هل الله متحيز جنسيًّا؟

 يرى المسيحيون الله من خلال مجموعة من العدسات المختلفة عن الملحدين وغير المسيحيين والثقافات الأخرى للعالم. ولكن كما تعلم، صوّر البعض الله بالعديد من الطرق المشوهة على سبيل المثال، قال عنه الملحدون المعاصرون، وكثيرون غيرهم، إنه كاره للنساء، وشوفيني (متطرف في الوطنية)، وذكوري، ومتحيز جنسيًّا، جنبًا إلى جنب مع العديد من السمات المهينة الأخرى. وذكر الملحد ريتشارد دوكنز (Richard Dawkins) في كتابه «وهم الإله» (The God Delusion) ما يلي: 

«لا جدال بأن إله العهد القديم هو من أسوأ الشخصيات الأدبية: غيور وفخور بذلك، يدقق بالتوافه، ظالم وغير عادل، متسلط قاس، منتقم ومتعطش للدماء، مميت للأعراق، وكارة للنساء والمثليين، عنصري وقاتل للأطفال والشعوب، قاتل للأبناء، مسبب للأمراض، مصاب بجنون العظمة، سادي وماسوشي ونزوي وحقود شرس.» 

كيف يمكن أن يقول البعض بأن الله متحيز جنسيًّا وعنصري وحاقد ويبيد الآخرين إبادة جماعية وهلم جرا؟ ولكي يقول شخص هذه الآراء المشوهة عن الله، لا بد وأنه قرأ الكتاب المقدس خارج سياقه. على سبيل المثال، سنلقى النظر على اتهام الله بالتحيز جنسيا. كيف يمكن أن يرى شخص ما أن الله متحيز جنسياً؟ 

حسنًا، يُقال إن الله خلق آدم أولاً، ثم خلق حـواء؛ لتكون مواطنة درجة ثانية وهو ما يُبيِّن نظرةً أقل للمرأة. وبعد أن أخطأ آدم وحواء، قال الله لحواء إن زوجك «يسود عليك» (التكوين (۳: ١٦) مرة أخرى، يُقال ذلك لتوضيح نظرة الازدراء إلى المرأة باعتبارها أقل شأنا، وعليها الخضوع للرجال وخدمتهم. ثم يقول البعض إن المرء يستطيع أن يرى في جميع أنحاء العهد القديم كيف كانت عادات وقوانين بني إسرائيل تكشف عن وضع المرأة الأقل شأنا من الرجال. على سبيل المثال، كانت الشابة تعتبر قاصرة وفقًا للشريعة، وتعيش تحت سلطان أقرب الأقرباء من الذكور، ويمكن أن يلغى والدها أو زوجها نذورها إلى الله (العدد ۳۰: ۳ – ١٦). ويمكن للزوج أن يطلق امرأته (التثنية ١:٢٤-٤) ويتزوج بأخرى (الخروج ۲۱: ۱۰ ؛ التثنية ۲۱ : ١٥- ١٧). لكن لا تستطيع  الزوجة أن تطلق زوجها. ولا يمكن للمرأة أن ترث أرض أبيها سوى في حالة عدم وجود ورثة من الذكور، وكان يجب أيضًا أن تكون متزوجة داخل قبيلة أجدادها (العدد ۲۷: ۱ – ۱۱، ۱:۳٦ -۱۳) وقد قيلت جميع هذه النقاط؛ لتبين نظرة الله إلى المرأة؛ باعتبارها أقل شأناً من الرجل، ودون الحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل. 

كيف يرى الله بالفعل الرجال والنساء؟ 

على الرغم من كل هذه التأكيدات، فالله في الحقيقة ليس متحيزا جنسيًّا. لكن هذا لا يعني أن الكنيسة لم تعامل النساء على مدار التاريخ على أنهم أقل شانًا، أو أن الرجال المسيحيين لم يكونوا في الواقع متحيزين جنسياً. من الواضح أن سلوك التحيز جنسيًّا قد ابتلانا لقرون عدة. لكن الله ليس كذلك، ولا يرى النساء أقل شائًا من الرجال. 

