الصلاة العقلية 

صلوات الترديد خطوة نحو صلاة القلب 

يتحدث القديس ثيوفان الناسك عن الصلاة العقلية كخطوة ثانية بعد الخطوة الأولى التي هي ترديد الصلوات من كتاب الصلوات ويدعونا بعدم الاكتفاء بالخطوة الأولى. وعدم التوقف عندها. 

[إن ترديد الصلوات (الأجبية – صلوات القديسين – صلوات القداس) هي بداية للصلاة ولكنك تحتاج أن تسير أكثر للأمام ]. 

[ عندما نعتاد أن نرفع آذاننا وقلوبنا إلى الله مستخدمين هذه المعونة التي أعطيت لنا من آخرين فإننا عندئذ سوف نحاول أن نقدم لله شيئاً من عندياتنا بأن نتحدث من كلماتنا مع الله وأن نرفع أنفسنا اليه وأن نفتح ذواتنا له. وأن نعترف له بضعفاتنا وبأحتياجات أنفسنا]. 

يُشبه ثيوفان الناسك ترديد الصلوات بتعليم اللغة، أما الصلاة العقلية والصلاة الدائمة التي سوف يتحدث عنها في الفصل التالى فهى تشبه التحدث باللغة التي سبق وأن تعلمناها. وهذا ما يقوله [ إن طريقة تعلم اللغة هي أن نتعلم الكلمات أولاً ثم تركيب الجمل… ولكن لا تستطيع أن تتوقف عند هذا الحد، ولكنك سوف تبدأ من هذه الأساسيات (ترديد الصلوات) لكى تتحرك للدرجة التي يمكنك فيها أن تتحدث بطلاقة في اللغة التي درستها]. 

[ بعد أن تعودنا أن نرده صلواتنا من الكتاب مستخدمين الصلوات التي وصلتنا من الرب (المزامير) ومن الآباء القديسين الذين أكملوا فن الصلاة فإننا يجب ألا نتوقف عند هذا الحد ولكن من الضروري أن نمتد بأنفسنا إلى أكثر من هذا…]

[إن إعتياد استخدام كتاب الصلوات بخشوع وبإنتباه وتوقير سوف يقودنا للصلاة. وبنفس الطريقة التي تنبع بها الماء لكي تملأ الوعاء، فإن الصلاة تفيض بغزارة من القلب الذى إمتلاً بالأشواق المقدسة التي نبعت من عادة الانتظام فى ترديد الصلوات اللفظية]. 

ما هي الصلاة العقلية: 

يتحدث ثيوفان الناسك عن الخطوة الثانية في فن الصلاة، ألا وهى صلاة العقل التي تتضمن ثلاثة أنواع من الصلاة:

أولاً: صلاة القلب. حيث تقدم صلاة قصيرة نابعة من القلب لطلب معونة الله حسب احتياجاتنا في اللحظة الخاصة. 

ثانياً: تمجيد الله خلال اليوم بأن نفعل كل شئ حتى لو كان عملاً بسيطاً لأجل مجد الله. وذلك تطبيقاً لوصية الرسول بولس: 

“فإذا كنتم تاكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فأفعلوا كل شي لمجد الله”(۱کو۳۱:۱) 

ثالثاً: التأمل فى أعمال الله وصفاته.

هدف الصلاة العقلية 

هو دوام الشركة مع الله خلال اليوم. لأنه لو اكتفينا بالشركة مع الله خلال الصلاة الصباحية والمسائية فقط فإننا سوف نفقد تذوق الصلاة، علاوة على سقوطنا في الخطية نتيجة إنعدام شركتنا مع الله خلال يومنا. وهذه أقوال ثيوفان الناسك في ذلك الموضوع: 

[إن كثيرين يستخدمون كتاب الصلوات لسنين عديدة ولكنهم لم يدركوا صلاة القلب. والسبب في ذلك هو أن الوقت الوحيد الذي يرفعون فيه قلوبهم لله هو وقت ممارسة قانون الصلاة في الصباح فقط ويظنون أن علاقتهم بالله قد أكملت وأنهم قد أتموا واجباتهم، ثم يقضون باقى وقتهم في الأعمال الأخرى دون ان يرجعوا لله. وحين يأتى المساء يظنون انه قد جاء الوقت لكي يرجعوا الى الله ]. 

