القديس أنطونيوس

الخطوط الرئيسية لحياة القديس أنطونيوس:

۱ نعلم من التاريخ أن هناك اضطهادين مروّعين ثارا في النصف الثاني من القرن الثالث: الأول بين سنتي ٢٥٣،٢٤٨ في عصر داكيوس، والثاني في عصر فاليريان بين سنتي ٢٥٧، ٢٦٠. وبعد ذلك تمتعت الكنيسة بالسلام حتى سنة ٣٠٠م حينما بدأ دقلديانوس مراسيمه ضد الكنائس والعبادة. وقد ولد القديس أنطونيوس سنة ٢٥١م في عصر البابا ديونيسيوس الكبير البطريرك الـ ١٤ ، في قرية كوما (حالياً قمن العروس) على الشاطئ الغربي للنيل في منتصف المسافة بين الجيزة وبني سويف.

كانت أسرته تملك ۳۰۰ فدان من أجود الأراضي الزراعية في مصر الوسطى، وكانت له أخت أصغر منه، أما هو فكان يُصاحب والديه في ترددهما على كنيسة قريته. وعلى القارئ أن يتصور أننا في سنة ٢٦٠م تقريباً، وفي قرية صغيرة فيها كنيسة يُقرأ فيها الإنجيل باللغة القبطية؛ وهذا يعني مدى انتشار المسيحية وبلوغها أعماق ريف مصر، وليس فقط في المدن اليونانية الكبرى في الصعيد، كما يبدو لبعض المؤرخين الأجانب.

كذلك نستنتج أن القديس أنطونيوس تعلم القراءة والكتابة بلغته الوطنية أي القبطية، لأنه كان دائماً يوصي تلاميذه ورهبانه بمطالعة الأسفار الإلهية؛ إذ من غير المعقول أن يوصي بهذه الوصية دون أن يعرف هو شخصياً قراءة الكتب المقدسة. وهذه النقطة تُصحّح مفهوم المؤرخين عن حياته أنه كان أُميّاً أو ساذجاً. لكن الحقيقة أنه لم يكن يعرف اللغة اليونانية ولا آدابها أو فنونها حيث أن قريته (كوما) كانت بعيدة عن أية مدينة يونانية كبيرة[1] تُمكّنه من دراسة وإتقان اللغة اليونانية وآدابها.

توفي والد أنطونيوس عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره (حوالي سنة ٢٦٩م). وبعد ستة أشهر سمع في الكنيسة الدعوة الأولى: «إن أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء… وتعال اتبعني» (مت ۲۱:۱۹). فباع أنطونيوس كل ما له وأبقى القليل لمعيشة أخته الصغيرة.

الدعوة الثانية أتته أيضاً في الكنيسة: «لا تهتموا للغد» (مت ٣٤:٦). فقام أنطونيوس ووزع القليل الباقي، وأودع أخته بيتاً للعذارى سنة ۲۷۰ م، وتتلمذ لأحد الشيوخ المتوحدين. وكان الاعتزال على حدود القرى للتعبد أمراً معروفاً منذ اضطهاد داكيوس سنة ٢٤٨م. وهنا نرى الروح القدس يضع العلامة الثانية للحركة الجديدة الرهبنة. فهي لا تؤخذ بالدراسة ومطالعة الأسفار المقدسة فقط؛ بل هي حياة تختبر وتُعاش وتُسلم بالتقليد على يد الشيوخ.

وهكذا قضى القديس أنطونيوس خمس عشرة سنة يتعلم ويتتلمذ للنساك والمتوحدين. ثم اعتزل في مدافن قديمة في الطرف الغربي لقريته حيث كان موضع التقاء المساحات الخضراء مع الصحراء؛ وهناك كان يخدمه صديق علماني في هذه الصومعة صارع الشياطين والأرواح الشريرة حسب ما روى القديس أثناسيوس في “سيرة أنطونيوس”. ولا ننسى أن الطرف الغربي للقرية كان يُعتبر منذ العصور القديمة مسكناً للأرواح الشريرة، والفراعنة اعتبروه مدينة الأموات، فكانت مدافنهم في الجبل الغربي في الأقصر مثلاً : وادي الملوك ووادي الملكات.

لقد اتخذت محاربات الأرواح الشريرة ضد طالبي ملكوت الله مع القديس أنطونيوس نفس الخط العام أفكار وخيالات وشهوات وإغراءات. وعندما ينتصر عليها تبدأ في ظهورها العلني بالضربات والجلدات والحيوانات المفترسة والوحوش المخيفة لأجل الترويع والإرهاب، حتى أنها انهالت على القديس أنطونيوس بالضرب الموجع وتركته على باب المقبرة بين حي وميت. هكذا عثر عليه خادمه حينما جاء لافتقاده، فحمله إلى الكنيسة، واجتمع حوله أقاربه وأهل قريته. وفي نصف الليل أفاق وطلب من تلميذه أن يُعيده إلى حيث كان، فلما حاول الوقوف لم يستطع الانتصاب. فرقد على الأرض وهو يصيح بالشيطان : ضرباتك لن تفصلني عن محبة المسيح.

واضح أن مهاجمة الأرواح الشريرة وضرباتهم كانت بقصد إرجاعه إلى بلدته ليكون بين أهله وأقاربه، وهذا ما يتعارض مع النسك بحسب رواية القديس أثناسيوس. فالنسك والعزلة في الحياة الرهبانية هما المقابل لمحبة المسيح. ويتضح ذلك في تعاليم القديس أنطونيوس المحفوظة لنا في بستان الرهبان.

ورغم ضعف جسده وما ناله من الشياطين، إلا أنه كان يُعيّرهم أنه ليس لهم عليه سلطان، إذ أن أصغرهم يستطيع أن يمزّقه.

وانتهى هذا الصراع، أو هذه المرحلة بالنور من السماء الذي عزاه وشدده بأن الله سيجعل اسمه مشهوراً.

 أنبا أنطونيوس في الجبل الشرقي

بانتهاء مرحلة الترويع والإرهاب التي قادتها الأرواح الشريرة ضد القديس أنطونيوس، ظهر له النور السمائي الذي عزاه به الله وأنبأه بأنه سيجعل اسمه مشهوراً في المسكونة كلها، ثم عبر القديس أنطونيوس النيل شرقاً إلى منطقة دير الميمون الحالية. وهناك سكن أحد الحصون الرومانية القديمة التي كانت تقام لصد غارات البدو والبربر على البلاد حيث كانت فيه بئر مياه. واستمر في هذا الحصن متوحداً مدة عشرين سنة حتى عام ٣٠٦م. فاجتمع حوله كثيرون متمثلين بسيرته، لكنه لم يهتم بهم في بادئ الأمر، فاقتحموا عليه وحدته في النهاية، وارتضى أن يكون لهم مرشداً وأباً روحياً، وكان عمره حينذاك خمس وخمسين سنة. ومن ثم بدأت الأديرة تنتشر تحت رعايته من بسبير – دير الميمون – حتى أرسينو في الفيوم.

ويعطينا البابا أثناسيوس الرسولي في السيرة التي كتبها عن القديس أنطونيوس عظة تستغرق ربع السيرة، من ف ١٦ – ٢١ ، تلخص المبادئ الرهبانية التي عاش بها القديس وخبراته الروحية؛ تكاد هذه العظة أن تغطي كل ما يريد الراهب الساعي للكمال المسيحي أن يعرفه: دعوته، إغراءات الأعداء الأشرار لتحييده عن الطريق، ضعف الشياطين أمام قوة الصلاة والصليب المقدس، كيفية تمييز الأرواح أي موهبة الإفراز.

فالراهب هو الوارث الحقيقي لمرتبة الشهداء في الكنيسة والكنيسة تمجد الشهيد بسبب انتصاره على إبليس وأعوانه من خلال الآلام والإغراءات التي يعرضونها عليه للتخلي عن المسيح مقابل الانعتاق من عذابات المضطهدين. أما الراهب فعليه أن يموت كل يوم في معركة طويلة تستغرق الحياة بأكملها. هكذا عاش القديس أنطونيوس عندما لم يَنَلْ بُغْيته في الاستشهاد: فعاد إلى صومعته مرتدياً لباس النسك أو الاستشهاد اليومي. فالحياة الرهبانية ميدان صراع، والخصوم الأساسيون فيها هم إبليس والأرواح الشريرة، لذلك يحذر القديس أنطونيوس في عظته هذه:

[…. إذ نعيش هكذا، فلنأخذ حذرنا كما هو مكتوب: لنحفظ قلوبنا بكل حرص (أم ٢٣:٤)، لأن لنا أعداء مروّعين في غاية الدهاء وهم الأرواح الشرية، ومصارعتنا هي معهم كقول الرسول] (ف ۲۱).

