الزينة والتجميل عند المرأة في العصر القبطى
المرأة منذ فجر التاريخ شديدة الشغف بالتجمل والتأنق، ولوعة بأقتناء أدوات الزينة على اختلاف أنواعها الى حد بعيد، ولا شك أن هذه الوسائل خُلقت لأجلها استكمالا لرغباتها وأشباعاً لتلك النزعة الطبيعية التي تعتبر أبرز مظهر من صفاتها. وهى لا تبخل بكل ما لديها من قوة وجهد ومال فى سبيل الحصول على ما يلزمها من الأدوات لتجميل نفسها وأظهار مكانتها وخصوصا أذا ما ضنت عليها الطبيعة بمسحة من الجمال أو بسطة فى الوسامة كأترابها من النساء. فهي في هذه الحالة لا تنفك دائبة فى ابتكار كافة الطرق اللازمة وأيجاد الوسائل الصناعية المختلفة. رغبة منها في الوصول الى تحسين مظهرها الخارجى حتى تجعلها موضع الأعجاب أو القبول والرضى فى نظر من يراها من القوم.
وبالرغم من أن العصر القبطى امتاز عن غيره من العصور السابقة كالعصر المصرى القديم وبصفة خاصة فى العصرين اليونانى والرومانى، بالتقشف في كثير من الاحوال، الا أن ما وجد من آثار وسائل الزينة والتجميل فى العصر المذكور دل على أن المرأة هي نفسها في كل عصر من العصور سليلة لجداتها الغابرات، وريثة لكثير من صفاتهن وزينتهن ، وأن كانت تختلف في العصر القبطى فى أنها كانت أكثر ميلا الى الحشمة بعيدة عن مظاهر البهرجة والتبذل . وهذا نشأ بطبيعة الحال من روح العصر الذى كانت تعيش فيه وبسبب انتشار المبادئ المسيحية التي نددت بمظاهر الخلاعة والفجور. ويؤيد هذا القول أن كثيراً من الأدوات التي استخدمت فى أغراض الزينة مما عثر عليه بين الآثار تحمل نقوشا ورسوما من المناظر الدينية والرموز المسيحية التى وردت فى الكتب المقدسة.
على أننا لو استعرضنا صورة من صور المرأة مما سجلته الآثار نتبين أن السيدة القبطية كانت تظهر فى كامل هندامها وأناقتها. وتعنى كثيرا بجمال مظهرها الخارجى، وهذا واضح من تمثال نصفى لها يرجع تاريخه الى العصر القبطى المبكر. وهو ينطق بمقدار شغف المرأة وتعلقها الشديد بوسائل الزينة. فتشاهد براعتها في كيفية إظهار مفاتنها بما قامت به من تصفيف شعر الرأس وتجعيده بطريقة شيقة تلفت الأنظار، ولم تتخل عن ليس كافة أدوات التجميل الذهبية كالقرطين في أذنيها والخواتم فى أصابعها والقلادة حول العنق. ثم زينت عينيها بالكحل بطريقة لطيفة بحيث تظهر العين وقد اتخذت شكلا شبه بهيئة اللوزة وهى نفس الأشكال التي تشتهيها نساء اليوم أو ما تتبعه عند أضافة الكحل الى عيونهن. كما أنها لم تنس أيضا تزجيح الحاجبين بالكحل الاسود واستعمال المساحيق والألوان فى الوجه. كذلك تمثال السيدة شابة يظهر من شكل الرداء الذى تختال فيه أنه يصل في طوله الى ما يقرب من أعلى قدميها. وقد روعى استعمال الطيات في صناعته كما امتاز ببساطة التفصيل رغم أناقته . وزين من الخصر بخرام مضفور. وظهرت تجاعيد خصل الشعر وقد صُففت في أطار أنيق وبطريقة جذابة بحيث تغطى جانى الوجه. وحول الرقبة قلادة بسيطة يتدلى منها صليب. وشوهد أيضا منظر رائع لسيدتين منقوشتين بالألوان على حشوات من العاج تزين غطاء صندوق خشبي دقيق صغير الحجم كان يستعمل لحفظ أدوات الزينة وأوانى العطور . والطريف في المنظر المذكور أن كل سيدة منها تقف داخل مقصورة بعد أن رفعت ستارها . وأجمل ما فيها شكل الثياب التي ترتديها كل سيدة أذ تتكون من فستان طويل أنيق يغطى جميع أجزاء الجسم تقريبا حتى نهاية القدمين ويعلوه معطف أقصر منه طولا، واشكالها دليل واضح على براعة فن التفصيل والتفوق فى الذوق السليم، وقد اسبغت عليهما مسحة من الأناقة الى جانب الحشمة والبراءة والوقار التي ظهرت عليهما أيضا.
و احدى هاتين السيدتين تركت شعرها بعد تصفيفه ينسدل عاريا حتى أعلى الكتفين بينما غطت الثانية خصلات شعرها داخل قبعة كما تفعل كثير من السيدات في عصرنا الحاضر. كما أن تزجيج الحواجب بالكحل الأسود شديد الوضوح في الصورة. وكذلك من الآثار التي وجدت، صندوق آخر صغير لإحدى السيدات السيدات مطعم بحشوات من العظم وكلها تمثل رسوما غائرة وتبين مناظر لنساء عاريات في أوضاع وأشكال مختلفة وهن يقمن ببعض حركات الرقص الخليعة وهذا دليل بلا شك على التأثر بالطابع اليونانى الرومانى، وهو يرجع في تاريخه الى فجر العصر المذكور.
أما أهم الأدوات الخاصة بالزينة عند المرأة القديمة فكانت المرآة. وكانت أثمن ما تملكه، ولا تخلو مقتنيات سيدة من نساء الطبقة الراقية أو الوسطى من المرآة. وكثيراً ماكن يظهرن فى مواقف عديدة وفى أيديهن المرآة. لأنها الوسائل التي كانت المرأة تستخدمها فى اصلاح هندامها وتحسين مظهرها أذ لا يمكن أن يتم لها التأنق أو التجميل بدونها. وكانت تصنع فى أول عهدها من المعادن البراقة خصوصا النحاس أو البرونز ومن الفضة والذهب. وقد ذكر العالم “بليني Pliny ” أن المرايا الزجاجية ذات الصفائح الفضية لم تكن معروفة ألا فى العصر القبطى . ولحسن الحظ توجد في المتحف القبطى مرآة يرجع عهدها الى القرن الرابع الميلادى غالبا وهى تعتبر بلا شك أقدم ما عرف عن المرآة الزجاجية في التاريخ.
وكذلك كانت الأمشاط من الوسائل الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها وهى تساعد على أبراز المرأة بمظهر لائق جذاب. وهى الوسيلة اللازمة لتنظيف الشعر وتصفيفة وتنظيمه. وقد وجدت أنواع عديدة وأشكال وأحجام مختلفة من تلك الأمشاط ، وقد زينت أغلبها برسوم جميلة مفرغة تمثل بعضها مناظر الطير كالحمام أو الطاؤوس أو الحيوان كالغزلان والأرانب . أو أحيانا أشكال فرسان على ظهور الجياد . وبعضها يحوى زخارف هندسية ونباتيه ووريدات أو ازهارا وغيرها. وأغلب تلك المجموعات التي وجدت من الامشاط صنعت من الخشب والبعض كان يصنع من العظم والعاج . ويحتفظ المتحف القبطى بمجموعة كبيرة منها. ومن عجيب ما عثر عليه من تلك الأمشاط الرائعة هو ذلك المشط العاجي الذي وجد في مقبرة ربما في بلدة أخميم بالوجه القبلى ويرجع تاريخه الى القرن السادس الميلادي وهو يعتبر آية وفخر للصناعة ودقتها كما أنه فريد فى نوعه ، وأهميته ترجع الى المناظر الدينية الدقيقة البارزة التي تقشت على الفراغ الأوسط في كلا الوجهين. وهي تمثل على أحمد وجهيه منظراً للسيد المسيح على ظهر آنان داخل إكليل نباتى يحمله ملاكان طائران. أما على الوجه الآخر فقد نقش عليه الفنان منظراً دينيا مختلفاً ويوضح بعضا من معجزات السيد المسيح التي منها شفاء الاعمى وأحباء لعاذر من بين الأموات.
ومن مقتنيات أدوات التجميل أيضا المكاحل ، وكانت تصنع من العظم العاج أو الخشب أو الزجاج لحفظ الكحل الأسود الذي انتشر استعماله بكثرة في العصر القبطي بصفة خاصة لتزجيج الحواجب كما كانت تطلى به الأجفان ثم يمتد الطلاء في خط الى ما بعد لحاظ العينين نحو الصدغ لكي تظهر العيون أكثر اتساعا وتألقاً . ومما شجع على كثرة استعماله الاعتقاد السائد بأن للكحل خواص شافية لأمراض العيون . ومن ملحقاتها المراود ، وقد وجدت منها مجموعة ذات أشكال عديدة من الخشب والعاج والأبنوس ، وكانوا يتفنون في تزيين رؤوسها بنقوش تماثيل أو طيور أو أزهار وغيرها من الرسوم.
وكذلك كانت العطور والطيوب والدهون المختلفة من الأشياء التي لاغنى للمرأة عنها منذ أقدم العصور . وقد استعملت تلك الروائح بكثرة استكمالا لرشاقتها كما كانت تخلق جوا يبعث على البهجة والنشوة خصوصا وأن مصر اشتهرت باستخراج أعظم أنواع العطور وأزكاها رائحة . وقد أيد العالم « بليني Pliny » تلك الشهرة التي ذاعت فى جميع أنحاء العالم القديم ولم يكن هناك من يضارعها في استخراج تلك الروائح فى جودتها وكمال صنعها حتى أنه ذكر أن المرأة التي كانت تتطيب بتلك العطور كانت أذا عبرت أمام القوم انبعثت منها رائحة ذكية تلفت الأنظار وتخلب العقول إلى درجة أنها كانت تكفى الى تنبيه من كان منهم مستغرقا في عمله ولا يعباً بما يجرى حوله من أعمال. وقد ذكر المؤرخ اليونانى « بلوتارك Plutarque» أيضا أن المصرين كانت لهم دراية هائلة فى صناعة الروائح حتى أنه بين أن نوعا منها كان يتكون من أجزاء مختلفة من المواد بلغ عددها سته عشر جزءا . ولا بد أن يكون القبط قد ورنوا عنهم تلك الصناعة التى أدت بطبيعة الحال الى التفتن في صنع الأوانى الصغيرة والعلب التى كانت تحفظ فيها تلك العطور والطيوب. وقد ظهرت منها مجموعة نادرة جميلة الصنع من العاج أو العظم أو الخشب . وكانت تزين سطوح تلك الأوانى برسوم زخرفية ونقوش بارزة دقيقة . ومن بين تلك الأوانى قارورة أنيقة لعلها من فرع خاص من الخشب ، فريدة النقوش البارزة التي تزين كل سطحها بأزهار ووريدات جميلة ، كما شملت منظرا رائعا من المناظر الدينية الهامة وهو يمثل البسارة ، ثم أشكالا دينية أخرى.
وقد وجدت بعض ملاعق صغيرة خاصة من الخشب أو العاج أو العظم ومنها ما هو مدهون باللون الأحمر مع بقاء خطوط بيضاء عليها، وكانت تستعمل كمغرفة عند استعمال العطور أو الدهون. ومن وسائل الزينة التي لعبت دوراً كبيراً في مقتنيات النساء، الحلى على اختلاف أنواعها وأشكالها والمواد المصنوعة منها، ومنها الأقراط الذهبية التي صيغت على هيئة عنقود من العنب وهو يرمز الى أهم رموز المسيحية ، والبعض صنع على شكل الهلال وهو ما نشاهده اليوم بزين آذان الكثيرات من بنات الريف ومنها ما رصع بخصوص اللؤلؤ والا ماتيست والعقيق وغيرها من الأحجار الغالية. أما عن العقود فلدينا منها أنواع عديدة بعضها صنع من سلاسل ذهبية تزينها حبات اللؤلؤ والاحجار الثمينة ومن القلائد ما صنعت حياته من القواقع أو من قطع العظم أو العاج أو البلور الصخرى أو القاشاني الازرق والأخضر أو من الخرز أو قطع الزجاج الملون. ومنها ماصنع من حبات المرجان أو العقيق أو الأماتيست ، وهى نفس العقود والمواد التي استعملتها المرأة المصرية منذ عهد ماقبل التاريخ حتى عصرنا الحاضر. والطريف فى هذه القلائد أن أغلبها كان يزين من الوسط بدلاية صنع البعض منها على شكل دائرة بداخلها نقش بارز لآدمى ربما يمثل قديسا أو السيدة العذراء ومنها ما هو على شكل طائر أو غزال أو سمكه.
كذلك استعملت السيدة القبطية الأساور لتزيين معصميها، وكانت تصنع من الذهب والفضة على شكل ثعبان وهو الطابع المصرى القديم . كذلك وجدت عدة أساور من النحاس والبرونز والعاج والعظم والقرون، ولا شك أن هذه كانت من مقتنيات نساء الطبقة الفقيرة. واستعملت الخواتم أيضا في أصابع اليد. ويوجد بالمتحف القبطى خاتم ذهبى مزين بفص من المرجان الأحمر الجميل وعليه نقش دقيق لحيوان، كما توجد خواتم أخرى من البرونز أو العاج، وهناك مجموعه من الخلاخيل ذات أحجام ضخمة من البرونز أو الفضة، وقد جئ بها من حفائر مصلحة الآثار من الواحات الخارجة، وصناعتها بدائية خشنة. وكانت نساء الواحات يستعملنها فى العصر المذكور في تزيين رسغهن.