[وحتى لو كان لهم تدبير حسن مع الله في الصباح فإنه سوف يتبدد مع الأعمال المتعددة التي يمارسونها خلال اليوم. وهذا هو السبب الذى يجعلهم بلا رغبة (في الصلاة) وقت المساء، لأنهم فقدوا ضبط النفس (خلال اليوم) وأصبحوا غير قادرين على الاعتياد ولو لفترة قصيرة للشركة مع الله) ولهذا فإن الصلاة لم تعد سهله بالنسبة لهم]. 

[ وهذا هو الخطأ الشائع الذي يجب أن نصلح من شأنه. ويجب على الإنسان أن يرجع الى الله ليس فقط وقت الصلاة ولكن طوال اليوم على قدر الأمكان. وبذلك يستطيع الانسان أن يقدم لله ذبيحة دائمة غير متوقفة]

وها نحن نتحدث الآن عن الأنواع الثلاثة من صلاة العقل التي تقودنا إلى تذكار الله طوال اليوم (الصلاة القصيرة – تمجيد الله – التأمل في أعمالي وصفات الله): 

أولاً : الصلاة السهمية:

 هكذا يسميها البعض لأنها مثل السهم السريع الهادف الذي يصيب الفريسة وهذا ما يعلمنا إياه القديس ثيوفان الناسك بخصوص صلاة القلب:

[إبدأ خلال اليوم على قدر إمكانك بأن تطلب الله من القلب بكلمات قليلة وفقاً لاحتياجاتك حسب الظروف المناسبة المحيطة بك]. 

[… حين تريد أن تبدأ فى عمل قل “يارب باركنا” … وحين تكمل العمل قل “المجد لك يارب”… وقل هذه الكلمات ليس فقط بلسانك ولكن إجعلها من القلب بإحساس حقيقي… 
وحينما تهاجمك الشهوات قل انقذني” يارب لئلا أهلك” وحينما تهزمك أفكار الظلمة المحيرة أصرخ لله قائلاً “إخرج نفسى من الحبس”.
وإذا إنجذبت لأحد الأعمال الخاطئة صل إلى الله قائلاً: “إرجعني إلى الطريق أيها الرب” أو تقول “لا تدع خطواتى تزل” واذا ضايقتك الخطية وزرعت فيك اليأس 
فأصرخ مع العشار “اللهم ارحمني انا الخاطئ”.
إفعل هكذا في كل وضع أو قل حسبما تستطيع “اللهم أرحمني” أو قل “يا أم الله القديسة مريم (أطلبى الى الله) لكي يرحمني” “أحـرســنـي أيها الملاك الحارس”..].

[إجعل توسلك (إلى الله) بمثل هذه الكلمات. وكرر ذلك كثيراً حسبما تستطيع. وحاول بكل طريقة أن تتأكد بأن كل توسل صادر من القلب. وكأن القلب يعتصر لكي يخرج هذه الكلمات].

[ ولو أنك فعلت هكذا، فإنك سوف تستطيع أن تتعود بإرادتك أن ترفع قلبك وسوف ترجع إلمهم باستمرار، وسوف تصلى دائماً. وهذه المثابرة المتكررة سوف تقودك لكى تزرع فى قلبك عادة الحديث المستمر مع الله]

[ وهكذا (ترديد الصلوات القصيرة حسب إحتياجنا) سوف يجعلنا نرجع إلى الله بخوف ونتوسل إليه من أجل المعونه والاستنارة].

 [ وبهذا سوف نـمـارس فن الصلاة بأن نرفع النفس الى الله باستمرار ] 

ثانياً: تمجيد الله خلال اليوم. 

