هل الله يعاقب البشر من خلال الكوارث الطبيعية؟
تعرضت هاييتي البلد الصغير إلى التدمير في عام ۲۰۱١ بسبب زلزال مدمر. وفي عام ٢٠٠٥ دمر إعصار كاترينا ساحل الخليج في الولايات المتحدة. وتسبب زلزال ۲۰۱۱ وتسونامي الذي حدث في اليابان في دمار هائل. وكلَّ عام، يحدث آلاف من الزلازل، والتسونامي، والأعاصير، والفيضانات، والأعاصير المدارية، والأعاصير الحلزونية، والأعاصير الدوامية، والبراكين، والجفاف والانهيارات التي تسبب خسائر بمليارات الدولارات، وقتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والحيوانات. يقول الكتاب المقدس إن المسيح «فيه يقوم الكل» (كولوسى ۱: ۱۷). لذا هل هو مسؤول عن هذه الكوارث الطبيعية؟ هل يُعاقب الله البشر من خلال الزلازل والبراكين والأعاصير، والفيضانات، وكل أنواع الكوارث الطبيعية؟
يسجل العهد القديم العديد من الحوادث التي منع الله فيها المطر عن إسرائيل (۱ ملوك ١٧: ١) ، وأرسل الضربات على مصر (الخروج ۳: ۱۹، ۲۰)، وشق الأرض وابتلعت بيت قورح الذي تمرد على موسى (العدد ١٦: ٢٩ – ٣٣). إن الله يتحكم تمامًا في كل ذرة من ذرات الكون. كما رأينا أن يسوع كان له سلطان على المناخ عندما هدأ العاصفة لتلاميذه (لوقا ۸: ٢٤). لذلك يقول البعضُ اليوم إن يسوع يستخدم العوامل الطبيعية لتحقيق مشيئته، خاصة في تنفيذ قضائه على الأمم والبلدان والمدن والقرى.
الله بالفعل له السيادة على كل الكون، ويتحكم في كل الخليقة بالكامل. لكن هذا ليس معناه أنه اختار أن يتلاعب بكل الظواهر الطبيعية. بلا شك الله لديه القدرة على التدخل في العالم الطبيعي، وقد فعل ذلك، ولا يزال، لكنه على سبيل المثال، لا يتسبب بالضرورة في كل تغير مناخي. كما أن كل كارثة طبيعية ليست من «عمل الله».
يعلمنا سفر التكوين أن العالم كان مكانًا مثاليا وحسنًا، ولكن بعد تمرد البشر ضد الله (وارتكباهم الخطية)، أصبح الموت هو النتيجة الطبيعية، أي الانفصال عن الله الذي كان يحافظ على الحياة، وكل ما هو حسن وبعد هذا الانفصال، واجه آدم وحواء عالمًا يعاني من الحياة الصعبة، تحدث به الكوارث الطبيعية. يبدو أن الكوكب قد عانى من الانتقال إلى العنف. ومنذ ذلك الحين، والهواء البارد يتصادم مع الهواء الدافئ وتتشكل أنماط الطقس غير المستقر، والأعاصير المدارية تتلوى، والأعاصير الدوامية تدور مثل الدوامة، والأمطار تتساقط والفيضانات تأتي، والأرض تتزحزح والتربة تهتز والبراكين تتفجر. واليوم يحدث في الأرض أكثر من ألفي عاصفة رعدية في وقت واحد. فضلا عن ذلك، يتلقى كوكبُنا أكثر من مائة صاعقة صادمة من البرق كل ثانية، وحوالي ٣.٦ تيريليون صاعقة في السنة. نحن نعيش فوق أرض عنيفة.
لكن الله لا يُسَر بالكوارث الطبيعية أكثر منا وسيجلب السلام على الأرض العنيفة. يقول الكتاب المقدس: «لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله. لأن الخليقة نفسها أيضًا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن» (رومية ۸: ۱۹، ۲۱، ۲۲). يقول خبراء الأرصاد الجوية إن الفيضانات هي القاتل رقم واحد بين الكوارث الطبيعية. ولعل الرسالة ليست أن الله يعاقب البعيدين عنه، بل بالأحرى أنه ينبغي علينا أن نكون أكثر حذرًا بخصوص الأماكن التي نبنى فيها أعمالنا التجارية ومنازلنا. فقد تمكن البناء الحديث من بناء حواجز لمنع الفيضان ووفرت أجهزة تحكم أخرى الملايين من الأفدنة للمجتمعات؛ حتى تنمو في جميع أنحاء العالم. وعندما تفيض أو تنكسر هذه الأجهزة أو الوسائل، يحدث تدمير للمجتمعات المنخفضة. وهذا لا يعني أن الله لا يستطيع أن يتكلم أو يدين البشر من خلال الكوارث الطبيعية. لكن هذا الكوكب يتبع قوانين الفيزياء والطبيعة. لذلك من الحكمة عدم إلقاء اللوم على الضحايا أو الله عندما تحدث مأساة طبيعية.
إن الحياة على الأرض غير مؤكدة ، ولا شيء مضمون فيها. تحدث أشياء جيدة للأشرار، كما تحدث أشياء سيئة للأبرار. قال يسوع إن الله: «يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين» (متى ٥: ٤٥). وعندما تحدث الكوارث الطبيعية، بدلًا من الاستفسار عَمَّا إذا كان الله يعاقبنا شخصيًّا، من الأفضل اتباع نصيحة بطرس «فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه، ملقين كل همكم عليه، لأنه هو يعتني بكم» (١ بطرس ٥: ٦ ٧).
لماذا يسمح الله بالألم ؟
لن تستوعب الكتب أخبار الألم التي اجتاز فيها البشر منذ فجر التاريخ.
وهنا تساءل بارت إيرمان (Bart Ehrman)، الأستاذ الذي يؤمن باللا أدرية ومؤلف كتاب «مشكلة الله»:
«نحن نعيش في عالم يموت فيه طفل كل خمس ثوان بسبب الجوع. وكل دقيقة يموت خمسة وعشرون شخصا بسبب عدم وجود مياه نظيفة للشرب. وكل ساعة يموت سبعمائة شخص بسبب الملاريا. أين الله من كل هذا؟».
كيف يمكنك تفسير كل هذا البؤس والألم في العالم إن كانت الله السيادة والسيطرة على الأمور؟ هل توجد إجابة عن هذا التساؤل الذي حيّر ويُحيِّر كثيرين في العالم أجمع: لماذا يسمح الله بالألم؟
يقول البعض إن الألم هو «عقاب الله للخطية» أو «اختبار إيمان» أو «هجوم شيطاني على البشر وكوكب الأرض» أو «وسيلة الله للفداء» أو «لغز كبير لا نمتلك الحق في استجواب الله بشأن حدوثه». لكننا نؤمن أنه سؤال وجيه يستحق الإجابة عنه. ونعترف أن المناقشة المختصرة حول هذا الموضوع غير كافية، ونأمل على الأقل في تقديم بعض وجهات النظر.
أولا: لا أعتقد أنه يمكن لأي تفسير منطقي أن يُرضي إلى حد ما الصرخة العاطفية العميقة لحل المشكلة المروّعة للألم والمعاناة. لذلك نعترف أن العقل والحديث الفلسفي لا يمكن أن يجيبا إجابةً كاملة عن صرخات القلب لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي التفكير بعمق في الموضوع. لكن وُضعت جميع الأشياء في الاعتبار، ونحن نعتقد أن وجهة النظر المسيحية تقدم أكثر الإجابات المرضية فكريا، والمُشبعة عاطفيًا لمشكلتي الألم والشر.
منذ البداية، أعطى الله البشر المخلوقين على صورته القدرة على الاختيار الحر أو الإرادة الحرة. ومن المنظور البشري، خاطر الله مخاطرة شديدة بعمل ذلك؛ لأن البشر قد يختارون طرقهم الخاصة، وليس طرق الله. وبالطبع هذا ما فعلوه. قد لا يبدو ذلك مدهشا من حيث الظاهر، لكنه الحقيقة.
فإذا قبلت فرضية أن «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق» (يعقوب ۱: ۱۷) ستقبل على الأرجح فكرة أن اختبار حياة الفرح والسلام والوداعة والجمال واللطف والمحبة، وكل ما هو صالح ، تعتمد وتتوقف علينا. إنها نتيجة العلاقة مع الله، والحياة وفقًا لطرقه. لذلك، فإن لم يختر الإنسانُ المحدود المخلوق أن يكون في علاقة مع الله، ما البديل؟ تعد الحياة التي بدون الفرح والسلام والمحبة والصلاح، وما إلى ذلك، حياة مضادة لحياة الله، تثمر عن حياة الألم والمعاناة.
تخيل أن أول عائلة من الأسماك كانت من الكائنات الذكية التي لها أرواح أبدية. وبالطبع خُلِقت الأسماك لتعيش في المياه، حيث تتنفس «الأكسجين الجيد» بالخياشيم في بحيرة الجنة. لكن ماذا لو اختارت أول عائلة من الأسماك أن «تعيش» خارج بيئتها المثالية في بحيرة الجنة؟ كما نعلم سيكون ذلك خطأ فادحًا. حيث لم تُصمَّم الأسماك لتتنفس من الهواء الطلق؛ لأن «أكسجين الهواء سيء» بالنسبة لها. وإن فعلت الأسماك ذلك، ستختبر الألم والمعاناة. لكن، ولأن لهذه الأسماك أرواح أبدية، ستعاني من «موت الأحياء». ولننتقل لما أبعد من هذا، ما الذي سيحدث لكل ذرية من هذه الأسماك؟ بالتأكيد ستنتقل تجربة «موت الأحياء» لكل الأسماك المولودة بعد ذلك خارج بحيرة الجنة. هل هذه المأساة هي خطأ من الخالق؟ أم هي المعاناة التي تسببت فيها الأسماك الأولى التي اختارت أن تعيش خارج الجنة، على عكس ما صُمّمت عليه، حيث كانت في علاقة مع صانعها؟
مع العلم أن هذا التوضيح لا يجيب عن كل التفاصيل الصعبة لسبب حدوث الألم، لكن لعله يساعدنا على تذكر أن الخالق غير المحدود والكامل والقدوس والصالح قد خلق البشر ليستمتعوا بالحياة في علاقة معه. وقد أعطى الله أول زوجين شيئًا جيدًا للغاية، هو القدرة على الاختيار الاختيار بين حب الله بلا أنانية، والتصديق في أنه يعرف الأفضل لهم وهو شيء جيد للغاية، أو أن يحبوا أنفسهم محبة أنانية، ويصدقوا أنهم يعرفون الأفضل لهم (وهو شيء سيء للغاية). كان الله يريد من البشر (المحدودين) أن يثقوا في أن الله غير المحدود يعرف الأفضل لهم كان يريد منهم أن يطيعوه أولاً بدون أنانية، ويتعلموا طرقه في الحياة التي كانت هي طرق الفرح والسلام والصلاح ولو كان الزوجان الأوائل قد اتَّبعا هذا الطريق، كانا سيتجنبان الألم والمعاناة.
ما الذي يفعله الله بشأن الألم؟
هنا يمكن إلى حدّ ما صياغة إجابة لاهوتية أو فلسفية عن سبب وجود الألم. ولماذا سمح في الواقع الاختيار الحر بوجوده. ولكن في الكثير من النواحي شدة الألم البشري تسحق عاطفيا العقل أو المنطق، وتُصعب من تقديم إجابة مُرضية تمامًا. وعلى الأغلب، لا يعالج الكتاب المقدس سبب وجود الألم بطريقة مباشرة. ومع ذلك، يعلمنا الكتاب بداية من التكوين وحتى الرؤيا ما الذي يفعله الله بشأن الألم. فالله لم يتجاهل الألم، بل فدى العالم منه.
عندما اختار البشر أن يرفضوا الله وطرقه تسبب ذلك في الألم للبشرية، والمعاناة التي لا يمكن قياسها. لكن لم تكن البشرية هي الوحيدة التي تعرضت للألم. كان الله رد فعل شخصي تجاه الألم. فقد تألم هو أيضًا، يقول الكتاب عن الله: «تأسف في قلبهالمأساة (التكوين ٦: ٦). وعلى الرغم أن الله «طويل الروح وكثير الرحمة» (المزامير ۱۰۳: ۸)، فقد غضب لأن الخطية قد جاءت بالألم والمعاناة إلى خليقته. كما غضب الله ؛ لأن الموت قد فصله عن أبنائه الذين خلقهم. كما غضب من خصمه اللدود الذي له سلطان الموت.
لكن في غضبه المقدس، وكثرة ،رحمته، أخذ يسوع موقفًا ! فقد وعد إبراهيم منذ زمن بعيد أن من نسله سيقدم الله حلًّا جذريًا للمعاناة والألم والموت. ووعد الله أولاد إبراهيم قائلًا: «ويفني في هذا الجبل وجه النقاب النقاب الذي على كل الشعوب، والغطاء المغطى به على كل الأمم. يبلع الموت إلى الأبد، و ، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض؛ لأن الرب قد تكلم» (إشعياء ٢٥: ٧، ٨).
كان حلُّ الله لكل الألم هو أن يتخذ صورة إنسان، ويتألم هو أيضًا. وقد اختبر الثقل الكامل للمعاناة البشرية من جوع وخيانة ورفض وشعور بالوحدة، وعذاب الموت على الصليب. لذلك يعرف الله الألم بمفهومه الحقيقي. وقد أعلن تعاطفه معنا (راجع العبرانيين ۲: ۱۸؛ ٤: ۱٥). لكن الأمر لم ينته عند ذلك. لقد قام يسوع مرةً أخرى؛ حتى يسترد الساقطين من قوة الموت، ومن سلطان عدوه القديم، أي إبليس نفسه. «فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس» (العبرانيين ١٤:٢).
الله لن يسمح للشيطان بأن يدمر خليقته. وقد أعد خطة للفداء وللاسترداد. يقول الكتاب المقدس:
«ولكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه. وبعد ذلك النهاية، متى سلم الملك لله الآب متى. أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة لأنه يجب أن يملك حتى «يضع جميع الأعداء تحت قدميه». آخــر عـدو يبطل هو «الموت» (١كورنثوس ١٥: ٢٣ – ٢٦)
«لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس» (۱ يوحنا ٣: ٨). «ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل» (۱کورنثوس ١٥: ٨).
الله يعرف بالطبع أننا نحن البشر لن نثق في أنه يعرف الأفضل لنا، وأننا سنختار بطريقتنا. لكن، ولأن محبته لنا حقيقة كان لا بد أن يكون كل شيء من اختيارنا. كان الله يرغب في السماح لنا بالاختيار، حتى لو تسبب ذلك له بالألم الشديد؛ كي يفدينا، ويستردنا له.
يمكنك أن تسمع الحزن في صوت يسوع وهو يُعرب عن أسفه لأن إسرائيل- باعتبارها ممثلاً عن الجنس البشري – رفضته شخصيًّا، ورفضت طرقه: «يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا !» (متى ۲۳: ۳۷). أليس من المدهش مقدار الاحترام والإكرام الذي يُظهره الله لاختياراتنا، على الرغم من فهمه الكامل للآثار المدمرة لهذه الاختيارات عليه وعلينا؟ وهذا في حد ذاته يوضح أن إلهنا العلاقاتي يحترم بشدة الحقيقة التي تؤكد أن «الحب اختيار».
لكن مع كل ما قيل لا تزال هذه القضية تزعجنا فإذا كان الألم نتيجة طبيعية للاختيار الحر ، لماذا يتألم الأبرياء ؟ لماذا لم يفعل الله شيئا عاجلا لوضع حد لهذا الألم؟ فإن كان الله سوف يقهر الموت في النهاية، لماذا يأخذ ذلك وقتًا طويلًا ليفعل ذلك؟ وهذا هو موضوع السؤال القادم.
لماذا لا يُوقف الله الألم الآن؟
هذا العالم مليء بالمعاناة والألم، والله يسمح بهما. وعلى الرغم أننا قد نفهم لماذا يسمح الله بالألم، فإننا لا نزال نتساءل: لماذا لا يضع حدا له الآن؟ لماذا سمح له بالاستمرار وقتًا طويلًا؟ وهذا سؤال من الأسئلة المزعجة جدًّا.
خلق الإله الكامل والقدوس عالمًا مثاليًّا. يقول الكتاب: «ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًّا» (التكوين ۱ : ۳۱). لكن لم يستمر الأمر هكذا طويلًا. وبسبب الإرادة الحرة، كان على البشر أن يختاروا بين طريق الله أو طريقهم. وقد اختاروا طريقهم، وبالتالي دخلت الخطية والشر العالم. وقد تعرضت الجنة المثالية التي صنعها الله إلى التدمير. ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، وعلى مدار آلاف من السنين ابتلى الجوع والمرض والكراهية والحروب، والأسى الذي يفوق الوصف الجنس البشري. لكن الله وعد بالفعل أن يفدى أولئك الذين يؤمنون بالخلاص الذي يقدمه الابن، وأن يسترد الخليقة مرةً أخرى إلى تصميمه الأصلي. لكن لماذا يأخذ الله وقتًا طويلًا ليُصحّح الفوضى المأساوية التي تسبب فيها البشرُ بهذا العالم؟
سؤال صعب..!
نعترف أننا لا نستطيع تقديم تفسير مرضى لسبب سماح الله للألم ما دام موجودًا. لكن السؤال المذكور «لماذا يأخذ الله وقتًا طويلًا لإنهاء الألم والمعاناة؟» من الأسئلة المحيرة ومنذ أكثر من ٢٥۰۰ سنة، طرح حبقوق نبى يهوذا السؤال نفسه، حيث كان يعيش في وقت كانت يهوذا فيه ملئية بالشر والظلم، وقد عانى العديد من الأبرياء وتألموا. وتساءل النبيُّ حبقوق قائلا: «حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص؟ لم تريني إثما، وتبصر جورًا؟« (حبقوق۱: ۱-۳). كان يبدو لحبقوق أن الله يتجاهل مشكلة الألم والمعاناة.
كما كانت لأيوب أيضًا الشكوى نفسها. فقد تعرض قطيع كبير من ماشيته إلى السرقة، وقُتِل جميع عمال المزرعة، ما عدا ناج واحد. وتعرض بيته للتدمير، ومات جميعُ أولاده. وكذلك ضرب الشيطانُ أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته. وبينما كان يجلس في حالة مزرية يحك قروحه بشقفة، كانت التعزية والنصيحة الوحيدة من زوجته التي قالت له: «بارك الله ومت!» (أيوب ۲: ۹). بدلًا من ذلك، لعن أيوبُ اليوم الذي وُلد فيه، وتساءل: «لرجل قد خفي عليه طريقه، وقد سيج الله حوله… لم أطمئن ولم أسكن ولم أسترح ، وقد جاء الرجز» (أيوب ٣: ٢٣، ٢٦). لم يستطع فهم السبب الذي يجعل الله يسمح بالألم لهؤلاء الذين بلا مستقبل.
كما أن الملك داود قد طرح أسئلته على الله أيضا. كان داود يتعرض لسوء الفهم والمعاملة والخيانة على أيدي أعدائه. فصرخ قائلا:
«إلى متى يا رب تنساني كل النسيان؟ إلى متى تحجب وجهك عني؟ إلى متى أجعل همومًا في نفسي وحزنا في قلبي كل يوم؟ إلى متى يرتفع عدوي على؟ انظر واستجب لي يا رب إلهي أنر عيني لئلا أنام نوم الموت» (مز ۱۳: ۱-۳ ).
ما هي إجابة الله ؟ لماذا لم يوقف هذا الجنون؟ اليوم في القرن الحادي والعشرين، ينتشر الظلم في كل مكان. ويحظى بالحياة من ليس لهم مستقبل قيقي. وقد رأينا البؤس واليأس عند الجياع والمكسورين. أين هو الله؟ لماذا يسمح باستمرار ذلك؟
حتى يسوع تساءل لماذا؟!
السؤال الأخير الذي نتناوله قبل أن نقدم إجابة، هو ما طرحه يسوع الله الكامل، والإنسان الكامل في الوقت نفسه. لكن دعونا نؤكد أولا أن يسوع كان يعلم أنه سيتألم، ويموت ميتة قاسية عن خطايا العالم لكن قبل صلبه، صلى يسوع قائلًا: «يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكاس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (متى ۲٦: ۳۹). لم يكن غريبا أن يسوع، على المستوى البشري، لا يريد أن يتألم. ومن الواضح أنه كان يصارع مع علمه بأنه سيجتاز في ألم شديد ومعاناة كبيرة. فعلى المستوى الإنساني، لم يكن يريد أن يتحمل الموت بالتعذيب على الصليب، لكنه فعل ذلك لأجل الله الآب.
وبعد ساعات طرح يسوع ربما أكثر الأسئلة المحيرة عبر كل العصور، لَمَا تساءل حين كان معلقًا على الصليب، وهو يتعرض للموت البشع، مُستجمعًا قوته: «إلهي إلهي لماذا تركتني؟ متى (٢٧: ٤٦). ويا له من سؤال يطرحه ابن الله على الآب! فقد كان يسوع في الواقع يقتبس مزمور ۲۲: ۱ عندما طرح الملك داود سؤالًا قائلًا: «إلهي، إلهي لماذا تركتني، بعيدًا عن خلاصي، عن كلام زفيري؟ إلهي ، في النهار أدعو فلا تستجيب في الليل أدعو فلا هدو لي» (المزامير ۲۲: ۱، ۲).
يبدو المشهد هنا كما لو أن يسوع قد تكلم بالنيابة عن الجنس البشري، حين تساءل: «يا الله ، لماذا تركتنا؟»، كما لو أن صرخته قد تضخمت لكي تردد صدى طرد أول زوجين من جنة عدن، وتتطلع إلى نهاية الوقت وكأنه يتساءل مثلنا «لماذا لا تفعل شيئًا الآن بشأن هذا الألم؟».
يرغب الله في المزيد من العلاقات..!
لا نعرف كيف أجاب الله على الابن وهو على الصليب. لكن تركت أسئلة حبقوق وأيوب وداود بلا تفسير ابحث في جميع أسفار الكتاب المقدس، وستجد القليل من الإجابات. ويشير الرسول بطرس إلى أن الله ينتظر المزيد من البشر حتى يرجعوا إليه، قائلا: «لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة… واحسبوا أناة ربنا خلاصا» (۲بطرس ۳: ۹، ١٥).
«استمع لما قاله الله إلى حقوق انظروا بين الأمم، وأبصروا وتحيروا حيرة. لأني عامل عملًا في أيامكم لا تصدقون به أن أخبر به» (حبقوق ١: ٥). نعم، الله كانت لديه خطة، ولا تزال قائمة، ولديه سبب لعمل ما يعمله، لكنه لم يشرحه بالكامل إلى حبقوق. بكل تأكيد يمكن أن يشرح الله لنا اليوم سبب وجود الشر، وسبب انتظاره لقرون من الزمن حتى يحقق هدفه الأسمى «بمصالحة العالم لنفسه» (٢كورنثوس٥: ۱۹) يمكن أن يفسر لماذا لم يُعد خلق هذا العالم كمكان «الموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد» (الرؤيا ۲۱: ٤). لكنه اختار أن لا يفسر ذلك لنا. ومع ذلك هذا لا يعني أنه ليست لدينا إجابة.
التركيز على الله نفسه
يبدو أن الله أعطى فهما إلى حقوق، بالاستجابة التي يريدها منه، ومن كلٌّ منا. وبدلًا من محاولة معرفة تفاصيل خطته، يريدنا الله أن نركز على شخصه. فقد قال إلى حبقوق
«لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد، وفي النهاية تتكلم ولا تكذب. إن توانت فانتظرها لأنها ستأتي إتيانا ولا تتأخر هوذا منتفخة غير مستقيمة نفسه فيه. والبار بإيمانه يحيا» (حبقوق ٣:٢، ٤).
يريدنا الله أن نثق فيه شخصيًّا، حتى لو لم نكن نفهم خطته. قال أيوب لــه: «قد علمت أنك تستطيع كل شيء، ولا يعسر عليك أمر. فمن ذا الذي يخفي القضاء بلا معرفة؟ ولكني قد نطقت بما لم أفهم بعجائب فوقي لم أعرفها (أيوب ٤٢: ٢، ٣) . لكن كيف استنتج أيوب أن طرق الله وخططه تتخطى فهمه؟ عرف ذلك من خلال معرفة الله شخصيًّا : «بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني» (أيوب ٤٢: ٥). لم يعد تركيزه على الخطة، بل في شخص وثق فيه لمعرفة ما فعله.
فهم الملك داود الرسالة بأن عليه أن يعيش بالإيمان في شخص الله أيضًا. وبعد أن سأل الله : «لماذا تركتني؟» أعلن «وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات إسرائيل. عليك اتكل آباؤنا اتكلوا فنجيتهم. إليك صرخوا فنجوا. عليك اتكلوا فلم يخزوا» (المزامير ۲۲: ۳ –۵) اقرأ مزمور ۲۲ بالكامل، وستجد أن داود قد فهم الرسالة. قد لا يكون فهم سبب تأخر الله في وضع كل الأمور في نصابها الصحيح، لكنه كان يؤمن أن الله صالح، ويعرف ما يعمله.
لقد كان يسوع هو المثال الذي قدَّم لنا ما يجب أن نعمله، وذلك بوضع إيماننا وثقتنا في الله، الذي يصنع كل الأشياء في التوقيت المناسب، رغم أنه كان يعرف بصفته الله، أن الألم الذي سيتعرض له هو الحل الوحيد للخطية، والألم، والموت قال بطرس «لأنكم لهذا دعيتم. فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا، تاركًا لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية، ولا وجد في فمه مكر ، الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل» (۱ بط ۲: ۲۱-۲۳).
قد لا نفهم خطة الله، لكننا نثق فيه، فهو أمين وعادل ويقضي بالعدل، وهو دائمًا معنا. قال يسوع: «سلامًا أترك لكم سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب» (يوحنا ١٤: ٢٧). وقد صلى إلى الآب لكي يرسل الروح القدس حتى يرشدنا ويعزينا ويكون معانا مهما حدث وقال يسوع: «وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (متی ۲۰:۲۸)