الليتورجيا أو القداس في الكنائس الشرقية والغربية
مقدمة عن الليتورجيا
ليتورجيا كلمة يونانية أطلقت قديمًا على كل خدمة دينية كانت أو مدنية، ثم أطلقها الرسل بعدئذ على الصلوات التي كانت تتلى عند تقديس القرابين. وأول مرة ورد ذكرها في العهد الجديد بالمعنى السابق كان في سفر الأعمال حيث جاء: «وبينما هم يخدمون الرب» (أعمال 13:2)، ويراد بالخدمة تقديس سر الشكر.
وقد وضع السيد سر الأفخارستيا في ليلة آلامه حيث «أخذ خبزًا وباركه وكسر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلًا: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» (متى 26:26-27). وقد أعطى الرب الرسل وخلفاءهم سلطانًا على ممارسة هذا السر من بعده عندما قال لهم: «اصنعوا هذا لذكري» (لوقا 22:19).
لغة التقديس الأولى
واضح من الكتب المقدسة أن الشعب الإسرائيلي ظل في السبي البابلي سبعين عامًا، فكان أهم ما حمله عند عودته اللغة الأرامية أي السريانية التي ظل يتحدث بها حتى خراب أورشليم الأخير (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 3، الفصل 5). وبهذه اللغة الجميلة التي تعد من أروع لغات المشرق وأكثرها أدبًا وبيانًا، تكلم السيد المسيح ووضع عبارات التقديس. وهكذا فعل رسله حتى حل الروح القلدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات أخرى (أعمال 2:4).
من قدس أولًا؟
اختلف الآباء في من قدس أولًا، ولهم في ذلك ثلاثة آراء:
- الرأي الأول يقول إن القديس بطرس هو الذي تشرف بخدمة القداس الأول (السنكسار القبطي، 29 برمودة).
- والثاني يقول إن القديس يعقوب أسقف أورشليم المعروف بأخي الرب هو الذي قام بهذه الخدمة (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 2، الفصل 23).
- والرأي الأخير – وربما كان الأرجح – أنهم اشتركوا في خدمة القداس معًا (ساويرس بن المقفع، تاريخ البطاركة، الجزء الأول). وما زالت كنيستنا القبطية وبعض الكنائس الأرثوذكسية تحتفظ بهذه العادة فيشترك في التقديس أكثر من واحد.
الوقت الذي بدأ فيه التقديس
الوقت الذي بدأ فيه الرسل بتقديس القرابين يرجح أنه كان بعد عيد العنصرة مباشرة. وقد أخبر يوسابيوس القيصري أن الرب سلم القداس وأسراره لتلاميذه في مغارة جبل الزيتون (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 3، الفصل 11).
طقس القداس الأول
يقول القديس غريغوريوس الكبير إن القداس في بادئ الأمر كان قاصرًا على الصلاة الربانية مع عبارات التقديس، ولذا كان قصيرًا وبسيطًا (غريغوريوس الكبير، الحوارات، الكتاب 4). ولكن القديس يوحنا فم الذهب يرى أن الرسل كانوا يستعملون صلوات وترانيم كثيرة وقت تقديم الذبيحة، ويؤيد رأيه بشهادة القديس لوقا الإنجيلي حيث يقول: «وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات» (أعمال 2:42). والقديس أوغسطينوس عند تفسيره قول الرسول: «فأطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس» (1 تيموثاوس 2:1) يقول إن هذه الأمور كانت مختصة بخدمة الليتورجية (أوغسطينوس، رسالة إلى باولينوس، الرسالة 149). وقد ثبت أيضًا أن الكنيسة في حياتها الأولى كانت تقرأ للمؤمنين بعض فصول الكتاب وتشرحها لهم، ثم تقدس الخبز والخمر وتختم بالمزامير والتسابيح الروحية، كما جاء في رسالة القديس إغناطيوس الأنطاكي (إغناطيوس، رسالة إلى أهل أفسس، الفصل 13) وما كتبه يوستينوس الفليسوف الشهيد إلى الإمبراطور مرقس أوريليوس في دفاعه عن المسيحية (يوستينوس، الدفاع الأول، الفصل 67).
ليتورجيات من العصر الرسولي
يظن أن صلاة القداس ظلت محفوظة في صدور الناس حتى القرن الثالث، كما يتضح من كلام القديس أوغسطينوس: «المزمع أن يشرطن كاهنًا… لتكن لك ذاكرتك بدلاً من الصحيفة» (أوغسطينوس، تفسير المزامير، مزمور 119). ثم بدأت الكنيسة تحتفظ بها داخل الكتب. وقد حفظ لنا التاريخ في بعض المخطوطات النادرة أربع ليتورجيات يظن أنها أقدم ما كتب في هذا النوع، ولا يعرف بالتأكيد متى استعملت هذه الليتورجيات ومتى أبطلت من الكنائس.
الليتورجيات القديمة
الأولى: ليتورجية عهد ربنا، وقد ترجمها من القبطية إلى العربية الشيخ الحكيم الفاضل تاج الرئاسة أبو إسحاق بن النجيب فضل الله عن نسخة قبطية بخط البابا قزمان الإسكندري سنة 623 ش. وهذه الترجمة محفوظة الآن في مكتبة الفاتيكان (مخطوطة الفاتيكان، Coptic MS 123). ومما يؤيد أقدمية هذه الليتورجية إحدى الطلبات التي تأتي مباشرة بعد الكلمات التقديسية وفيها يقول الكاهن: «أسند يارب حتى النهاية الذين لهم مواهب الوحي، وأيد الذين لهم موهبة الشفاء، وعزز الذين لهم منحة الألسن». وحيث أن هذه المواهب انقطعت منذ الجيل الثاني، فلابد من أن هذه الرتبة كتبت وقت وجودها.
والثانية: يطلق عليها «القوانين الرسولية»، وقد وجدت بالعربية والقبطية منذ زمن بعيد، واكتشف لها الأستاذ هول ترجمة لاتينية بمخطوط من مخطوطات مكتبة فيرونا (مكتبة فيرونا، Codex Veronensis). ويرجح أنها أقدم عهدًا من الأولى.
والثالثة: تعرف ب«ليتورجية المراسم الرسولية»، وقد وجدت في آخر الكتاب الثامن من المجموعة المسماة بهذا الاسم (المراسيم الرسولية، الكتاب 8).
أما الرابعة: فهي ليتورجية القديس سرابيون أسقف تُميس الذي عاصر البابا أثناسيوس الرسولي، وقد وجدت بخزانة الكتب الموجودة بدير جبل آثوس اليوناني ونشرت لأول مرة سنة 1894م (مخطوطة جبل آثوس، MS Athos 123). ويرجح أنها كانت خاصة بكنيسة الإسكندرية لتشابه بعض عباراتها حرفيًا بالقداس المرقسي.
أقدم الكنائس وأقدم الليتورجيات
كنيسة أورشليم
تعتبر أمًا لكل الكنائس المسيحية، إذ فيها كانت الكفارة وفي وسطها تم الخلاص. وهي الكنيسة الأولى التي تعاقب على كرسي رئاستها خمسة عشر أسقفًا من اليهود، كان أولهم يعقوب أخو الرب وآخرهم يهوذا في عهد أورليانوس قيصر (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 4، الفصل 5).
وفي أورشليم وجدت أقدم ليتورجية قدس بها الرسول يعقوب لأول مرة وعرفت باسمه فيما بعد، وقد وضعت بالسريانية ثم ترجمت إلى اليونانية. وأقدم النسخ السريانية نسخة بمكتبة لندن يظن أنها كتبت بين الجيل الثامن والتاسع (مكتبة لندن، Syriac MS 145). كما اكتشف الباحثون نسخة باليونانية في مدينة مسينا بإيطاليا يظن أنها كتبت في القرن العاشر (مخطوطة مسينا، Greek MS 12). وظلت أورشليم محتفظة بهذه الرتبة إلى أن آل كرسي بطريركيتها إلى بطاركة يونانيين فاستبدلوها برتبتي باسيليوس ويوحنا فم الذهب حسب الطقس البيزنطي، وأبقوا ليتورجية مار يعقوب ليوم عيده فقط وهو يقع في اليوم الثالث والعشرين من تشرين الأول.
الكنيسة الأنطاكية السريانية
اختط مدينة أنطاكية سلوقس الظافر أحد قواد الإسكندر سنة 301 ق.م. وتعتبر كنيستها الثانية بعد أورشليم، وفيها دعي التلاميذ بمسيحيين أولاً (أعمال 11:26). وقد بشر فيها بطرس في السنة الرابعة للصعود، كما زارها بولس وآخرون (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 2، الفصل 3).
والليتورجية الرسمية للكنيسة السريانية هي ليتورجية مار يعقوب أخي الرب، وقد قام بضبطها وتصحيحها على النص اليوناني يعقوب أسقف الرها (السنكسار السرياني، 18 تشرين الأول). وجعل الطلبة التي تأتي بعد عبارات التقديس توجه إلى الابن بعد ما كانت في اليونانية توجه إلى الآب، فبدلاً من قول الكاهن: «إننا نذكر موته وصعوده» يقول: «موتك وقيامتك وصعودك».
وللكنيسة السريانية عدا ليتورجية مار يعقوب هذه 65 رتبة أخرى نسقت عليها، بعضها كان قبل الانشقاق والآخر بعده، وتنسب إلى الآباء الأقباط والسريان الميافيزيين. وفي بعض هذه الرتب يختلف كلام التقديس عما جاء في غيرها. فابن الصليبي يقول: «ولما تهيأ الألم الخلاصي بارك الخبز الذي أخذه وقدس وكسر وسماه جسده المقدس… والكأس بارك وقدس وأكمله دمه الثمين» (ابن الصليبي، تفسير القداس السرياني). وفي ليتورجية إغناطيوس النوراني يقول: «ولما أزمع بمحبته أن يصعد إلى الصليب… أخذ خبزًا… ولما شكر بارك قدس كسر وأعطى تلاميذه الرسل وبواسطتهم جميع المؤمنين وقال: كلوا جسدي وتبرروا – بدلاً من أكل الشجرة – لمغفرة زلاتكم. وعن الكأس قال: اشربوا هذه الكأس التي من الخمر والماء علامة مجرى الخلاص الذي تدفق من جنب الحياة على عود الصليب لأجل مغفرة الخطايا» (إغناطيوس النوراني، ليتورجية القداس).
كنيسة الإسكندرية
تعتبر الثالثة من الوجهة التاريخية، وقد صارت فيما بعد الأولى لما أحرزته من المكانة الأدبية والاجتماعية، وهي تتكون من أقباط وادي النيل وسائر شعب الكرازة المرقسية (ساويرس بن المقفع، تاريخ البطاركة، الجزء الأول).
ولها رتبة قداس قديمة جدًا وضعها القديس مرقس الرسول، وقد ضبطها القديس كيرلس الأول وزاد عليها فنسبت إليه فيما بعد (السنكسار القبطي، 7 أمشير). وقد ظل الأقباط واليونان الإسكندريون يقدسون بهذه الرتبة حتى نهاية القرن الثاني عشر، إذ ذهب مرقس (بطريرك الإسكندرية الملكي) لزيارة القسطنطينية، وهناك دعي ليتولى حفلة القداس فقدس بليتورجية كنيسته المعروفة بليتورجية مار مرقس، فعاب عليه البيزنطيون عمله هذا واشتكوه إلى الملك، فأمره أن يستبدلها بليتورجية كنيسة القسطنطينية، ومن ثم أبطل استعمالها عند اليونان الإسكندريين من هذا الحين (ساويرس بن المقفع، تاريخ البطاركة، الجزء الثاني).
وأقدم مصادر هذه الرتبة المخطوطات المحفوظة في مكاتب الفاتيكان وباريس ولندن، وكلها كتبت بالقبطية في القرن الثالث عشر (مكتبة الفاتيكان، Coptic MS 456؛ مكتبة باريس، Coptic MS 789؛ مكتبة لندن، Coptic MS 234). وتمتاز هذه الرتبة عن سائر الرتب بأنها وصفت يدي الرب يسوع بالطوباويتين، وأضافت «كلكم» بعد قول ربنا: «خذوا كلوا»، وأضافت «لأن» التعليلية في قوله: «لأن هذا هو جسدي». كما انفردت بقولها عن ربنا إنه «ذاق الكأس» كما شهد ماردير ناوس وذهبي الفم (يوحنا فم الذهب، تفسير إنجيل متى، الفصل 26).
والأقباط غير هذه الرتبة رتبتان أخريان: إحداهما باسم القديس باسيليوس القيصري، والأخرى تنسب لمار غريغوريوس بطريرك القسطنطينية، ويظن أنهما وضعتا قبل الانشقاق لأن اليونانيين الملكيين كانوا يستعملونها (السنكسار القبطي، 15 طوبه). ويظن أن مار غريغوريوس وضع رتبته على أثر ظهور المذهب الأريوسي لأنها انفردت بتوجيه الخطاب للابن، ولعله اقتدى بواضع رتبة المراسيم الرسولية. ويصلى بها في المواسم والأعياد، كما يقدس برتبة باسيليوس على مدار السنة. وقد زيدت إليها ترنيمة «افرحي يا مريم» بعد المجمع الأفسسي ردًا على نسطور الذي أنكر الوالدية الإلهية (ساويرس بن المقفع، تاريخ البطاركة، الجزء الأول). أما الرتبة المرقسية فقد أبطل استعمالها.
وقد كان القداس في مصر يرتل باليونانية في العواصم وأمهات المدن، وبالقبطية في الأرياف والقرى. ولكنه بعد الانشقاق قام الأقباط بترجمة كل كتب الطقس إلى القبطية، ولما لم يكن من السهل التخلص منها كلية، فقد جعلوا ما يتلوه الكاهن بالقبطية المحضة، وما يقوله الشماس والشعب باليونانية، وبقي الحال هكذا حتى وقتنا هذا.
الكنيسة الحبشية
تتبع تمامًا الكنيسة القبطية في كل طقوسها، ولديها خمسة عشر أنافورا، بعضها قديم والآخر لآباء الكنيسة القبطية والسريانية واليونانية (إيريس حبيب المصري، قصة الكنيسة القبطية، الجزء الثاني).
الكنيسة الرومانية
أسسها الرسولان بطرس وبولس كما تفيد بعض المصادر التاريخية والتقليدية (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 2، الفصل 14)، ولها رتبة قداس خاصة بها تسمى الليتورجية الرومانية. يؤيد أقدميتها ما جاء عنها في رسائل يوستينوس الشهيد التي بعث بها إلى الملكين أنطونيوس ومرقس أوريليوس (يوستينوس، الدفاع الأول، الفصل 65)، وما جاء أيضًا في رسائل ترتليانوس الأفريقي وقبريانوس أسقف قرطاجنة الذي استشهد سنة 258م (قبريانوس، الرسائل، الرسالة 63).
وهي تتفق تمامًا في عباراتها وطرق خدمتها مع ليتورجية مار مرقس القبطية، الأمر الذي جعل مجمع القسطنطينية الذي التأم سنة 381م يقول: «إننا في جميع الأمور تابعون لنظام ومراسم كنيسة الإسكندرية» (سجلات مجمع القسطنطينية، القانون 2). كما قال صاحب كتاب «الكتبة الكنسيين» الذي ذاع صيته في القرن الحادي عشر: «إن واضع ليتورجية الكنيسة اللاتينية هو إكليمنضس الإسكندري» (الكتبة الكنسيون، الفصل 12).
وقد احتفظ الفرنسيون برتبة أخرى كانت تعرف بليتورجية غاليا، أبطلها الملك شارلمان الكبير واستبدلها بالرومانية. كما كان للإسبان ليتورجية خاصة بهم أبطلت منذ القرن الحادي عشر، ولديهم أخرى يستعملونها إلى الآن ويطلقون عليها «ليتورجية موزارابية». أما كنيسة ميلانو فاحتفظت بليتورجية تنسب إلى القديس أمبروسيوس، جمعت بين الطقس الروماني والشرقي (السنكسار القبطي، 7 كيهك).
كنيسة القسطنطينية
وتعرف بكنيسة بيزنطة، وقد بشرها الرسول أندراوس، واعتبروها من القرن الخامس كرسيًا رسوليًا بطريركيًا (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب 3، الفصل 1).
ولها ليتورجيتان: الأولى باسم القديس باسيليوس أخذت عن رتبة كنيسة أورشليم، وعنها اشتقت ليتورجية فم الذهب في القرن السادس الميلادي ونسبت إلى هذا البطريرك إجلالًا له (يوحنا فمwormwood الذهب، تفسير إنجيل يوحنا، الفصل 20). ويقدس اليونان برتبة فم الذهب على مدار السنة، وبرتبة باسيليوس في أيام آحاد الصوم الأربعيني. وتشترك في الطقس البيزنطي كنائس اليونان والجبل الأسود. وتحتفظ الكنيسة اليونانية برتبة ثالثة تنسب إلى القديس أندراوس أخي سمعان بطرس، وقد وردت هذه الرتبة في كتاب المراسيم الرسولية (المراسيم الرسولية، الكتاب 8).
الكنيسة الأرمنية
يسكن الأرمن في آسيا والبلاد المجاورة لجبال أرارات حيث استقر الفلك، وقد قبلوا الإيمان المسيحي منذ الجيل الأول، ونموا وكثروا في أيام ديونيسيوس الإسكندري كما أخبرنا يوسابيوس القيصري (تاريخ الكنيسة، الكتاب 6، الفصل 8). وانتظمت كنيستهم في عهد رسولهم العظيم وبطريركهم الجليل مار غريغوريوس المعروف بالمنور. ولهم ليتورجية خاصة بهم تعرف باسم ليتورجية مار أثناسيوس، كتبت بلغتهم القديمة التي تعتبر كفرع من الهندية الجرمانية، وأقدم نسخها الموجودة في متاحف أوروبا نسخة ليون وقد كتبت سنة 1314م (مخطوطة ليون، Armenian MS 45).
وتمتاز ليتورجية الأرمن بأن الشماس هو الذي ينتدب الجماعة إلى رفع عقولهم بدلاً من الكاهن، فيقول: «ارفعوا عقولكم بخوف إلى الله العلي». فيجاوبه الشعب: «لقد رفعناها إليك أيها الرب القادر على كل شيء». وعند قراءة الإنجيل يقول الشماس: «فلننصت». فيقول الشعب: «إن الله هو الذي يتكلم» (السنكسار الأرمني، 9 نيسان).
طائفة السريان الموارنة
الموارنة جماعة من السريان انشقوا عن الكنيسة الأنطاكية، وظلوا يعرجون بين الطبيعة والطبيعتين إلى أن انضموا رسميًا للاتين في بدء الحروب الصليبية كما أفاد تاريخ ويليام الصوري (ويليام الصوري، تاريخ الحروب الصليبية، الكتاب 12). وليتورجيتهم الرسمية تنسب إلى بطرس الرسول، وهي كرتبة غريغوريوس القبطية من حيث توجيه الخطاب للابن. وكانت صيغة التقديس فيها تختلف عن النص الإنجيلي فاستبدلت بغيرها من القداس الروماني عندما طبعت في روما لأول مرة.
طائفة النساطرة
وهم السريان المشارقة الذين قبلوا التعاليم النسطورية وأدخلوها في القرن الخامس إلى كنائسهم رسميًا. ولهم ليتورجية تنسب إلى الرسول آدي ومارى تلميذه مبشري المشرق، وقد اختصرها الجاثليق يشوعياب الحديابي كما أفاد أبو الفرج الطيب في سندوسانه (أبو الفرج الطيب، السندوسان، الفصل 7). وقد تشربت صلوات الليتورجية بمعتقدهم، ففي إحدى الصلوات التذكارية يجعل الكاهن أقنوم السيد المسيح أقنومًا غير أقنوم الابن، فيقول: «أنت يارب برحمتك الغريرة… أهلنا أن نقيم ذكرًا حسنًا لجميع الآباء… الذين أرضوك في احتفائنا بذكر جسد ودم مسيحك اللذين نقربهما لك على مذبحك الطاهر المقدس (كما علمتنا أنت)».
هذه كلمة تاريخية من مصادر شتى نسوقها للقراء المباركين، ليروا كيف فعل الانقسام في كنيسة المسيح الواحدة، حتى إذا ما صعدوا على المذبح رتلوا بحرارة تلك العبارة القائلة: «لتنقض افتراقات البيعة»، على أن يتقبل الرب طلباتهم ويصيروا رعية واحدة لراع واحد.