إن الأحداث التي تمر خلال يومنا ، أو الأعمال التي نؤديها ممكن أن نحولها لمجد الله وهذا هو التدريب الثاني من تدريبات صلاة العقل التى يعلمنا اياها القديس ثيوفان الناسك حسب اقواله هذه:

[يجب ان ترجع النفس كل شئ لمجد الله بأن تنسب إليه كل عمل سواء كان عملاً كبيراً أم بسيطاً]. 

[ يجب أن نعمل لكي نكمل وصية الرسول بولس: “فإذا كنتم تأكلون أو تشريون أو تفعلون شيئاً فأفعلوا كل شئ لمجد الله” – اكو٣١:١٠ 
وذلك بأن نعمل كل شئ لمجد الله حتى الأكل طا الها قطبال والشرب، وعندئذ سوف نذكر الله بدون توقف مهما كان العمل الذي نعمله]. 

[ إن تذكار الله طوال اليوم سوف يحفظنا من الخطأ وسوف يقودنا (تذكار الله الدائم) بأن نهتم ألا نخطئ في أي ظرف من ظروف حـيـاتـنـا ضـد الله]. 

[ ويجب أن نفعل ذلك (كل عمل) من أجل مجد الله. ويجب أن نمارس ذلك منذ الصباح الباكر خلال أعمالنا الاعتيادية التي قد تستمر حتى المساء (وقت الصلاة)]. 

ثالثاً: التأمل في أعمال الله وصفاته: 

وهذا التدريب الثالث هو النوع الثالث من صلاة العقل بعد الصلوات القصيرة وتمجيد الله خلال أعمالنا. وكما يقول ثيوفان الناسك إن التأمل هو التفكير العميق في أحد الموضوعات وهنا يضع أمامنا ثيوفان الناسك أعمال الله وصفاته كمجال لهذا التأمل ويقترح أن يكون وقت التأمل هو في الصباح الباكر عقب الصلوات الصباحية. 

وهذه أقواله في ذلك التدريب: 

[ التأمل هو التجاوب الخاشع مع أعمال الله وأحساسنا تجاه هذه الأعمال والتأمل فيها]

أما صفات الله التي يضعها أمامنا ثيوفان الناسك فهي : 

– صلاح الله – الله كلى القدرة

– عدل الله 

– تدبير الله لخلاصنا خلال التجسد 

– حكمة الله – رحمة الله 

– عظمة الله – كلمة الله 

– رعاية الله – الأسرار المقدسة 

– ملكوت السموات

[هذه الموضوعات وما تعكسه على نفسك سوف تملأك بالخشوع تجاه الله وسوف تكتشف أنك محاط بمراحم الله فى جسدك وروحك. ولسوف تتحدث مع الله بعد ذلك لتقدم له الشكر بشعور الاتضاع والإحساس بعدم الاستحقاق ]. 

إن التأمل فى صفات الله سوف يقودنا للتوبة وعدم التورط وهذا هو ما يقوله ثيوفان الناسك. 

أ – [ إذا ما بدأت تتأمل فى عدل الله فإنك سوف تتأكد انه لن توجد أى خطية مستثناة من عقاب الله. وعندئذ سوف تجاهد لكى تطهر نفسك بتأنيب الضمير وتوبتك أمام الله ). 

ب- [إذا ما بدأت تتأمل في قدرة الله الكلية فإنك سوف تتأكد أنه لا يوجد أى شئ في نفسك مخفياً عن عينيه وسوف تجاهد لكي تنبه عقلك وقلبك (بتذكار الله الدائم) ولن تخطئ ضد رؤية الله لك].

[ ومهما كانت كمية الصفات الإلهية التي تأملت فيها فإن نفسك سوف تقتنى الخشوع الذي تقدمه لله. وهذه هي الطريقة البسيطة أن تتعلم النفس كيف ترتفع (عن الأرضيات) لتحيا في حضرة الله].

أما وقت التأمل وكيفيته فيتحدث عنه ثيوفان الناسك هكذا : 

أ- [وأنسب وقت هذا التأمل هو وقت الصباح بعد الصلوات الصباحية قبل أن تشغل النفس بالاهتمامات والانشغالات].