ثم يستطرد في شرح دور الشياطين ضد السالكين في طريق الكمال فيقول: إن الله لم يخلقهم هكذا أشراراً، بل كانوا ملائكة خيرين ثم أخطأوا فسقطوا وطردوا من السماء. لذلك يحسدون كل من يرونه سالكاً وراء الغبطة والسعادة المذخرة للمؤمنين والتي كانت أصلاً من نصيبهم. ولأجل هذه الغاية يجتهدون في تضليلهم لئلا يصعدوا إلى المراتب التي سقطوا منها. وهجماتهم تبدأ بالتصورات الشريرة والأفكار، ثم التخويف والإرهاب، وأخيراً بالمناظر البهية المزيفة.

ووسيلة الغلبة عليهم بسيطة وسهلة للغاية الصلاة والتمسك بالصليب:

[…. ارشموا ذواتكم وبيوتكم (أي قلاليكم) وصلوا فيختفون (أي تختفي الشياطين)؛ لأنهم جبناء ويخشون علامة صليب ربنا حيث جردهم عليه وفضحهم جهاراً (كو ١٥:٢)].

كذلك من وسائل الغلبة على الشياطين الصوم والمثابرة على الحياة النقية العفيفة:

[…. إذ أنها تخشى الصوم والسهر والصلوات والوداعة وسكون الراهب، واحتقاره للمال والمجد الباطل، والتواضع ومحبة المساكين… وفوق كل شيء: التكريس الكامل للمسيح].

هكذا نرى تعاليم القديس أنطونيوس قابلة للتطبيق العملي في الحياة اليومية، مملوءة حكمة وفطنة، تخلو من المبالغات والتهاويل التي تندفع إليها المشاعر الذاتية عن جهالة متخفية في زي البساطة والسذاجة. وفي تعقيب لأحد المعلقين الأجانب الأتقياء الذي لم يستطع أن يخفي إعجابه:

[…. تعاليمه أي تعاليم القديس أنطونيوس بلا شك نقية وبلا لوم، تكشف عن طبيعة سامية سمائية، بلا وَجَل ولا كآبة بلا روتينية ولا مجاملة ذاتية الأسطورة عنده مذمومة متقوقعة، ومشحونة بالشعور بالذنب تخلو من الثقة بالله وترتعب من قوات الشر. كان أنطونيوس بلا ريب خالياً منها، مملوءاً ثقة مقدسة في السلام الإلهي، منشرح الوجه، جسوراً غير هيَّاب].

نزوله الأول إلى الإسكندرية بين سنتي ۳۱۱، ۳۱۳م:

بعدما تخلى الإمبراطور جاليريان عن الحكم لابن أخته مكسيمين دايا في نهاية حياته، حاول هذا الأخير تجديد الاضطهاد بصورة أشد وأعنف ضد المصريين. فتوجه القديس أنطونيوس مع بعض تلاميذه إلى الإسكندرية للاستشهاد أو على الأقل لتشجيع المعترفين وتعزيتهم. ويا للعجب، كان عمره قد تجاوز الستين سنة !!

ولكن خلال هذه الفترة تعرف عليه في الإسكندرية الفتى الغض أثناسيوس الذي كان وقتذاك تلميذاً للبابا ألكسندروس البطريرك الـ ۱۹، وكان لا زال ابن خمسة عشر عاماً. لكن السيرة التي ديجها عن القديس أنطونيوس تعكس مدى الاندهاش والإعجاب الذي أحس به تجاه هذه الشخصية الروحية المهيبة الممتلئة جسارة. ولا ننسى أن القديس أثناسيوس كتب أولى نشاطاته الأدبية اللاهوتية: “الرسالة إلى الوثنيين” و “تجسُّد الكلمة” سنة ۳۱۸ م . هل كان ذلك نتيجة رد فعل اللقاء الذي تم بين هذين القطبين العظيمين؟ ربما ! لكن الذي لا شك فيه أن شخصية القديس أنطونيوس بقيت منطبعة على قلب البابا أثناسيوس أكثر من ٤٠ سنة إلى أن استودعها كتابه عن سيرته عام ٣٥٧م.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن القديس أنطونيوس نزل ثانية إلى الإسكندرية عام ٣٣٨م المؤازرة البابا أثناسيوس في كفاحه ضد الأريوسية وكان قد تجاوز الخامسة والثمانين عاماً من عمره.

عودته للوحدة وذيوع شهرته

بعد انتهاء الاضطهاد سنة ۳۱۳م، عاد القديس أنطونيوس لوحدته وأديرته؛ فقد صار معلماً الأديرة بسبير والفيوم، وامتدت شهرته إلى وادي النطرون تحقيقاً للرؤيا التي ظهرت له قبل انتقاله للجبل الشرقي. فيذكر كتاب: “أقوال الآباء” (الأبو فتجماتا باترم): “… حدث مرة أن أنبا أنطونيوس جاء إلى جبل نتريا ليفتقد أنبا آمون (أب رهبان نتريا). وهذا يُظهر مدى التفاهم والمشورة والطاعة الكائنة بين القديس آمون تجاه أب الرهبان أنبا أنطونيوس: “… وبهذه الروح نمت الرهبنة، وتقوت الوحدة، وعمرت القفار والجبال، وصارت كجنة الله”. وكانت هذه الزيارة حوالي سنة ٣٣٥م.

وعن علاقة القديس أنطونيوس أيضاً برهبنة شيهيت جاء عن القديس مقاريوس في المخطوطة المعروفة عن سيرته :

[حدث أنه بعد ثلاث سنوات (من دخول القديس مقاريوس إلى شيهيت)، فكر في نفسه قائلاً : “ها أني قد جئت إلى هذا الموضع وليس لي أحد يرشدني إلى سيرة سكان البرية. أقوم الآن وأمضي إلى الأب أنطونيوس، لأنه كان قد سمع به وهو بعد في مصر… فلما اجتمع بالشيخ (أنبا أنطونيوس) قبله بفرح وكشف له أفكاره كابن لأبيه… وأن الشيخ وعظه وأيده بكلام كثير يليق بزي الرهبنة المقدس، وعرفه بقتالات العدو.]

وهذه الزيارة حدثت عام ٣٤٣م، وأعقبتها زيارة ثانية بعد عشر سنوات – وكان القديس أنطونيوس قد تعدى المائة عام – وكانت لأخذ نصائح للرعاية وقيادة النفوس التي تكاثرت حول القديس مقاريوس، خاصة أن القديس أنطونيوس هو الذي تنبأ له بهذه الموهبة. وأيضاً كانت الزيارة للمشورة من أجل بناء بيعة في وسط شيهيت، وسلمه في هذه الزيارة الثانية عصا الأبوة والرعاية رمزاً للتدبير الرهباني. كما كانت هناك علاقة محبة بين القديس أنطونيوس والقديس باخوميوس، واستمرت هذه العلاقة بين القديس أنطونيوس ورهبان الشركة الباخومية في المراسلات التي جرت عقب نياحة القديس باخوميوس. وهكذا اعتبرت أديرة العالم بأسره أن القديس أنطونيوس هو أب الرهبان على مستوى العالم.

تعمقه في البرية الداخلية:

رغم عظم المسئوليات – كأب ومرشد الجماعات من الرهبان هذا عددها ومدى اتساعها فقد تزاحمت على القديس أنطونيوس أيضاً زيارات المرضى والذين بهم أرواح شريرة، بل وزيارات ومراسلات من الحكام والولاة وأصحاب المناصب طالبين المشورة لأجل مشاكل العمل والحكم والسلطان؛ بالإضافة لشكاوى المظلومين والمتضررين ضد أصحاب السلطة، فصارت الضرورة ملحة للابتعاد عن الناس والمشاكل والقضايا؛ فأرشده الله إلى البرية الداخلية بأن صاحب إحدى قوافل الجمال، التي كانت وسيلة نقل البضائع بين وادي النيل والبحر الأحمر، في رحلة تستغرق ثلاثة أيام. وعند التقاء جبل القلزم الممتد من جنوبي السويس مع جبال القلالة أو الجلالة، وجد القديس أنطونيوس وادي العربة طوله تسعون كيلومتراً وعرضه ثلاثون كيلومتراً، وينتهي عند ساحل البحر الأحمر فيه نبعان للمياه العذبة الأول “عين العرايضة في منتصف الوادي؛ والثاني، العين الباردة بعدها بمقدار عشرين كيلومتراً. وقد كشفت الآثار والتنقيبات الحديثة عن مغارة تعلو “عين العرايضة” في سفح جبل الجلالة، تستغرق ثلثي ساعة مشياً على الأقدام، لكنها تخفي قاطنها عن أعين المترددين مع القوافل والمرجح أنها هي المغارة التي سكنها القديس أنطونيوس لما تعمق في البرية الداخلية.

أما تاريخ هذا الانتقال، فأنسب الظروف المواتية له هي انتهاء موسم الاضطهادات وتعاطف الإمبراطور قسطنطين الكبير مع المسيحية عقب انتصاره على زوج شقيقته، أي حوالي عام ٣٢٠م؛ إذ أنه في ظل هذه الظروف الجديدة صار من المتيسر تردُّد الولاة وأصحاب السلطة على القديس أنطونيوس، مما دفعه إلى الانتقال إلى البرية الداخلية.

نياحته

لما أعلم الله القديس أنطونيوس بقرب نياحته، وكان قد بلغ من العمر ١٠٥ أعوام، نزل القديس إلى جبل بسبير قرب النيل – حيث ما زالت في دير الميمون كنيسة أثرية تحمل اسمه – وودع الإخوة ورجع ثانية إلى البرية الداخلية. ولم يبق معه سوى تلميذيه مكاريوس وأماثاس وأوصاهما :

  1.  أن يُدفن جسده بدون تحنيط كما هي عادة الفراعنة واليونانيين الوثنيين، وعلى أن لا يعرف أحد مكان دفنه.
  2.  يُعطى رداؤه الجلدي والعباءة للقديس أثناسيوس الرسولي، والجلد الثاني لتلميذه سيرابيون أسقف تمي وصاحب الليتورجية المعروفة باسمه.
  3. المسوح الليف التي كان يرتديها بصفة دائمة، تركها لتلميذيه.

وكان ذلك في ۲۲ طوبة عام ۷۲ للشهداء الموافق ١٧ يناير ٣٥٦م.

مكانة القديس أنطونيوس في الكنيسة:

إن مكانة القديس أنطونيوس ليست في أعماله ومعجزاته بقدر ما هي في تواضعه وبساطته وحكمته، ثم احتقاره لأباطيل العالم كما يظهر من مراسلاته القليلة مع الملوك والرؤساء في هذا العالم رغم شهرته التي ذاعت إلى أقاصي المسكونة وهو بعد ما زال موجوداً.

فحينما اتجه إلى البراري كان سعيه منحصراً في شيء واحد: “الكمال المسيحي”، أي القداسة التي تتعلق بحياته الشخصية دون أية أهداف أخرى فرعية خارج هذا النطاق، كأن يكون – مثلاً قدوة أو مدبّراً أو معلماً. ورغم ذلك كانت القداسة التي منحها الله له من القوة والتأثير حتى صارت محال جذب شديد وخميرة مقدسة لا زالت تخمر عجين العالم:

[وأُعطيت لأنطونيوس نعمة حتى أنه عزَّى كثيرين من الحزاني، وصالح المتخاصمين، حاثاً الجميع على تفضيل محبة المسيح عن كل ما في العالم. إذ كان يعظهم وينصحهم أن يذكروا الخيرات العتيدة ورحمة الله … وهكذا عمرت البرية بالرهبان الذين خرجوا من شعبهم وسجلوا أنفسهم مواطنين للسماء].

وهكذا رسم القديس أنطونيوس لأي راهب نقي السريرة أن يخرج من العالم مبتعداً عن الناس، فتجتذب سيرته كثيرين طالبين مؤازرة صلواته وشفاء لأمراضهم الروحية والجسدية. وبذلك تعود الرهبنة الصحيحة بالخير على العالم والكنيسة.

هذه النوعية الجديدة من القداسة المسيحية لم تكن معروفة كنموذج في الكنيسة قبل حياة القديس أنطونيوس. أما بعد ذلك، فقد صار هذا النمط الجديد غنى وذخراً للعالم وللكنيسة، ولا زالت تنهل من نبعه الكنيسة حتى الآن.

 

  1. كانت المدن اليونانية في مصر الوسطى هي: “أرسينو” (الفيوم) تبعد عن “كوما ٦٠ كيلو متراً، هيراكليوبوليس (إهناسية المدينة) على مسافة ٥٠ كيلومتراً، أكسيرنخوس” (البهنسا – محافظة المنيا) على مسافة ١٤٠ كيلو متراً، هرموبوليس ماجنا (الأشمونين – المنيا) تبعد ٢٥٠ كيلو متراً، “أنتينوبوليس” (أنصنا – محافظة المنيا) وكانت وثنية حتى القرن الخامس. فكيف يتعلم القديس أنطونيوس اللغة اليونانية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top