ما هي البراهين والأدلة المتاحة بشأن وجود الله؟
تؤمن الغالبية العظمى حول العالم بوجود الله. وعند سؤالهم عن الأسباب الوجيهة لإيمانهم، يقول كثيرون :«عالم جميل مصنوع بدقة مثل هذا العالم لم يأتِ للوجود عن طريق الصدفة». وهم على حق في ذلك. لكن كيف نصيغ هذه الإجابة البديهية فى حجة أو دليل على وجود الله فعلا؟
يقول الكتاب المقدس: «فإن ما لا يُرى من أمور الله، أي قدرته الأزلية وألوهيته، ظاهر للعيان منذ خلق العالم، إذ تدركه العقول من خلال المخلوقات» (رومية ١: ٢٠). لا يحتاج الله أن يظهر في صورة مادية لإثبات وجوده؛ لأن ما لا يُرى من أمور الله ظاهر للعيان، ويقدم دليلًا كافيًا على وجود الله.
كل شيء يتوافق
تعتمد قوانين محددة للطبيعة على ثوابت محددة تسمح بوجود البشر في عالمنا. ويُقدِّر العلماء، بتحفظ، عدد قوانين الفيزياء، بحوالي ثماني عشر قانونا، تعمل بانسجام تام؛ حتى يكون الكون وكوكب الأرض صالحًا للحياة المعقدة. وعلى سبيل المثال، توجد قوانين الجاذبية، وقانون بقاء الطاقة والديناميكا الحرارية والقوة النووية الشديدة، والقوى الكهرومغناطيسية، وهلم جرا. فإذا تغيَّر أو تفاوت قليلًا أي من هذه القوانين، فإن الحياة لن تكون ممكنة في هذا الكون.
دعونا نفكر في القوة النووية الشديدة التي تحافظ على تماسك نوى (مراكز) الذرات معا. حيث تقوم بروتونات ونيوترونات الذرة داخل النواة باستبدال الجسيمات الصغيرة وتتماسك البروتونات معًا عن طريق القوة الشديدة، على الرغم من تنافر شحناتها الموجبة في الطبيعي. وهكذا تبقى الذرة سليمة.
لكي نرى إحدى نتائج القوة النووية الشديدة، سنأخذ إنتاج شمسنا من الطاقة النووية كمثال. تحرق الشمس، وتُنتج طاقة للحفاظ على كوكب الأرض، عن طريق دمج ذرات الهيدروجين معًا. وعندما تندمج ذرتان من الهيدروجين تتحول ٠٫٧٪ من كتلتيهما إلى طاقة. لكن ماذا لو كانت نسبة المادة المتحولة إلى طاقة أقل قليلا؟ لو كانت المادة المتحولة ٠.٦ % بدلاً من ٠٫٧٪، لن يندمج البروتون مع النيوترون، ولن يتألف الكون سوى من الهيدروجين وحده. ولن يوجد كوكب الأرض لنعيش عليه، ولا شمس لتدفئته!
ماذا لو كانت المادة المتحولة إلى طاقة أكبر قليلا، ولتكن ۰٫۸ %؟ حينها سيحدث الاندماج بسرعة شديدة، ولن يبقى أي هيدروجين. وهذا سيعني أيضًا أن الحياة بالصورة التي نعرفها لن تكون موجودة. إن الكون الذي نعيش فيه متوافق بدقة شديدة، لدرجة أن ذرات الهيدروجين المتناهية في الصغر عندما تندمج مع بعضها البعض يجب أن تتحول ما بين ٠.٦% و ۰٫۸٪ من كتلتها في صورة طاقة.
ويمكن تقديم عشرات من هذه الأمثلة التي توضح أن الكون الذي نعيش فيه متوافق بدقة، لدرجة غير معقولة. ومن المستحيل أن يكون قد نشأ «بالصدفة». يبدو الأمر كما لو أن كائنًا ذكيًا قد أعدَّ كوكب الأرض، ووضع عبارة ترحيب تقول: «لقد صممت هذا الكوكب خصيصا لكم».
لا يشعر أولئك الذين يؤمنون بإله الكتاب المقدس بالاستغراب عند اكتشاف التوافق الدقيق للكون في الواقع، هذا بالضبط ما نتوقعه إن كان موجودًا! يقول الكتاب المقدس: «إنه (يسوع) ضياء مجد الله وصورة جوهره. حافظ كل ما في الكون بكلمته القديرة» (العبرانيين ۱: ۳) تتطلب فكرة الروايات التي تنسب خليقة العالم بكل تعقيداته ودقته إلى «الحظ» أو «الصدفة» إيمانًا أكثر بكثير من الاعتقاد بأن يوجد خالق أعد ذلك كله لنا!
«السماوات تحدث بمجد الله ، والفلك يخبر بعمل يديه. يوم إلى يوم يذيع كلامًا، وليل إلى ليل يبدي علمًا. لا قول ولا كلام لا يسمع صوتهم. في كل الأرض خرج منطقتهم، وإلى أقصى المسكونة كلماتهم. جعل للشمس مسكنا فيها،» (المزامير ١٩: ١- ٤).
قدَّم لنا «الإله» غير المنظور البرهان على وجوده في الكون المعروف، في ما يمكن رؤيته بأعيننا، واستنتاجه بعقولنا. ويمكن فحص الأدلة على وجـود الله من خلال ما نسميه «حُججًا» على وجوده. وتوجد أربع حجج رئيسة هي حجة السبب الأول، وحُجة التصميم، وحجة القانون الأخلاقي، وحجة التجربة الشخصية. وسنناقش هذه الحجج الأربع في الأسئلة الأربعة القادمة.
ما هي الحجة الأولى لوجود الله؟
عندما كنت طفلا، كثيرًا ما تساءلتُ «كيف جاء كلُّ شيء إلى حيز الوجود». وكنت أعتقد: «طالما أن الكون له بداية يجب أن شخصا أو شيئًا قد جاء بهذا الكون إلى حيز الوجود». وبدا لي أن هذا الشخص يجب أن يكون الله. وهذا هو جوهر حجة السبب الأول (Frist-Cause Argument) لوجود الله التي يُشار إليها أيضًا بالحُجة الكونية (Cosmological Argument).
يتمثل افتراض هذه الحجة في أن كل ما له بداية يجب أن يكون لوجوده سبب. وإذا عُدتَ بالزمن قديمًا بما فيه الكفاية، ستعرف السبب الأول، وهو الله الخالق. وفي الواقع هذه الحجة لها ثلاث فرضيات.
١ – كل ما له بداية لابد من سبب لوجوده.
٢ – الكون له بداية.
٣- إذًا يوجد سبب لوجود الكون.
جاءت الفرضية الأولى والثانية بنقطتهما، جزئيا من القانون الثاني للديناميكا الحرارية. ويقول هذا القانون إن الكون يستنفد كل طاقته الفاعلة. فإذا لم تكن لهذا الكون بداية، أي إنه أزلي، سيكون قد استنفد بالفعل طاقته الفاعلة. على سبيل المثال، ستحرق شمسنا ،طاقتها، وسوف تنضب يوما ما. لذا فالشمس جنبًا إلى جنب مع كل النجوم في الكون لها بداية. تتوفر الكثير من الأدلة العلمية الأخرى على أن الكون له بداية، بما في ذلك زحزحة الأحمر، وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، والآثار المترتبة على نظرية النسبية العامة لأينشتاين.
تستند الفرضية السببية على منطق بسيط أن شيئًا ما موجود الآن (الكون الذي نعيش فيه)، ولا يمكن أن ينشأ شئ ما من لا شيء. صحيح أن اتحاد الأشياء يمكن أن ينتج عنه شي جديد على سبيل المثال، اتحاد جزيئين من الهيدروجين بجزيء من الأكسجين سينتج عنه ماء، لكن ذلك لا يأتي من لا شيء. والاستنتاج الذي نخرج به أن كل ما له بداية لابد أن له سببًا. والكون بالفعل له بداية.
تستند الفرضية الأخيرة على الفرضيتين السابقتين: إذًا الكون له سبب. والسؤال الذي يطرح نفسه: «مَن الذي تسبب في السبب؟» ويمكن أن نستخلص إجابتنا من أصل الزمن والفراغ والمادة. ومن المنطقي استنتاج أنه بما أن الزمن والفراغ والمادة لم يكونوا موجودين قبل بداية الكون، فلابد أن يكون «المُسبِّب» للكون أزليَّا، وغير محدود، وغير ماد. فضلا عن ذلك، لا يمكن أن يكون «المُسبّب» ماديَّا ، أو خاضعا لقانون الطبيعة؛ لأن ذلك من شأنه أن يفترض أن وجوده يتطلب زمنًا وفراغا ومادة. ويقودنا التفكير في هذه النقاط معا إلى استنتاج أن «المُسبِّب» الأزلي، وغير المحدود، وغيـر المـادي، هـو الله.
وتعد حُجة السبب الأول من الحجج القوية. وباختصار، بما أن الكون له بداية فلابد أن شيئًا أو شخصًا قد تسبب في ذلك. وهذا الشخص هو الله. قد لا يقودنا ذلك على طول الطريق إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، لكنه يستبعد الإلحاد؛ باعتباره تفسيرًا معقولاً لأصل الكون.
ما هي حُجة التصميم على وجود الله؟
تُعرَف حُجة التصميم أيضًا بالحُجة الغائية (Teleological Argument). وهذه الحجة توضح أن الحياة وقوانين الطبيعة، وكل الكون، يُظهرون تعقيدًا محددًا وضخمًا، وكذا علامة التصميم. وبالتالي يجب أن يكون الكون قد أتى من مصمم ذكي.
إن سبقت لك زيارة ديزني لاند، أو عالم ديزني، ستلاحظ حتمًا عند المدخل مساحة مزروعة بالزهور المصممة على إحدى الضفاف المنحدرة، تشكل ألوانها وتصميمها تشابها واضحًا مع الميكي الماوس لا يمكن أن ينسب أحد أعجوبة هذه الحديقة إلى أنها مجرد صدفة. لماذا؟ أولًا: لأن كل هذه الزهور والألوان لا تنمو وحدها بالصدفة لكي تصنع شكل الميكي ماوس الشهير. وتوضح أنواع الزهور العديدة، وترتيبها المتأنق مدى تعقيدها. وهذا التعقيد هو نفسه الذي يقول إن من غير المحتمل أن تكون هذه الزهور قد نمت نموا عشوائيا، أو وُضعت صدفة بمثل هذه الطريقة المعقدة.
ثانيا، بجانب تعقيدها، صُمّم النظام الزهري بطريقة محددة. إذ نجد أن العين مصنوعة من بعض الزهور، والأنف مصممة من البعض الآخر، وكذا الفم والأذان. وتُظهر هذه الصورة لنا نمطًا مستقلا ومحددًا.
يسمي هذا المزيج من التعقيد (أو عدم الاحتمالية)، والتحديد (أو الأنماط المفروضة باستقلال)، «بالتعقيد المحدد»؛ الذي يُعد علامة على الذكاء، مثله في ذلك مثل بصمة الأصبع أو التوقيع، حيث يحدد نشاط عامل الذكاء. وتُظهر مساحات الزهور الضخمة في ديزني لاند، تعقيدًا محددًا، وتقودنا للاعتقاد بأن منسقًا ذكيًا للحديقة هو السبب في ذلك. هل يوجد مثل هذا النمط في الطبيعة؟
ما الذي تعلنه الخلية الواحدة الحية؟
كلما كان الشيء أكثر تعقيدًا، زادت فرص اتباع هيئته لأنماط محددة، وزدات مؤشرات وجود مصمم ذكي. على سبيل المثال، تتكون وحدة بناء الحياة البشرية من خلية حية واحدة. هل بها تعقيد معين؟
دعنا ننظر بإيجاز لخلية مكبرة ملايين المرات. سنجد على سطحها ملايين الفتحات مثل الكوة الموجودة في سفينة. لكنها ليست مجرد فتحات أو كوة، بل تعمل على تنظيم تدفق ومرور المواد من وإلى الخلية. وتُظهر الخلايا هندسية نانوية ذات مجال واسع، وتعقيدًا بالكاد بدأ العلماءُ الكتابة فيه. وقد صف فرانسس كريك Francis Crick – واحد من مكتشفي تركيب الحمض النووي (DNA)- «الخلية بمصنع دقيق يعج بنشاط كيميائي منظم وسريع». وكان ذلك في بداية عام ۱۹۸۰. ويعتقد العلماء الآن أن الخلية مدينة تُدار آليًّا.
وداخل الخلية نجد عددًا كبيرًا من المواد الخام تتحرك ذهابًا وإيابًا بمكينات تُشبه الإنسان الآلي، وتعمل في انسجام. في الواقع، يتحرك العديد من الأجسام المختلفة في انسجام تام خلال قنوات تبدو لا نهاية لها. ويعد مستوي التحكم في هذه الحركات المصممة بحق مثيرًا، وهذه مجرد خلية واحدة. وفي الكائنات الحية الأكبر، لا بد أن تعمل الخلايا معًا لأداء الوظيفة المناسبة لهذه الأعضاء، مثل القلب والعيون والأكباد والأذان وهم بدورهم لا بد أن يعملوا معا لصالح حياة الكائن الحي.
ولو نظرنا بتدقيق أكثر داخل الخلية، سنجد خيوط الحمض النووي (DNA) التي تختزن المعلومات الضرورية لبناء البروتينات. ولهذه البروتينات نفسها أنظمة جزيئية معقدة وملحوظة. يتكون البروتين المثالي من قليل من مئات الأحماض الأمينية المرتبة في تسلسل منظم بدقة، يدخل في تركيب ثلاثي الأبعاد منظم تنظيمًا عاليًا. ويُمكِّن هذا التركيب البروتين من أداء وظيفتة داخل الخلية.
ولا يستطيع علماء الأحياء اليوم وصف العمليات الحيوية داخل الخلية بدون مقارنتها بالماكينات وغيرها من الهندسة الحديثة ويرجع السبب في ذلك إلى أن كل خاصية من خواص التكنولوجيا الحديثة يمكن أن نجدها في الخلية.
وبينما نلاحظ بعناية ما يحدث من الأعمال الداخلية في الخلية، يظهر لنا شي واضح: إذ نجد تعقيدًا وتكلفا يقللان من الابتكار التكنولوجي للإنسان اليوم. وهذا ما يجعل العديد من العلماء اليوم يستنتجون أن أفضل شرح للخلية هو التصميم الذكي.
الحياة تتطلب كمية هائلة من المعلومات
تعد المعلومات هي السمة الأساسية للحياة. وتحتاج الحياة حتى في أبسط خلايا البكتيريا إلى كم هائل من المعلومات لأداء وظيفتها. وتُخزّن المعلومات الخلوية في الحمض النووي (DNA). يحمل الحمض النووي للخلية الواحدة في جسم الانسان ما يعادل ۸۰۰۰ كتاب من المعلومات. ويحتوي جسم الإنسان على ۱۰۰ تريليون خلية، وكلٌّ منها يحوي خيوطا من الحمض النووي (DNA)، يمكن أن يصل طولها، وهي غير ملتفة إلى أمتار ثلاثة. وإذا اتصلت خيوط الحمض النووي (DNA) للإنسان البالغ ببعضها البعض سيصل طولها بطول المسافة من الأرض للشمس ٧٠ مرة!
بفرض عدم وجود مصمم ذكي، كيف ستجمع كل المعلومات اللازمة للحياة؟ توصل الداروينيون للإجابة عن هذا السؤال بتوافر الوقت والمادة والفرصة الكافية. كل شئ يمكن أن يحدث!
لكن كم من الوقت والمادة والفرص متاح فعليًّا؟ في بداية ۱۹۱۳، ناقش عالم الرياضيات الفرنسي إيميل بوريل (Emile Botel) فكرة إذا سُمح لمليون قرد بالكتابة عشر ساعات يوميًا، فمن المحتمل أن يُعاد إنتاج كل الكتب الموجودة في مكتبات العالم.
يرى بوريل أن العالم قديم وهائل جدا ، لكنه ليس قديما وكبيرًا بما يكفي.
دعونا نضيّق النطاق الذي يتحدث عنه بوريل، وبدلًا من التركيز على العديد من الكتب، دعونا نركز على أعمال شكسبير. وهنا نطرح سؤالا : كم عدد القرود، وكم من الوقت يحتاجونه، لإنتاج واحدة من أعمال شكسبير، أو حتى عدد قليل من الأسطر؟
وقد قام سيث لويد (Seth Lloyd) العالم في فيزياء الكم الحسابية بمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، بالعمل على إجابة هذا السؤال. ووفقًا للويد، ففي الكون المادي المعلوم، لا يمكن سوى إنتاج ٤٠٠ بايت من المعلومات المحددة مسبقا؛ أي ما يعادل سلسلة من ٤٠٠ صفر وواحد. ويبلغ ذلك سلسلة من ٨٢ من الحروف والمساحات العادية. لذلك، أطول قطعة مبدئية في مونولج هاملت يمكن إنتاجها بالصدفة، بالأخذ في الاعتبار حجمها وتاريخها المزعوم بملايين السنين، هي السطران الآتيان: «أكون أو لا أكون هذا هو السؤال. أيكون العقل أسمى وأنبل إذا احتمل…».
من الواضح أن ظاهرة الصدفة محدودة في قدرتها على شرح سمات محددة في الكون. حيث لا تقدر كل الصدف في الكون المعلوم أن تكتب سطرين من أعمال شكسبير عشوائيا، ناهيك عن كتاب كامل!
إذا كانت الصدفة لا تستطيع أن تنتج بمرور الوقت المعلومات الكافية لكتابة سطرين من أعمال شكسبير، فكيف تقدر أن تخلق التعقيدات المحددة لخلية بدائية واحدة حتى تتطلب الخلية الواحدة مئات الآلاف من البايت من المعلومات المرتبة والمتسلسلة بدقة في الحمض النووي (DNA). لذلك يواجه من ينكر وجود المصمم الذكي مهمة مستحيلة في شرح كيفية ظهور معلومات في خلية واحدة بسيطة لكائن حي من عملية غير موجهة عمياء تتطلب الحياة ببساطة الكثير من المعلومات حتى تحدث عشوائيا . على سبيل المثال:
تفوق قدرة الحمض النووي (DNA) على تخزين المعلومات أقوى أنظمة الذاكرة الالكترونة المعروفة اليوم بكثير. لاحظ عالم الأحياء الجزيئية مايكل دينتون (Michael Denton) أن المعلومات الضرورية في الحمض النووي لبناء البروتين في كل أنواع الكائنات الحية المختلفة التي عاشت يمكن أن توضع في معلقة صغيرة، ويظل هناك متسع لجميع المعلومات الموجودة في كل الكتب المكتوبة من قبل. لكن الحمض النووي (DNA) لا يختزن المعلومات فحسب، بل ينتج معلومات بالاتحاد مع الأنظمة الخلوية الأخرى. لذلك يشبه بيل جيتس (Bill Gates) الحمض النووي «ببرنامج كمبيوتر»، على الرغم أنه أكثر تقدما من أية برمجيات اخترعها البشر.
لذلك يعد المصمم الذكي أفضل شرح للمعلومات التي يحتويها الحمض النووي (DNA). تخيل نفسك تسير على الشاطئ، ولاحظت عبارة تقول «شون يحب ستيفاني» مكتوبة على الرمال. ماذا سوف تستنتج؟ من الممكن أن تفكر أن شون أو ستيفاني أو بعضاً من الغرباء المثرثريين قد كتب ذلك، لكن لن يخطر ببالك أنها صدفة أو ضرورة أو مزيج من الاثنين. وذلك لأن الرياح والمياه والرمال ببساطة لا ينتجون معلومات لها معنى. يعد الاستنتاج المعقول أن مصمما ذكيًا قد كتب ذلك. إذا كان هذا استنتاجنا لرسالة بسيطة من ١٥ حرفًا، فكم يكون استنتاجنا لأصل الخلية الذكي الذي يتطلب مئات آلاف البايت من المعلومات.
عندما ننظر لكل التعقيد الهائل والتصميم المحيط بنا سنواجه اختيارًا. إما أن الكون بأكمله قد صُمّم من خلية واحدة، أو قد نشأ كله بالصدفة. إذًا الكون إما إنه إنتاج تصميم ذكي، أو مجرد صدفة.
