الأدب الديني السرياني الشرقي

كان الأدب السرياني موحداً قبل القرن الخامس، أي قبل انقسام الكنيسة سنة ٤٣١م إلى كنيسة سريانية شرقية وأخرى سريانية غربية. والأسماء اللامعة في تاريخ الأدب السرياني تنتسب إلى تلك الفترة المبكرة قبل الانقسام. وإلى جانب المؤلّفات السريانية الكتابية (أي المختصة بشرح الكتاب المقدَّس) واللاهوتية والشعريَّة كان الاتجاه أيضاً إلى نقل العلوم الكنسيّة من اليونانية إلى السريانية. 

وشهد القرن السادس نشوء أدب مسيحي باللغة الفارسية الوسطى، وذلك قبيل نهاية عهد جوستنيان حوالي سنة ٥٦٢م. 

ولقد برز في العصر السرياني الأوَّل قبل الانقسام أفرآتس وأفرام السرياني، ورابو. أما بعد الانقسام، فكان من أبرز الكتاب عندهم، نرسیس (٥٠٧م) ، وباباي الكبير (أواخر القرن السادس)، وأبو زكريا يحيى بن البطريق، وبعد الفتح العربي أصبحت مهمة ترجمة الأدب السرياني وقفاً على العلماء النّساطرة فحسب. ولم يكن ذلك يعني نضوب حقــــل السريانية، إذ نسمع في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عن واحد يُدعى حزايا ، وهو نسطوري من أصل فارسي اختطفه جنود الخليفة وباعوه عبداً رقيقاً، ولكنه استرد حريَّته في كردستان وهناك أسس ديراً كان له دوراً كبيراً في العلوم اللاهوتية السريانية، وقد بلغت مؤلفاته في السريانية ألف وتسعمائة مؤلّف، كما يذكر ذلك عبد يشوع، ولكن معظمها قد فقد. وباستثناء هذه الحالات الفردية لم تعد السريانية تحت حكم العرب لغة الأدب بل لغة التخاطب فحسب. 

حنين بن اسحق ۸۰۹ – ۸۷۳م

اسمه بالكامل هو أبو زيد حنين بن اسحق العبادي، وهــو طبيــــب نسطوري كبير بالحيرة في بلاد العراق. كان أبوه صيدلانيا قصد بغداد وحضر مجلس يوحنا بن ماسويه، وهذا الأخير أيضاً هو طبيب نسطوري من الطبقة الأولى، قلده المأمون رئاسة بيت الحكمة الذي أسسه ببغداد سنة ٨٣٠م وتوفي سنة ٨٥٧م . وكان حنين بن اسحق كثير الأسئلة ليوحنا بن ماسويه. وكان يصعب على يوحنا استقصاؤه وتواتر أسئلته. وإذ سأل يوماً أستاذه للاستفهام حرد عليه وقال: ما لأهل الحيرة والطب. وأمر فأخرج من داره. 

فتوجه حنين إلى بلاد الرُّوم، وأقام بها سنتين، فأحكم اللسان اليوناني، وحصل كثيراً من كتب الحكمة، ثم عاد إلى البصرة التي كانت آنئذ أكبر معهد لعلوم اللغة العربية، فتفقه فيها وبرع في اللسان العربي، وكان يجيد الفارسي والسرياني، وها لسانه الأصلي. 

وعاد إلى بغداد واشتهر بالتضلع في الفلسفة والطّب، وأبدى عظائم في التأليف والتفسير والنقل، إلى أن غدا ينبوعا للعلوم ومعدنا للفضائل. فأقرَّ له العُلماء بالرياسة، وأجل أطباء بغداد مقامه، ومنهم يوحنا بن ماسويه أستاذه السابق. 

وصار رئيس المترجمين الذين استعان بهم الخليفة المأمون لنقل الكتب التي وضعها الفلاسفة اليونان وأطباؤهم إلى العربية. وسافر حنين إلى أرجاء العراق وسوريا وفلسطين ومصر للتنقيب عن الكتب القديمة. ومن بعد المأمون (۸۳۳م) عاصر أيضاً المعتصم (٨٤٢م)، والواثق (٨٤٧م)، والمتوكل (٨٦١م)، الذي بعد أن اختبر أمانته قرَّبه إليه وجعله طبيبه الخاص، وأجزل له العطاء، ولقبه برئيس الأطباء والفلاسفة. ومن بعده أيضاً المنتصر ،(٢٨٦٢) ، والمستعين (٨٦٦م) ، والمعتز (٨٦٩م)، والمهتدي (۸۷۰م)، والمعتمد (۸۹۲م)، فكان طبيبهم وأمين سرهم، فغالوا في احترامه وإكرامه. وكان على سعة علمه متمسكاً بدينه، مكملاً بالفضائل، كريم الأخلاق. 

وآثر حنين بن اسحق مع مدرسته في أيام الخلفاء الأولين أن يكتبوا جل مؤلفاتهم بالعربيَّة على الرَّغم من أنهم كانوا يجيدون السريانية أيضاً. 

ونقل حنين من اليونانية إلى العربيَّة التَّرجمة السبعينية لأسفار العهد القديم كلها، ونقل من اليونانية إلى السّريانية ثم من السِّريانية إلى العربيَّة نحو مائتين وستين مصنفاً فلسفيا وطبيا، من مصنفات أرسطاطاليس وأبقراط، وجالينس وبولس الأجنيطي وغيرهم. وألف في السريانية والعربية ما يربو على المائة والخمسة عشر كتاباً في الطب والفلسفة والدين. وله من بين كتبه الدينية: 

  • تاريخ العالم “ منذ البدء حتى العصر الذي عاش فيه.
  • مقالة في خلق الإنسان ، وأن من مصلحته أن جعل محتاجاً. 
  • “إدراك حقيقة الأديان”. 
  • مقالة في دلالة القدر على التَّوحيد 
  • مقالة في الأجل. 
  • ترجمة العهد القديم إلى العربية ، وهي من أجود الترجمات كما يروي المسعودي في كتاب التنبيه. 

إسحاق بن حنين 

وهو أصغر أولاد حنين، ومن أشهر أطباء عصره وقد نال شهرة أبيه، وكانت مكانته كبيرة لدي الخلفاء الثلاثة المتوكل والمعتمد والعاضد وتوفي سنة ۹۱۰م وله من بين كتبه في الطب، كتاب في الدين وهو مقالة في التَّوحيد، وترجم إسحاق بن حنين من الأصل اليوناني كتاب في طبيعة الإنسان ويظهر أن العالم القبطي أبو إسحاق المؤتمن بن العسال قد استفاد من هذه الترجمة، وضمَّن أجزاء منها في كتابه “مجموع أصول الدِّين لاسيما في الفصل الثالث عن صلة الجسد بالرُّوح.

وفي هذه الفترة ظهرت القواميس السريانية الكثيرة تعبيراً عن خوف العُلماء من اندثار السريانية تحت زحف العربيَّة. وهذا ما نراه من أعمال يشو بار علي أحد تلاميذ حنين، والذي وضع قاموسا مزدوجا يضم السريانية إلى جانب العربيَّة. وكذلك يحيي بن مساويه الذي ألف في الطب بالسريانية والعربيَّة. وإلياس النَّصيبي وغيرهم. 

واشتهر البطريرك تيموثاؤس الأوَّل في القرنين الثامن والتاسع (۷۲۸ – ۸۲۳م)، وهو من أعظم الكتاب، وعمر حتى الخامسة والتسعين. وهو الذي رتَّب طقوس كنيسته وأرسل المبشرين إلى أواسط آسيا وبلاد العرب كما سبق أن ذكرنا، وله مؤلفات كثيرة أشهرها رسائله ودفاعه أمام الخليفة المهدي (۷۷٥ (۷۸۵م (۲۰) ، وقوانينه الكنسية. وله كتاب رسائل البطاركة الفصحيَّة من القرن الرابع حتى القرن التاسع. 

عبد المسيح الأنباري 

كان كاتبا للجاثليق تيموثاوس، وكاتب سر والي الموصل في القرن التاسع وله من المؤلفات: 

– تفنيد القرآن.  

مقالة في التوحيد. 

مقالة في التثليث. 

حبيب عبد يشوع بن بهريز 

وهو مطران الموصل، وكان صديقا لجبرائيل بن بختيشوع وناقلا له، في أيام الخليفة المأمون (۸۱۳ -۸۳۳م). ومن مؤلفاته مقالة في التَّثليث والتَّوحيد  . 

 

وفيما بين القرنين العاشر والثالث عشر :نعرف يوحنا بن أبي الصلت وهو راهب نسطوري من القرن العاشر، ومن بين مؤلفاته: 

  • كتاب الهدى. 
  • كتاب الإقناع. 
  • كنيسة المشرق الآشورية 
  •  كتاب البرهان. 
  • كتاب دليل الحائر. 
  • – ثلاث رسائل استخرجها من كلام مار اسحق السرياني أسقف نينوى (من القرن السابع) في الزهد والرهبنة وهي في أسلوب عربي بليغ. 

البطريرك إيليا الأوَّل (۱۰۲۸ – ١٠٤٩م)

كان مطراناً لمدينة ترهان وقد ألف عدَّة كتب للخدمة الكنسيّة باللغة السريانية، وكتاب نحو (قواعد) للغة السريانية، وأهم كتبه: 

  • أصول الدين، ويحوي ۲۲ بابا. 

مار بن سليمان 

وقد عاش في القرن الحادي عشر، ووضع موسوعة لاهوتية سماها كتاب البرج. 

أبو الفرج عبد الله بن الطيب 

وهو من الأطباء المشهورين واسع العلم كثير التصنيف، كثير الاشتغال بالفلسفة. أما مؤلّفاته الدِّينية فمنها : 

  • فردوس النصرانية وفيه فسّر الكتاب المقدَّس كله. وهو أضخم تفسير للكتاب المقدَّس باللغة العربية حتى اليوم. 
  • مدخل في تفسير المزامير
  • تفسير المزامير. 
  • تفسير الأناجيل. 
  • – مقالات في أصول الدين والتثليث والتوحيد، والأقانيم والجوهر، والتوبة، والقيامة. 

وجدير بالذكر أن النسخة العربية للكتاب المقدس والتي عنيت بنشرها الكنيسة الأسقفية للنشر والتأليف بالقاهرة، مأخوذة عن ترجمة عربية قام بها أبو الفرج عبد الله بن الطيب لمخطوطة سريانية نقلها أحد تلاميذ حنين بن اسحق. 

أبو الحسين البصري 

توفي سنة ،۱۰۳۸م، وهو تلميذ عبد الله بن الطيب، وله من المؤلفات: 

  • – كتاب البرهان . وفيه يثبت أبو الحسين أن صفة ”الجي” في الله هي صفة حقيقية قائمة بذاتها، وهو غير ما ذهب إليه رأي المشايخ والمعتزلة. 
  • – رسالة في وحدانية الخالق وتثليث أقانيمه. 
  • رسالة في الخالق. 
  •  رسالة في حدوث العالم ووجدانية الخالق تقدس اسمه وتثليث الأقانيم. 
  • البرهان على صحيح الإيمان. 
  •  مقالة في نعيم الاخرة
  • – خمسة شكوك وأجوبتها.
  • رسالة في فضيلة العفاف
  • كتاب دفع الهم
  • – الحكم النافعة للنَّفس والبدن 
  • تفسير الأمانة الكبير

مكخيا بن سليمان 

نسطوري ولد في بغداد، وكان بطريركاً من سنة ۱۰٩٢ – ۱۱۰۹م، وكان حريصاً على أن يفهم شعبه ما يُقرأ لهم من الكتاب المقدَّس، فترجم لهم القراءات إلى العربية. ومن مؤلفاته:

  • كتاب في حقيقة دين النصرانية. ألفه لأحد علماء المسلمين. 
  •  كتاب في حقيقة الدين المسيحي.
  • قول مختصر في الأبوة والبنوة على مذهب النصرانية، ورأي عقيدة السريان المسيحيين الساكنيين في الجهة الشرقية. 

ماري بن سليمان 

أحد كتبة النساطرة في القرن الثاني عشر، وصاحب كتاب “المجدل للاستبصاروالجدل”، وهو أول كتاب منهجي شامل في علم اللاهوت عند النساطرة، جمع فيه المؤلف جميع العلوم الخاصة بالدين من عقائد وأخلاق وطقوس ونظام كنسي. 

يوسف إيشوعياب بن ملكون 

ولد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، أقيم مطراناً على نصيبين، وتوفي في النصف الأول من القرن الثالث عشر. ومن مؤلفاته: 

  • عقيدة الإيمان، وبخاصة في سر التجسد. 
  •  تفسير قانون إيمان مجمع نيقيه.
  • مجموعة رسائل في البرهان على صحة الإنجيل، وفي الرد على من يتهم النَّصارى بعبادة الأصنام، من حيث أنهم يسجدون للصليب ويكرمون الصور. 
  • – مقالة في القيامة. 

أبو حاتم إيليا بن الحديثي 

ولد في ميافرقين وهو مطران نصيبين ثم صار بطريركا سنة ١١٧٦م،  تحت اسم إيلياس الثالث، وتوفي سنة ١١٩٠م. وله: 

  • تراجم الأعياد وهو كتاب جليل بليغ الإنشاء، يحتوي على خطب مسجعة
  •  التراجم السنية للأعياد المارانية 
  • – كتاب تعزيات تقال على الموتى. وهو أيضاً خطب تلقى في الجنازات. 

 

محيي الدين العجمي الأصفهاني 

هناك خلاف عما إذا كان نسطورياً أو يعقوبياً، ولا يُعرف شئ عن حياته إلا النَّذر اليسير، وهو على الأرجح من القرن الثالث عشر. 

ومن مؤلفاته : 

  •  رسالة إلى أحد فقهاء المسلمين. 
  •  كلام في العقل والمعقول 
  •  أشرف الحديث في شرفي التوحيد والتثليث. 

 

عمار البصري

ذكره أبو اسحق بن العسال في كتابه “مجموع أصول الدِّين وعاش ما بين القرنين العاشر والثالث عشر. وله من الكتب:

  • كتاب البرهان في الدِّين. وهو على نسق كتاب التدبير الإلهي. 
  • كتاب المسائل والأجوبة. وهو أربع مقالات تعالج المسائل الآتية: 
    ( أ ) قدم ووحدة الخالق. في ۲۸ مسألة. 
    (ب) صحة الأناجيل، وكيف تتفق ووجود الله . ١٤ مسألة. 
    (ج) الثالوث القدوس ۹ مسائل. الإنسان، ٥١ مسألة. 

أسطورة بحيرا الراهب 

أسطورة مسيحية نشأت في حضن جماعة ،فارسية، وقد كتبت بالسريانية ثم نُقلت إلى العربية، وكان لها انتشار واسع في الأوساط المسيحيَّة في القرون الوسطى. 

والكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام. يتكلم المؤلّف في الجزء الأول منه لقاء بحيرا الرَّاهب النَّسطوري بالرَّبان إيشوعياب الذي يقرأ له الكتاب. وفيه القصص التي تتحدث عن القبائل العربية التي شاهدها سرجيوس في جبل سيناء. ويبدو أن هذا الجزء قد وضع في نهاية القرن الحادي عشر أو في مستهل القرن الثاني عشر .. 

أما الجزء الثاني فيتطرق إلى المحادثات التي جرت بين محمد وبحيرا، الذي يزوده بمعلومات عن الدين المسيحي. وهذا الجزء الذي يكوّن أسطورة بحيرا الحقيقية يرقى إلى عهد أسبق. وقد ورد في هذا الجزء كيف لقن سرجيوس محمداً عقيدته وشرائعه وأجزاء من القرآن، وذلك بقصد أن يجعل العرب يعترفون بإله واحد. 

أما الجزء الثالث فهو سلسلة رؤى عن الأزمنة المقبلة من حكم العرب وحتى مجئ المسيح الثاني. وهو من زمن الجزء الأوَّل تقريباً أو متأخر عنه قليلاً. 

وبشكل عام لم يكن للنساطرة جبابرة في الأدب السرياني في العصور الوسطى، إلا أن تدهور الأدب السرياني قد استغرق وقتاً طويلاً. ففي القرن الثاني عشر قدَّم معظم الكتاب إنتاجهم بالعربية عدا واحد يُدعى سيمون الشنكلاوي، فقد ترك لنا بالسريانية تاريخاً لبطاركة الكنيسة الآشورية. ويمكننا القول أن القرن الثالث عشر هو الحد الفاصل الذي توقف فيه الأدب السرياني توقفا شبه تام. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top