ب [ بعد أن تنتهى من صلواتك (الصباحية) أجلس وعقلك مازال مستنيراً بالصلاة. وابدأ بالتأمل في أعمال الله وصفاته. فى كل يوم خذ صفة معينة، وفى اليوم التالي صفه أخرى وهكذا وعندئذ سوف تدخل في اكتشاف خطة الله وأعماله الخالقة أو معجزاته أو آلام الرب المخلص لنا. وبذلك سوف تتحرك قلوبنا ونفوسنا لمصدر الصلاة ]. 

ثم يلخص لنا ثيوفان الناسك صلاة العقل في التدريبات الثلاثة

– أصرخ الى الله بأستمرار في توسلات قصيرة. 

 – حول كل عمل لمجد الله. 

– إجلس بعض الوقت كل صباح وتأمل أعمال الله وصفاته 

أما شروط صلاة العقل فإن ثيوفان الناسك يجملها في كلمتين فقط، ولكنها تحوى الكثير من المعاني [… فقط الرغبة والقصد ضروريان جدا وعندئذ سوف تتزايد الثمار فى نفوسنا ]. ويقول ان هذا ليس صعبا او مستحيلاً [ وكل هذا ممكن أن يحدث مع كل أحد ولا يحتاج إلى جهاد فائق ( عن الامكانيات البشرية العادية)]. 

أما ثمار الصلاة العقلية: وبركاتها فيجملها القديس ثيوفان الناسك فيما يلى: 

أ – [ إذا فعلت هكذا سوف تستمر في تذكار الله باستمرار]. 

ب-[ وباستمرار التأمل فى (صفات وأعمال) الله فإنك سوف تعمل حساباً لله وسوف تعمل لحساب مجده في كل عمل من أعمالك الداخلية (الباطنية) أو الخارجية]. 

ج- [ وسوف تصلى النفس بإستمرار وتتألق بالصلاة وسوف تنبع من هذه النفس علامات الدهش في الصلاة ]. 

د – [ إن كل قاعدة من هذه القواعد الثلاثة (الصلاة القصيرة – وتمجيد الله – والتأمل) سوف تحركنا نحو الله. وهذا أشبه بالوصول الى قمة الجبل وسهل جداً أن تصل إلى قمة الجبل حيث الصلاة بـجـديـة (بدون أي عائق)]. 

هـ – [ولسوف تحيا النفس فى جبل الله حيث تدخل باستمرار (إلى حضرة الله) عقليا وقلبياً].  

ويتحدث ثيوفان الناسك عن الحروب والعوائق التي تحارب النفس التى تجاهد في صلاة العقل فيقدم لنا النصح الآتي: 

[إن ثقل الأفكار العالمية والشهوات تحاول أن تجذب النفس وتحدرها لأسفل ولكن هذه التدريبات الثلاثة (الصلاة القصيرة – وتمجيد الله – والتأمل في اعمال الله وصفاته) سوف تحاول أن تفصل النفس تدريجياً عن الأرضيات. وشيئاً فشيئاً سوف تفصلها نهائياً ]. 

أما بركة صلاة العقل فيضعها أمامنا القديس ثيوفان الناسك فى اختبار رائع حيث تصل النفس إلى مشاركة الملائكة والقديسين فى الحياة في حضرة الله… أليست هذه هي الأبدية… نعم إن الصلاة هي سبق تذوق الأبدية ونحن مازلنا فى الجسد حتى إذا ما خلعنا هذا الجسد تبدأ في أفراح الملكوت: 

[وحين يحدث هذا (إختبار صلاة العقل) سوف تدخل النفس إلى المقادس العلوية، وتحيا هناك بالإحساس والفكر وبكل جوابها بعد ذلك. ولسوف تحسب مستحقة أن تقف فى حضرة الله وتقيم حيث الملائكة والقديسين ]. 

وأخيراً. إن صلوات القديسين تمنحنا المعونة لكى ندرك ونختبر ذلك. 

 ليت الله في صلاحه يمنحكم جميعاً هذه. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى