المراحل التاريخية للكنيسة 

(οι φάσεις της εκκλησίας) 

الكنيسة كأيقونة الثالوث ومركز الخليقة سجلت في تاريخها عدة مراحل وفقاً للتقليد الكتابي والتقليد الآبائي الأرثوذكسى. فالكنيسة حاضرة في الزمن وعلى هذا الأساس فهي جزء من التاريخ. ومن ناحية أخرى فإن التاريخ يعنى تطور ومواقف وأحداث والكنيسة جازت كل هذه الأمور. هذه المراحل هي كالتالي: 

١ – كنيسة الأبكار 

” قد أتيتم إلى جبل صهيون إلى مدينة الله الحى أورشليم السماوية وعلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات”. لقد تأسست هذه الكنيسة بخلق الكائنات العاقلة (الملائكة)، وهي تشكل نموذجًا لمجتمع كامل، إلا أن هذا الكيان الجديد قد طرأ عليه تغيير وهذا التغيير يعنى أن هناك تطور قد حدث. فتأسيس مجتمع الملائكة من ناحية، وسقوط قسم من هذا المجتمع من ناحية أخرى، يُشكل تطورًاً زمنيًا باعتبار أن هذا المجتمع الملائكى، مجتمع مخلوق، فهو جزء من الخليقة في إطار هذا الخط التاريخى المتصل، كوحدة واحدة ممتدة عبر مراحل محددة، تستعلن كنيسة الآباء الأولون، أو كنيسة الحياة الفردوسية. 

٢ – كنيسة الحياة الفردوسية 

وهى تتعلق بكنيسة الآباء الأولون (آدم وحواء)، بحسب ما يصفها سفر التكوين. وإنطلاقًا من هذه المرحلة تحديدا بدأت مسيرة الخليقة تأخذ شكلها الدرامي. فعصيان آدم وحواء قاد إلى الفساد والموت وجعل هذه الكنيسة تدخل في مرحلة التغرب عن الله، الذي أدى في النهاية إلى هلاك الذات. هكذا فإن مسيرة هذه الكنيسة دخلت مرحلة جديدة، وذلك بعد السقوط المأسوى من الحياة الفردوسية. 

٣ – كنيسة شعب الله المختار: 

لقد سارت هذه الكنيسة في مسيرة تتسم بالصعاب والمتاعب الكثيرة. هذه الصعاب شكلت ملامح هذه المرحلة الجديدة، حيث تتسم هذه المرحلة بإستعلان الثالوث القدوس من خلال الظهورات الإلهية في العهد القديم، كما حدث في استضافة إبراهيم للثلاثة رجال، أيضًا كان الثالوث حاضرًا في شكل سحاب وقت خروج الشعب من أرض مصر .. هذه الظهورات الإلهية كما أكد الآباء تمت في إطار واقع تاريخى حقيقى وملموس، وهذا يعنى أن هذا التاريخ هو تاريخ حى لأنه يؤرخ للتدبير الإلهى. شعب الله في هذه المرحلة كان يمثل حلقة وصل بين الله والكون، وكان المجتمع الإسرائيلي آنذاك يمثل نور وملح الأرض ، فهذه المرحلة تمثل الإمتداد التاريخي الذي يقود إلى كنيسة الروح القدس ” كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لا رجاء لكم وبلا إله في العالم”. دخول الأمم إلى حضن الكنيسة ، قد تم بإستعلان كنيسة الروح القدس، وهو أكمل ظهور للكنيسة في هذه المراحل المتعاقبة. 

٤ – كنيسة الروح القدس 

مرحلة جديدة للكنيسة بدأت مع حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين ، في هذه المرحلة من مراحل الكنيسة، تتجلّى أكمل صورة للكنيسة ، ويمكن القول بإنه في هذه المرحلة قد انتهى خطر انحلال الكون، لأن الخليقة الجديدة المنقادة بالروح القدس قد تأسست وصارت واقعا ملموساً[1]. وصار للبشرية رجاءًا ثابتًا للدخول مرة أخرى إلى مجد ملكوت الآب السماوى. كنيسة الروح القدس هي الآن الكيان الحي المشرق القائم في مركز الكون والتاريخ، إنها الرسالة الحية الحاملة ثمار الخلاص لكل العالم. كنيسة الروح القدس في بعدها المسكونى تطّلع بدور يوحد الجميع معا في شخص المسيح الواحد فهي بإعتبارها أيقونة الثالوث، تقوم بهذا الدور الذي يجمع الكل في واحد. 