ما هي حجة القانون الأخلاقي لوجود الله؟
تتمتع كل ثقافة إنسانية بقانون أخلاقي. ونجد ذلك في سجلات الثقافات السابقة، وكذا في جميع المجتمعات الحالية والمدهش أن أخلاق جميع هذه المجتمعات تتشابه، مهما كانت متباعدة إلى حد كبير في الوقت أو الجغرافيا أو التطور الثقافي أو المعتقد الديني. وتختلف الأخلاق الواردة بالوصايا العشر اليهودية، وشريعة حمورابي البابلية، والتاوية الصينية والعهد الجديد في المسيحية في التفاصيل والتركيز، ولكن ليس في الجوهر. على سبيل المثال، تسمح بعض المجتمعات للأفراد بالقتل من أجل الانتقام في حين يصر آخرون أن الإعدام حق من اختصاص الدولة. وتسمح بعض المجتمعات بالحرية في العلاقات الجنسية قبل الزواج، أو تسمح للرجال بالزواج من أكثر زوجة واحدة في حين يمنع البعض الآخر هذا السلوك. لكن الجميع لديهم قواعد تنص على أن الناس لا يمكن أن يقتلوا الآخرين عندما يرغبون في ذلك، أو ينخرطوا في ممارسة الجنس مع أي شخص يريدونه. وتحمى هذه القوانين الحياة الإنسانية، وهي قوانين تحكم الزواج والعلاقات الأسرية، وتدين السرقة، وتشجع على فعل الخير للآخرين. على مر التاريخ، نفذت المجتمعات القواعد الأخلاقية بصرامة، في حين تهاون البعض الآخر في تنفيذ نقطة واحدة أو أكثر. وفي أي مجتمع، يقاوم البعض فرض الأخلاق على سلوكهم. وعندما يكتسب عدد كبير من هؤلاء الأشخاص القوة أو الدعم الكافي لموقفهم، يمكن أن يحدث خلل كبير للحس الأخلاقي العالمي بعد ذلك، كما حدث في ألمانيا على يد هتلر ، أو قبول قتل الأطفال الإناث في بعض البلدان الآسيوية. ولم تدم هذه الانحرافات طويلًا ؛ لأن بعض العناصر داخل المجتمع أو خارجه كانت تغضب غضبًا شديدًا بما فيه الكفاية، وتثور ضد السلوك المنحرف، وتوقفه. وعلى الرغم من مثل هذه الاختلافات والتشوهات يظهر نفس الحس الأساس للأخلاق أينما يعيش البشر معًا، كما لو أن العديد من الفرق الموسيقية المختلفة تعزف من القطعة الموسيقية المدونة (النوتة) نفسها، لكنهم يُكيّفون النغمات الموسيقية؛ لتتوافق مع الأدوات الخاصة بهم.
ما تفسير ذلك؟
كيف نفسر القانون الأخلاقي الموجود دائما في جميع المجتمعات؟ كيف يمكن تفسير الحس الأخلاقي الذي يعطى بالفعل لكل شخص عاقل على وجه الأرض حِسًّا فطريًّا للتمييز بين الصواب والخطأ؟ لماذا لا بد أن يتواجد مثل هذا الحس الأخلاقي بأي حال من الأحوال؟ بدون الرجوع إلى مصدر أعلى، وبالتحديد الله، ما الذي يمكن أن يفسر الحس الأخلاقي المشترك في كل الجنس البشري بأكمله على مدار التاريخ؟ من أين يمكن أن تأتي الأخلاق؟ إذا قلنا إن حدسنا الأخلاقي له أصل في عملية الصدفة العمياء مثل التطور، فإن الأخلاق هي خدعة عشوائية طبيعة حتى تجعلنا نطيع. ويترتب على ذلك أن الأخلاق ليس لها أساس موضوعي، وسيكون من الخطأ الحكم على سلوك معين بأنه خطأ موضوعيًا من خلال حدسنا العميق. هل هذا هو الثمن الذي تود أن تدفعه؟ نعتقد أنه يوجد تفسير أفضل من ذلك؟
تشير أحد معايير الحق والنقاط الأخلاقية الموضوعية والعالمية والثابتة إلى وجود إله شخصي وأخلاقي.
في رواية «الإخوة كارامازوف»، يقول الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي باقتدار: «إذا لم نؤمن بخلود الروح لن نسلك بالفضيلة على الإطلاق، وبالتالي فكل شيء مباح وجائز». وبعبارة أخرى، لو لم يكن الله موجودًا كأساس للأخلاق، فكل شيء مباح. وهذا لا يعني أن الملحدين أو غير المؤمنين سيسلكون بالضرورة بدون التمسك بالفضائل أكثر من المؤمنين، لكن هذا يعني أننا سنفقد الأساس الموضوعي الذي يساعدنا في اتخاذ قرارات أخلاقية. لو لم يكن الله موجودًا ، سنفقد القدرة والحق في الحكم على النازيين، وعلى أي شخص آخر نختلف معه أخلاقيًا؛ لأنهم يعتقدون أنهم على صواب، في حين أننا نعتقد أنهم على خطأ. بدون قانون أعلى من البشرية، من الذي سيحدد الحق الأخلاقي؟ لو لم يكن يوجد مصدر أعظم من البشر ، ستكون الأخلاق وهما من الصعب تفسيره.
لكن إن كان الله موجودًا ، سيكون لدينا أساس للأخلاق الموضوعية. يجب أن نكون صادقين؛ لأن الله صادق وأمين. وتنبع الأخلاق من شخصية الله وطبيعته، وهي مُلزمة للخليقة. وتشير حقيقة القوانين الأخلاقية الموضوعية إلى وجود مُشرع للقوانين الأخلاقية. ولا يمكن تفسير الأخلاق الموضوعية تفسيرًا صحيحًا سوى في وجود الله وشخصيته.
هل يمكن وجود أخلاق مستقلة؟
مع ذلك، يجادل البعض على وجود الأخلاق باستقلال عن الله، حيث يؤكدون أننا لا نحتاج إلى الله حتى نكون صالحين أو أشرار. لكن هذا التأكيد يقدم مشكلة: كيف نحدد الخير أو الشر بدون وجود معيار أخلاقي متعال على سبيل المثال، جرت العادة على فهم الشر بأنه انحراف عن الخير وكما أن الغش والاحتيال يشير ضمنًا إلى معيار الأمانة، يتضمن الشر أيضًا معيار الخير. قال سي. أس. لويس مقولته المشهورة بأن الشكوى من انحناء العصا لن يكون معقولاً سوى في ضوء مفهوم الاستقامة. وبالمثل، لن يوجد هناك شرّ سوى إن كان أولًا خير.
لكن إن لم يكن الله موجودًا ، فما هو الخير؟ بدون الله، سيكون علينا أن نكتشف معنى الخير بأنفسنا وسيختفي مفهوم الخير الموضوعي.
ويصبح الخير مصطلحًا نسبيًّا في هذه الحالة؛ لأنه ببساطة سيكون: «أي شيء يريده أي واحد منا في لحظة معينة، أو أي تطور قد يوصلنا بدون تفكير أو فهم إلى الإيمان».
ويعد الوجود المعترف به عالميًا للقيم الأخلاقية الموضوعية أحد الأسباب القوية للإيمان بالله. فكّر في هذه الحجة البسيطة:
١ – إذا كانت القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة، فلابد أن الله موجود.
٢ – القيم الأخلاقية موجودة.
٣ – إذًا لابد أن الله موجود.
نعلم أن القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة بالفعل. وبالتالي فلسنا بحاجة إلى الاقتناع بذلك. وعلى سبيل المثال، من الخطأ تعذيب الأطفال للتسلية. يعرف جميع العقلاء ذلك. لذلك، بما أن القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة، فلابد أن الله موجود أيضًا. وتقدم هذه الحُجة الأخلاقية دفاعًا قويًّا يؤكد أن الله شخصية أخلاقية موجودة بالفعل.
ما هي حُجة التجربة الشخصية لوجود الله؟
يُعد الاختبار الشخصي مع الله دليلًا على حقيقته ووجوده. قد يطعن البعض في هذا التأكيد قائلين إن «مثل هذا الاختبار يمكن بسهولة أن يكون خداعًا أو وهما عاطفيًا أو نفسيَّا». لكن أولئك الذين اختبروا مقابلات حقيقية شبيهة بما قد اختبره بولس الرسول في طريقه إلى دمشق يعرفون أفضل. يعرفون أنها مقابلة حقيقية. وتعد هذه الاختبارات هي أحد التأكيدات العديدة التي قالها بولس:
«فإذا كنتم للمسيح، فأنتم إذن نسل إبراهيم وحسب الوعد وارثون» (غل ۳: ۲۹).
قد لا يكون الاختبار الشخصي مع الله في حد ذاته دليلا مقنعا للآخرين، لكن ذلك لا يجعله غير حقيقي. وبالإضافة إلى الأدلة أو البراهين على وجوده، يمكن أن يقدم الاختبار الشخصي شهادة قوية على أن الله «موجود، وبأنه يكافيء الذين يسعون إليه» (عب ٦:١١).