«أنا لحبيبي وحبيبي لي» (نش 6: 3)
هذه العبارة تفيد التخصيص والتكريس المتبادل نحن له وهو لنا. وقد جاءت في العهد الجديد عبارة تفيد نفس هذا التخصيص المُتبادل: «الجسد ليس للزنا بل للرب، والرب للجسد» ( 1كو 6: 13). أي أن الجسد للرب والرب للجسد. وهذا يرادف تمامًا «أنا لحبيبي وحبيبي لي».
الجزء الأول من العبارة من السهل أن نفهمه وأمَّا الجزء الثاني فهو أصعب: فأن يكون الجسد للرب وأن نكون نحن له نحن ملك له هو شيء طبيعي لأنه هو خلقنا وهو اشترانا. أما أن يكون «الرب للجسد» أو «حبيبي لي» فهذا أصعب.
«أنا لحبيبي»
هذه العبارة تعني أن نكون نحن له كما يقول المزمور (مز 100: 3)، وهذا أمر طبيعي ومفروغ منه :
أولاً: بحق خلقتنا، لأننا نحن مخلوقون به، ولنكون له «الكل به وله قد خُلق» (كو1: 16). كذلك يقولها .ق بولس صراحةً «نحن له» (1كو 8: 16). فنحن مخلوقون أساسًا «لنكون لمدح مجده» (أف 1: 12).
كما يقول الرب في سفر إشعياء: «هذا الشعب جبلته لنفسي، يُحدث
بتسبيحي (إش ٤٣ : (٢١). هذا هو أول سبب لكوننا نحن للرب بحق خلقتنا لأننا مخلوقون أصلاً لنكون له وليس لأنفسنا.
ثانيا: نحن له بمعنى أقوى جدًا بحق الفداء، لأنه هو اشترانا بدمه:
+ «لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن!» (1كو 6: 20).
+ «وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام ( 2کو 5: 15).
+ «عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب… بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب دم المسيح» (1بط 1: 18-19).
+ «مستحق أنت… لأنك ذُبحت واشتريتنا الله بدمك» (رؤ 5: 9).
هذا هو الاعتبار الأقوى إننا نحن له ليس فقط لأنه «خلقنا لنفسه»، بل بالأكثر جدا لأنه «اشترانا بدمه»، فصرنا ملكا له ولم يعد لأي منَّا أن يتصرف في نفسه أو في جسده أو في وقته أو في إمكانياته كأنه ملك لنفسه. ولكننا كلنا أصبحنا بكل كياننا وبكل إمكانياتنا ملكًا له، لأنه هو اشترانا بدمه.
هذا هو معنى الجزء الأول من الآية «أنا لحبيبي»، أو «الجسد للرب».
«وحبيبي لي»
«أو الرب للجسد»، هذا المعنى أصعب في فهمه، لأن الوضع الطبيعي أن نكون نحن للرب وليس أن يكون هو لنا. ولكنه من أجل صلاحه ومن أجل فرط محبته رضي هو أن يتجسّد «من أجلنا ومن أجل خلاصنا». فوجوده في الجسد هو أصلاً لأجلنا نحن وليس لأجل نفسه.
وضعنا الطبيعي هو أن نكون نحن ،له وحاشا أن نقول إنه هو موجود لأجلنا بحسب الطبيعة. ولكن بحسب التدبير بحسب النعمة، بحسب فرط محبته، هو أراد أن يتجسَّد ليكون لأجلنا» في وضعه المُتجسّد. فتجسده هو «من أجلنا ومن أجل خلاصنا»، ومحيؤه في الجسد هو لنا، كما يقول: «أتيتُ لتكون لهم حياة» (يو 10: 10)، بمعنى: “أنا كرستُ نفسي وخصصتُ نفسي في حال وجودي في الجسد لهذه المُهمَّة، أن أخدم خلاصهم”.
«كما أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم» (مت 20: 28)
بهذا المعنى هو جعل نفسه «لنا»، بمعنى أنه قد جاء خصيصا ليتحد بجسدنا ويُحييه في ذاته. أو بمعنى أشمل، فإن كل تدبير التجسد هو «لنا»، كل ما حدث للرب في الجسد «لنا». فإن كان قد ولد بالجسد، فميلاده هذا هو ملك لي، ومعموديته هي لي، وقبوله للروح القدس هو لي، وصومه لي، وصلواته صارت ملكًا لنا، آلامه هي لنا موته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب كل هذه الأحداث الخلاصية التي حققها الرب في الجسد من أجلنا هي مِلكٌ لنا، فهو لم يعملها لأي غرض آخر إلا ليُقدِّمها لنا لكي ننتفع نحن بها.
لهذا فإن عبارة «الرب للجسد» معناها أن الرب قد جاء خصيصًا لكي يُخلص الجسد، لكي يُعطي الجسد كل أعماله الخلاصية فموته هو ليميت به الجسد العتيق، وقيامته لكي يُحيي الجسد الجديد، وصعوده وجلوسه عن يمين الآب لكي يُجلس جسدنا معه عن يمين الآب. هذا هو معنى «الرب للجسد»، وهذا هو معنى «حبيبي لي».
لقد عبر ق. كيرلس عن ذلك بصيغة قوية شاملة قائلاً:
[كل ما في المسيح قد صار لنا أيضًا]
[إن ما حدث للرب خاصةً صار ملكًا مُشتركًا للطبيعة البشرية ]
فكل ما في المسيح، كل الأحداث الخلاصية التي عملها وأكملها وعاشها بالجسد هي لأجلنا: ميلاده قبوله الروح القدس ،آلامه موته، قيامته، صعوده، جلوسه عن يمين الآب، كل ما حدث له صار «ملكًا مُشتركًا للطبيعة البشرية».
بهذا المعنى نفهم الجزء الثاني من عبارة «أنا لحبيبي وحبيبي لي»: أن كل ما فعله الرب في الجسد لأجلنا قد صار «لي»، «حبيبي لي». فالرب قدَّم لي كل هذه النعم الخلاصية التي أكملها في كيانه المتجسد، قدَّمها لي مهرًا في هذه الزيجة المقدسة:
«أنا لحبيبي وحبيبي لي»