هذه الرسالة الكنسية الموجهة إلى كل المسكونة تعكس المضمون الحقيقى للكنيسة في هذه المرحلة فكنيسة الروح القدس هى للجميع بلا تمييز لأنها تُدرك حقيقة أن الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله “، ذاك الذي من أجله تجسد المسيح ليمنحه الخلاص والنصرة على الموت ويمهد له الطريق مرة أخرى للدخول إلى الملكوت السماوى. كنيسة الروح القدس كنيسة تتجاوز الفردية والأنانية والعنصرية والانحصار البغيض في الذات. ولذلك فأي خروج عن هذا الخط الروحى، يُفرّغ الكنيسة من محتواها. ولا يمكن لكنيسة الروح القدس أن تنحصر في مجموعة محددة من البشر، فهى للجميع. لقد رفض يونان النبى قديمًا أن يبشر أهل نينوى، وكان يعرف مراحم الله ومحبته وأنه يريد الخلاص لهذه المدينة المكتظة بالسكان، عابدة الأوثان، لكن هذه المعرفة لا تعنى بالنسبة له الموافقة أو قبول التكليف بالخدمة. ولذلك لم يخضع لدعوة الله، حيث أنه لم يكن يرغب في أن يكون الله هو إله الجميع، إله الكون كله. إلا أنه بعد أن جاز الأخطار وفهم الدرس الذي علمه إياه الله، عن طريق اليقطينة التي كانت تحميه من حرارة الشمس، لأنه حزن لجفافها وهو لم يتعب في اعدادها، أفا لا يحزن الله على شعب كثير العدد (۱۲۰ ألف نفس غير الحيوانات الكثيرة). أخيرًا أطاع لصوت الله وكرز للمدينة وأنقذت نينوي بواسطته. وختام السفر يمثل صرخة في وجه الانغلاق والانحصار في الذات، وفي نفس الوقت يمثل ترنيمة محبة واعلان عن روح مسكونية ينبغي لها أن تسود في كل حين. هذا الاتساع في الرؤية وهذا الانفتاح على الآخر وقبوله في الشركة، هو أهم ما يميز كنيسة الروح القدس. 

هذا الموضوع يشرحه القديس بولس بكل وضوح في الاصحاح الحادى عشر من رسالته إلى أهل رومية. إذ يرى في سرّ التدبير الإلهى دعوة موجهة للأمم للإنضمام إلى جسد المسيح (الكنيسة)، دون أن يستبعد عودة القسم المتبقى من اليهود الذين لم يؤمنوا الزيتونة البرية التي هى الأمم قد طُعمت في الزيتونة الجيدة، طالما أن أفرع إسرائيل قد قُطعت. لكن لا يوجد ضامن لبقاء الإنسان داخل الكنيسة إلاّ من خلال ثباته في حياة الشركة، وسواء كان الأمر متعلق بنبي أو بشعب بأكمله فليس له سلطان الكلمة الفاصلة، فقط هو أداة يستخدمها الله لخلاص الآخرين، وينال الاستحقاق بدخوله في مجال الشركة، شركة الكنيسة الجامعة. إذن فكنيسة الروح القدس ذات البعد المسكونى العاملة بهذا الروح المحيي، هى مصدر المحبة في اتساعها وانتشارها نحو كل المسكونة هى ذاتها تجسيد لهذه المسكونية، بمعنى أنها منفتحة لقبول كل المسكونة في شركتها. 

ومن ملامح الحياة داخل كنيسة الروح القدس أن الجهاد والنصرة يعتبران عنصران مترابطان وأساسيان للحياة داخل كنيسة الروح القدس. فلا يوجد في التعليم اللاهوتي الكتابي والآبائى فصل بين الجهاد والنصرة[2]. فالكنيسة دومًا مجاهدة ومنتصرة معًا من بدايتها وحتى المنتهى فإن لم تشعر بالنصرة على الشر، وإن لم تتجاوز حدودها الزمنية، حينئذ لا يمكن فهم أى مسيرة للكنيسة أو أى سر للكمال. 

٥ – الكمال الأخروى للكنيسة 

إنه الإكتمال النهائي للكنيسة، هو في إنتهاء آلام ومعاناة الخليقة. هذه النهاية هى ختم لتاريخ التدبير الإلهى، وهذا الإكتمال يعنى انتهاء كل الآلام التي تأتى من الشرور الكثيرة التي ترتكبها الكائنات العاقلة. وبحسب التعليم اللاهوتي الآبائى الشركة في مجد الملكوت السماوى هي حركة الكائنات التي تتجه نحو أعماق الله اللانهائية كما يشرح ديونيسيوس الأريوباغى، وقد تحدث القديس مقاريوس عن كنيسة القديسين السماوية عندما أشار إلى شفاء النفس من الخطية قائلاً: [المسيح رئيس الكهنة الحقيقى للخيرات العتيدة، تواضع وانحنى على النفوس المصابة ببرص الخطية وهو يدخل إلى خيمة جسدها، ليشفيها ويبرءها من أمراضها. هكذا يتمكن الشخص من الدخول إلى كنيسة القديسين السماوية]. 

صفات الكنيسة : 

هناك بند في قانون إيمان نيقية يحمل إعترافاً له علاقة بالكنيسة بأنها (واحدة – مقدسة – جامعة – رسولية) هذه الصفات لم تُقدّم على أنها مبادئ نظرية، ولكنها ناتجة عن خبرات إيمانية لملء الكنيسة التي هي جسد المسيح. 

أولاً: واحدة 

عبارة كنيسة واحدة يمكن أن نجدها في كتابات آباء القرن الثاني. فعبارة القديس أغناطيوس الأنطاكي “في الجسد الواحد للكنيسة” فيها إشارة لوحدة الكنيسة. 

واعتبارًا من القرن الثانى كانت هذه الصياغة الخاصة بوحدة الكنيسة تمثل مجددا اعتراف إيمان[3]. إلا أن أول إشارة لعبارة كنيسة واحدة آتت في قانون كنسي، هي تلك التي وردت في مجمع أورشليم، والتي طُرحت في المجمع المسكونى الأول عند صياغة قانون إيمانه[4]. وقبل أن تتحقق هذه الصياغة العقيدية لوحدة الكنيسة ، كان هذا المعنى الخاص بوحدة الكنيسة، موجود في ضمير المؤمنين وهذا المعنى يعكس حقيقة الكنيسة. يقول القديس إيريناؤس [ كما أن الشمس وهي مخلوقة من الله هي واحدة، وهي نفسها في كل المسكونة هكذا نور كرازة الحق (المشرق من الكنيسة الواحدة)، يُضيء على كل الذين يرغبون أن يحصلوا على معرفة الحق]. 

أساس هذه الوحدة:

إذا كان معنى الوحدة يعكس حقيقة الكنيسة فهذا يرجع إلى أن الوحدة ترتبط بشكل أساسى باشتراك المؤمنين معا في المائدة الافخارستية. ويُشير الرسول بولس إلى ذلك بقوله: “فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد”

والخبز الواحد الذي يشترك فيه المؤمنون، هو المسيح نفسه. هكذا يَنشأ أساس جديد هو الأساس الافخارستي، هذا الأساس الافخارستى له بعد أخرى. إذن وحدة الكنيسة التي تُستعلن في الاجتماع الافخارستي، تتطابق مع حقيقية “المسيح الواحد”. وهنا يستقيم التعليم عن وجود الكنيسة المسبق، والذي يظهر في رسائل القديس بولس ونصوص العهد الجديد .. وقد صيغت بشكل واضح في النصوص المسيحية للقرن الثاني ” . وعلى نفس الأساس الافخارستي تأسس الإيمان بأن الكنائس المقامة في كل مكان في المسكونة، ليست فقط كنائس متحدة فيما بينها ، لكنها كنيسة واحدة، إذ معا تُشكل جسد المسيح الواحد. وهكذا صار معنى “وحدة الكنيسة” الذي بنى على أساس أفخارستي، موضوعا إيمانيًا. يقول ق. يوحنا ذهبي الفم [إن تقديم الذبيحة في أماكن كثيرة، لا يعني أن هناك مسحاء كثيرون، بل أن المسيح واحد في كل مكان، فهو هنا بكامله، وهناك بكامله أيضًا، إذ هو جسد واحد]. إذن فسر وحدة الكنيسة، هو شخص المسيح الواحد . 

وجود خلافات أو انقسامات داخل الكنيسة الواحدة، لا ينفى عنها هذه الوحدة، وهنا تجدر الاشارة إلى حالة مسيحي كورنثوس، فهؤلاء بالرغم من الانقسامات التي ظهرت فيما بينهم، إلا أن كنيسة كورنثوس، ظلت كنيسة واحدة .. فالأساس الذي وُضع لوحدة الكنيسة ليس أساسا إجتماعيًا لكنه أساساً لاهوتيا وحدة المؤمنين هي في المسيح لأن فيه وحده تتحقق هذه الوحدة والرسول بولس وهو يتحدث إلى الكورنثيين يوجه أنظارهم إلى الإيمان المشترك بالمسيح وإلى الاتحاد الافخارستي في الجسد الواحد .. إن ظهور الهراطقة والجماعات المثيرة للفتن والإنشقاقات يعنى أن هؤلاء لم يقبلوا تلك الحقيقة الثابته والمؤكدة وهي أن الكنيسة جسد المسيح. 

إن الكنيسة مثل المسيح، لا يمكن أن تنقسم نفس الأمر يمكن ملاحظته في رسالة القديس كليمنضس الروماني إلى كنيسة كورنثوس، عندما ظهرت فيها أيضًا بعض المشكلات من نزاعات وانقسامات ومشاحنات، لكن كل هذا لم يمنع القديس كليمنضس الروماني من أن يدعو كنيسة كورنثوس ” كنيسة واحدة”[5]

وهكذا فإن وحدة الكنيسة التي فيها المسيح هو حجر الزاوية، هي وحدة ليتورجية (أى وحدة صلاة وعبادة مشتركة)، ولهذا فإن رفض الاشتراك في الحياة الليتورجية للكنيسة يُعد رفضًا للشركة في الجسد الكنسي. 

ولذلك فإن الرأى السائد حتى اليوم والذي يُنادي بعدم إمكانية الوحدة بين الكنائس، إن لم تكن هناك وحدة شركة في سر الافخارستيا هو رأي صائب وصحيح لأن الافخارستيا كما وصفها الآباء هى المركز الذي حوله تجتمع الكنيسة، وهى التي تجعل الجميع فكرًا واحدًا ونفسا واحدة فالكنيسة هي جسد المسيح الواحد غير المنقسم. هذه الشركة وهذه الوحدة تتحقق من خلال سر الافخارستيا. يقول الأسقف كاليستوس وير [الكنيسة وُجدت لكي تهب لنا الخلاص بالمسيح يسوع إبن الله الذي تجسد ومات من أجل خلاصنا وقام ثانية من بين الأموات. يتساءل كيف تهبنا الكنيسة الخلاص؟ ثم يُجيب إنها تهبنا الخلاص عن طريق الإفخارستيا ، حيث يُصبح الخلاص حقيقي وشخصي ومباشر لكل إنسان منا].

الأسقف ووحدة الكنيسة 

في الفترة اللاحقة مباشرةً لعصر الرسل، أُعتبر الأسقف هو ذاك الذي يُؤمن وحدة الكنيسة ، فالأسقف هو خليفة الرسل، ولذلك فهو منوط به حفظ وحدة الكنيسة والدفاع عنها ضد أى تيارات غريبة تهدد سلام الكنيسة ووحدتها. 

يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي [حيث يكون الأسقف هناك يجب أن تكون الرعية، وبدون الأسقف لا يجوز العماد ولا ولائم المحبة وما يوافق عليه الأسقف هو المقبول عند الله وكل ما يفعله يكون شرعيًا]. وفي الرسالة إلى مغنيسية يقول إن [الأسقف يوضع بين المسيح والمؤمنين وهو النموذج المرئى للأسقف غير المرئى الذي هو المسيح]. ويُعد القديس إيريناؤس أسقف ليون هو الشخص الذي عبر عن هذه الرؤية بشكل أساسي. فبحسب القديس إيريناؤس، الذي يحفظ للكنيسة المنتشرة في كل المسكونة وحدتها هو هذا التطابق بين تقليدها وإيمانها . الكنيسة تأسست على حقيقة التقليد الرسولى، وهذه الحقيقة تُحفظ من خلال رعاة الكنائس المحلية، الذين خلفوا الرسل وحافظوا على هذا التقليد، من خلال الحفاظ على إيمان الكنيسة ووحدتها. 

مقدسة: ( معنى القداسة)

القداسة معنى روحي خاص، ويصف أسلوب حياة محدد، فالقداسة تتجاوز الأمور العالمية المعتادة، إذ هي خاصية تأتى من الله وتتحقق من خلال العلاقة مع الله . وشهوة الإنسان للقداسة، تعني الرغبة في الاتحاد بالله. لأن الله وحده هو القدوس. وتلك الرغبة هي رغبة في التحرر من الخداع من أجل الوصول إلى الحياة الحقيقية. 

والإيمان بقداسة الكنيسة، يعتمد أساسا على الإيمان بأن مصدرها إلهى. فقداسة الكنيسة مثل قداسة الحياة المسيحية، مصدرها قداسة الله وكما أن الكنيسة تحتضن الكون كله، هكذا فإن قداستها تمتد إلى الكون كله. الكنيسة بحسب التعليم الآبائى هى الكون الجديد في المسيح : ” إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة” واشتراك الكون في نعمة الله غير المخلوقة، يقدس الكون ويحوله إلى كون جديد. 

إن دخول الإنسان إلى حضن الكنيسة يتطلب منه أن يحيا في قداسة مشابهة لقداسة الله “نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس. فقداسة الكنيسة التي مصدرها قداسة الله صارت دعوة لأعضائها أن يصيروا قديسين على المستوى الشخصى ومستوى الشركة. 

جامعة:

معنى الكنيسة الجامعة تم صياغته لأول مرة في رسالة القديس أغناطيوس الأنطاكي إلى أزمير ” حيث يكون المسيح هناك تكون الكنيسة الجامعة.

وقد إستخدم كثيرون من الآباء مصطلح “الكنيسة الجامعة” ونذكر منهم القديس إيريناؤس – القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد – القديس أثناسيوس الرسولى – القديس يوحنا ذهبي الفم – القديس كبريانوس – القديس كيرلس الأورشليمى – العلامة ترتليانوس. 

معنى كلمة ” الكنيسة الجامعة “:  

هى الكنيسة التي تقوم على وحدة الإيمان وعلى الشركة والاجتماع حول جسد المسيح الواحد وعلى هذا الأساس فإن كلمة “الجامعة” تطلق على الكنائس المكانية. 

وقد دعى بوليكاربوس الكنيسة التي في سميرنا “بالكنيسة الجامعة”. ونفس الاستخدام للفظة الجامعة واطلاقها على الكنائس المكانية نجده عند يوسابيوس القيصرى، وكليمنضس الأسكندرى .. وبناءً على هذا فالكنيسة المكانية توصف بأنها “كنيسة جامعة”، بينما الكنائس المكانية مجتمعة تشكل ” الكنيسة الجامعة المسكونية” 

الكنيسة الجامعة والكنيسة المسكونية:

كلمة الجامعة في التقليد الكنسى، ترتبط بكلمة مسكونية ارتباطًا وثيقًا، لكن دون أن تتطابق معها بشكل مطلق. كلمة الجامعة لها أهمية لاهوتية ومعنى لاهوتى، بينما المسكونية لها معنى اجتماعي. وعلى هذا الاساس فإن مصطلح المسكونية لا يتضمن معنى الجامعة. وكما يلاحظ القديس يوحنا ذهبي الفم أن [الكنيسة الجامعة ليست موجودة في كل المسكونة فقط ، لكنها تمتد إلى كل الأزمنة]. وامتداد الكنيسة في الزمن لا يقتصر فقط على البعد التاريخى، ولكنه حضور يتجاوز الزمن. تماما مثلما أن تذكار موت المسيح ،وقيامته لا يُحتفل به باعتباره حدث ينتمى للماضي، بل باعتباره حدث يتجاوز الزمن، وهو حاضر على الدوام في الزمن. 

يقول القديس كيرلس الأورشليمي : [ الكنيسة تدعى جامعة لأنها تمتد في كل العالم من أقاصي الأرض إلى أقاصيها ، ولأنها تعلم تعليما شاملاً كاملاً، فتقدم كل التعاليم التي يجب أن يعرفها الإنسان بخصوص الأمور المنظورة وغير المنظورة، السماوية والأرضية. ولأنها تخضع كل الجنس البشري للعبادة الصحيحة حكام ومحكومين، متعلمون وغير متعلمين أيضًا لأنها تُعالج وتشفي بشكل عام كل أنواع الخطايا، التي ارتكبت، وهي تملك في داخلها كل فضيلة ممكن تصورها سواء بالأعمال أو بالأقوال أو المواهب الروحية على تنوعها]. 

رسولية: معنى كلمة رسولية 

رسولية الكنيسة ترتبط بتكوين أول تجمعات مسيحية وبمصدر إيمان هذه التجمعات. هذه التجمعات المسيحية تأسست من قِبَل الرسل، وإيمانها يعتمد على التقليد الرسولى. هكذا يقول الرسول بولس “نشكر الله بلا إنقطاع لأنكم إذ تسلمتم منا كلمة خبر من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما بالحقيقة ككلمة الله هي التي تعمل أيضًا فيكم أنتم المؤمنين” (اتس ١٣:٢). 

هذا التسليم الرسولي كان شفهيا في البداية، كما كانت تعاليم المسيح وأعماله شفهية أيضًا “وكان يسوع يطوف المدن كلها يُعلّم في مجامعها ويكرز ببشارة الملكوت” (مت٩ :٣٥) . لأن ما كان يهدف إليه الرسل أن يحيا المؤمنون في شركة مع الآب والابن والروح القدس كما كانوا هم أنفسهم يتمتعون بها “الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضا شركة معنا . وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع إبنه يسوع المسيح” (يو ٣:١) . وهذا يتحقق ويصبح أمرًا ملموسا من خلال العضوية في جسد المسيح (أي الكنيسة) “وأياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل” (أف ۱ : ۲۲-۲۳) ولذلك كانت مواظبة أعضاء الكنيسة على الشركة، وطاعتهم للوصايا الإلهية التي تسلموها من الرسل، هو المطلب الأساسي لتحقيق وحدانية هذا الجسد الواحد. “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات. وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون” (أع٤٧.٤٢:٢). 

الهدف النهائي الذي كان الرسل يسعون إلى تحقيقه، هو بنيان جسد المسيح، وتحقيق وحدانية الإيمان، حتى يصل المؤمنون بالنعمة الممنوحة لهم من الله إلى “قياس قامة ملء المسيح”. فالمسيح هو الذي أعطى كل المواهب والنعم الإلهية “لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح (الكنيسة) إلى أن تنتهي جميعا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة إبن الله إلى إنسان كامل إلى قياس ملء المسيح” (أف ٤: ۱۱-۱۳). هذه الشركة تخص أعضاء كثيرين، ومع هم “جسد واحد” ( ١ كو ۲۰:۱۲) “رأسه المسيح” (كوا :١٨) ، يحيون معا بالروح القدس. وقد عاش الرسل هذه الشركة مع أعضاء الكنيسة كواقع حي، حتى “يتأصلوا ويتأسسوا في المحبة ويعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي يمتلئوا إلى كل ملء الله” (أف ۱۹.۱۸:۳). 

وعلى هذا الأساس فإن العلاقة بين التسليم الرسولي والكنيسة، هي علاقة كيانية غير قابلة للإنفصال. ولذلك فإنه من غير الممكن أن توجد كنيسة مستقيمة الرأي (أرثوذكسية)، دون أن تكون قد قبلت هذا التسليم الرسولي وعاشت به، إذ هو المصدر الذي منه تستمد تعاليم الإيمان المستقيم، وكيفية الحياة في الشركة الحية كما عاشها الرسل. كذلك فمن غير المفترض أن يكون هناك تسليم رسولي، إن لم توجد بالفعل الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة، التي تتلقي هذا التسليم، وتحافظ عليه نقيًا من أي تزييف أو إنحراف أو إبتداع . كل هذا يوضح المعني من وراء كلمات القديس إيريناؤس في هذا الصدد حينما قال: [حيث تكون الكنيسة، هناك يكون روح الله فهناك الكنيسة وكل عمل النعمة. لأن الذين لا الله، وحيث روح يشتركون في الروح القدس، لا يغتذون الحياة من ثدي أمهم ولا يرتون من النبع الفياض الخارج من جسد المسيح ، ثم يُضيف قائلاً 1 بما أن الهراطقة لا يتبعون التقليد، إذا فهم ليسوا في الكنيسة ، بل لأنهم غير موجودين في الكنيسة ، فهم لا يتبعون التقليد، ولا يحيون بروح الله].

  1. Γρηγορίου Νύσσης, εξήγησης ακριβής εις το άσμα των ασμάτων, PG 44,1049C. 
  2. 508 Ν.Α. Ματσουκα ” Δογματική και συμβολική θεολογία ” Θεσσαλονίκη 1992, σɛλ. 377. 
  3. 510 Βλ.Γ. Ι. Μαντζαρίδη κοινωνιολογία του χριστιανισμού Θεσσαλονίκη, 1990, σɛλ 164-165. 

  4. Βλ . Ι. Ζησιούλα “Η ενότης της εκκλησίας εν τη θεία ευχαριστία και τω επισκόπω κατα του τρείς πρώτους αιώνας σελ.2.

  5. Γ. Ι. Μαντζαριδη “Η αρχή της εκκλησιαστική ενότητος κατα τους πατέρας της εκκλησίας μέχρι του τρίτου αιώνας ” θεσσαλονική 1974, σελ.7 

  6.  

     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى