبدي. والمسيح هو بطلنا، والملك الآتي، وهو «رئيس السلام. لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر، من الآن إلى الأبد. غيرة رب الجنود تصنع هذا » (إشعياء ٩: ٧،٦).