قال الله: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا … ذكرًا وأنثى خلقهم» التكوين ١: ٢٦ ، ٢٧ . لقد خُلِقت المرأة على صورة وشبه الله، مثلها في ذلك مثل الرجل (في الواقع جبل الله الرجل من التراب، لكن المرأة من الإنسان. لم يعمل الله صورة للرجل أعلى شأنا من المرأة، فالخالق لم يجعل المرأة أقل في الصورة. يتشارك الرجال والنساء في صورة الله بالقدر نفسه. 

يقول الكتاب المقدس إن الله خلق المرأة لكي تكون «معينًا» للرجل. وقال البعض إن ذلك يُثبت أن النساء موجودون لخدمة الرجال. لكن الله لم يخلق المرأة لتكون خادمة أو مساعدة للرجل. تترجم الكلمة العبرية «Ezer» إلى «معين»، وتعني الشخص الذي يحيط بآخر، أو يحميه، أو يساعده. وقد استخدم يعقوب الكلمة 

نفسها عن الله عندما قال «من إله أبيك الذي يعينك» ( تك ٤٩: ٢٥). واستخدمها موسى أيضًا عندما قال: «إله أبي كان عوني» (خر ١٨: ٤). ويستخدمها كاتب المزمور داود مرارًا وتكرارًا في نصوص مثل «أنفسنا انتظرت الرب. معونتنا وترسنا هو» (مز ۳۳: ۲۰). لقد صوَّر كُتَّاب العهد القديم، الله، في المقام الأول على أنه «Ezer»، الذي يحيط بنا، ويساعدنا. 

وهذا لا يعني أبدا أن دورها أن تكون خادمة متواضعة، بل بالأحرى لها دور نبيل؛ حيث تقدم المساعدة لشخص يحتاجها. عندما خلق الله المرأة كمعين على صورة الله لتساعد الرجل، كان لها دور موقر ومحترم جدًّا، ولم يكن دورًا فيه أية دونية أو عبودية. وعندما رأى أن الرجل في احتياج فعلي للمرأة، لم يكن هذا يعني أيضًا أن آدم كان أقل شأنا. إن المرأة ليست أقل شأنا؛ لأنها نظيرة أو رفيقة للرجل. 

المزيد من المقارنات 

تعد عواقب الخطية على حواء مثالاً آخر يزعم بأن الله متحيز جنسيًّا. لكن الآثار السلبية للخطية لها تأثير بعيد المدى على كل البشرية وخارجها. ويشمل ذلك الموت الروحي والجسدي لجميع البشر، والألم الجسدي للمرأة عند الإنجاب، وسيادة الأزواج على زوجاتهم، ولعنة الأرض التي تؤثر على حياة النباتات؛ مما يجعل من الصعب على الإنسان زراعة المحاصيل (راجع سفر التكوين ۳: ١٤ – ۱۹). لكن هذه الآثار السلبية لم يكن المقصود منها أن تكون مقبولة كمعايير. لقد وضع الله نفسه خُطة يديرها، حتى قبل أن يخلق البشر؛ لكي يعكس هذه العواقب. فقد كان يخطط لإرسال ابنه؛ لا كي يقدم حياة أبدية للبشر الأموات في خطاياهم وحسب، بل ليعكس آثار الخطية في النهاية على هذا الكوكب بالكامل وحياة الحيوانات (راجع إشعياء ٢٥: ٧، ٨ ، ٦٥: ١٧). 

فكَّرْ في هذا: هل نحن بصفتنا خليقة الله نجلس ساكنين، ولا نساعده في خطة الخلاص والاسترداد؟ هل ليس علينا اكتشاف الطرق الجديدة والمُحسّنة لزراعة الأرض وزيادة إنتاجية المحاصيل؟ هل علينا أن نقبل الألم أثناء عملية الإنجاب، وعدم البحث عن وسائل طبية لتقليل الألم؟ نحن نستخدم بالطبع تكنولوجيا الزراعة الحديثة؛ لزراعة محاصيل أفضل وأكثر صحة. كما نحاول الاستفادة من الاكتشافات الطبية الحديثة؛ لتخفيف الألم في عملية الولادة. فنحن لا نقبل هذه النتائج السلبية للخطية، ونعيش فيها. ولا ينبغي علينا قبول الآثار السلبية لسيادة الأزواج على زوجاتهم. لم يكن ذلك قصد الله منذ البداية، ومن الواضح أنه لا يريد الآن هذا النوع من العلاقة المشوهة في الزواج. 

ورغم أن العهد الجديد يقول إن على الزوجات أن يخضعن لأزواجهن، فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال ظلمًا. في الواقع، يوصينا الكتاب المقدس أن نخضع جميعًا بعضنا لبعض (راجع أفسس ٥: ۲۱) وقد وضح يسوع الحق، بأن على الرجال والنساء خدمة بعضهم البعض في مرقس ٤٢:١٠ – ٤٤، وقد شملت الآية يسوع نفسه «لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأت ليُخدَم بل ليُخدَم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مرقس۱۰: ٤٥). وكون الأزواج والزوجات يخدمون في أدوار مختلفة، لا يعني أن الزوجات أقل شأنا. صحيح أن الخطية قد جاءت بآثار سلبية على علاقاتنا، لكن الله لا يريد استمرار ذلك. فالله يريد من كلّ من الأزواج والزوجات أن يحترموا ويحبوا بعضهم البعض، كما أظهر لنا ذلك من خلال المسيح. 

أخيرا، نرى في جميع أنحاء الكتاب المقدس أن الله رفع النساء إلى أماكن السلطة والقيادة الإلهية، والمتحيز جنسيًّا لا يفعل ذلك. وفي الواقع، التكوين هو قصة الخليقة الوحيدة في الشرق الأدني القديم التي تذكر النساء حتى. ويصل إلى ذروته في خليقة النساء فقد أعطى الله بوضوح قيمة للمرأة منذ البداية. 

عمل مقارنة 

في أمة إسرائيل، كانت المرأة تحضر قراءة الكتاب المقدس (التثنية ۳۱: ۹ – ۱۳)، وهو ما كان يعد غاية في التكريم كانت النساء تخدم في مدخل خيمة الاجتماع (الخروج ۳۸: ۸) ، وهو واجب شريف، وكنَّ يقدمن ذبائح (اللاويين ۱۲: ۱- ۸) وهو ما يُبيِّن اعتراف الله بحق المرأة في العبادة. فقد عيَّن مريم أخت موسى «كنبية» (الخروج ۱٥: ۲۰، ۲۱) كما كانت دبورة نبية وقاضية. وكانت تتكلم وتقضي علنًا باسم الله (القضاة ٤: ٤ – ٧). وكذلك كانت خلدة على قدم المساواة، نبية لله، وكانت تتحدث أيضًا بالنيابة عن الله (۲ملوك ١٤:٢٢ – ٢٠). ومن الواضح أن الله لم يكن ينظر إلى المرأة بأنها أقل شأنا، وغير قادرة على القيادة والتحدث باسمه. 

أكد يسوع ابن الله على حقوق المرأة عندما تحدث إلى المرأة السامرية (يوحنا ٤ : ١ – ٤٢). كما أيَّد مريم التي جلست عند قدميه كإحدى تلاميذه وكذلك مدح كثيرًا النساء اللواتي دهنَّ جسده بالطيب قبل موته (مرقس ١٤: ٩). كانت المرأة بالنسبة ليسوع مساوية للرجل. ومن ناحية العلاقات لا يرى الله أيَّ فارق في الوضع الإنساني بين الذكر والأنثى. وكمــا ذكرنا يمكن أن يخدم الأزواج والزوجات في أدوار مختلفة، ولكن هذا لا يجعل أحدًا منهم أكثر تفوقًا أو أدنى من الآخر. وقد وضَّح الرسول بولس أن الله ليست عِنده محاباة عندما قال: «لأنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح ليس يهودي ولا يوناني ليس عبـد ولا حر. ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع» (غلاطية ۳: ۲٦-۲۸).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى