ما الذي يجعل الناس يخطئون اليوم؟
ربما سمعت قبلًا أشخاصًا يبررون أفعالهم الخاطئة قائلين: «جعلني الشيطان أرتكب هذا الخطأ». والسؤال: هل يدفعنا الشيطان أو البشر أو التجربة إلى ارتكاب الخطأ؟ ما الذي يجعل البشر يرتكبون الخطية؟
ونقصد بالخطية :هنا: أي تفكير أو موقف أو فعل لا يعبر عن أو يتوافق مع شخصية الله وطبيعته المقدسة.
الحالة البشرية
لكي نفهم السبب الذي يجعل البشر يخطئون، نحتاج إلى فهم حالتهم. ولا نحتاج أكثر من النظر إلى أنفسنا أو أولادنا كي نفهم ذلك إن قضيت وقتًا طويلًا حول أطفالك، يمكنك أن تشهد بأن الطفل دون أي تدريب هو نزعة مستقلة «أنا محورها». منذ مرحلة الطفولة، ويبدو أنه علينا أن نصارع للتحكم في ما نريد الحصول عليه، وبالطريقة التي نريدها. وبشكل أو آخر هذه القيادة المستقلة لتحمل المسؤولية تكمن وراء كل صراع على السلطة، وكل تحيز وصراع وسوء استخدام لعلاقة منذ فجر التاريخ. وينبع هذا الميل إلى الخطية من داخل كلٌّ منا. لكننا قد نتساءل من أين هذا الدافع القوي لعمل الخطية؟
عندما واجه أول زوجين آدم وحواء، الاختيار كانا يعيشان في عالم مثالي وفي علاقة مثالية مع الله. لكن، ولأن الله قد أعطاهما الإرادة الحرة، والقدرة على الاختيار، كانت إمكانية حدوث الشر موجودة. كان يمكن لهما الإيمان بأن وصية الله لهما بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر هي تحريم ليس به أية أنانية، وأنه يتخذ أفضل القرارات لصالحهما، لكنهما لم يصدقا ذلك !
يقول الكتاب المقدس: «من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع» (رومية ٥: ١٢). وهذا يعني أننا بدأنا حياتنا منذ الولادة بطبيعة أنانية لخدمة ذواتنا التي قد تريد أي شيء، في أي وقت وبالتالي، الشيطان، أو أي شخص آخر، ليس هو من يجعلنا نخطئ. فالشر ليس كيانًا خارجنا يسعى أن يغرينا، بالخطية، بل إن الطبيعة الخاطئة داخلنا هي نتيجة انفصالنا روحيًّا عن العلاقة الحميمة والمتواصلة مع الله القدوس. وهذه الطبيعة الخاطئة هي «شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة» (۱يوحنا ٢: ١٦). ويقول الكتاب المقدس: «لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء» (يعقوب ٣: ١٦).
قد تقول «إنها ليست بهذا السوء». أليس كذلك؟!
تعد الخطية حالة فاسدة للجنس البشري بأكمله. لكن غالبًا ما نُفضّل التفكير في أن ميولنا للخطية ليست بهذا السوء. لكن فساد البشر يمتد إلى الجوهر، ويعطيهم القدرة على الأعمال القاسية والفظة ضد الأبرياء. وعلى سبيل المثال، في الفترة من ۱۹۳۲ حتى ۱۹۳۳ ، أجبر الملايين من المواطنيين الأوكرانيين على الموت جوعًا لأسباب سياسية. كما قتل النازيون بالغاز الملايين من الرجال والنساء والأطفال اليهود في معسكرات داخاو وبوخنفالد وأوشفيتز خلال الحرب العالمية الثانية. كما تعرض الآخرون في ذلك الوقت إلى تجارب طبية غريبة الأطوار على يد جوزيف منجل (Josef Mengele)، الذي اختبر النساء والأطفال خلال إجراءات التعذيب من أجل «تقدم الجنس الآري».
تاريخيا، تتضمن وحشية الحرب جميع أنواع التعذيب المروع، والاغتصاب الجماعي، والمجاعة الشاملة. وقد أرّخت وسائل الإعلام أعمال التطهير العرقي في كرواتيا والبوسنة والهرسك خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. واستمرَّت زيادة الوعي بحالات الرعب والفزع المستمرة في السودان ودارفور والشر البشري يحدث مؤخرًا في الأخبار اليومية. وأثناء كتابة هذه السطور «توصل تحقيق أجرته الأمم المتحدة مؤخرًا إلى أن القوات السورية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية بقتل مئات الأطفال وتعذيبهم، ومن بينهم مقتل طفلة لم تتجاوز العامين بالرصاص؛ حتى لا تكبر وتتظاهر ضد النظام» وعلى مدار قرون، شهد العالم سوء المعاملة والهمجية من البشر لغيرهم من البشر.
نقول إن هذه الأعمال الفظيعة خالية من الرحمة والشفقة وأية إنسانية. لكن الحقيقة أن هذه الأعمال قد حدثت من بشر نتيجة طبيعتهم الفاسدة. إن الجنس البشري يتمتع بقدرة لا يمكن تصورها على ارتكاب الشر. وفي قلب كلٌّ منا بذور القسوة والفساد. يقول الكتاب المقدس «الكل قد زاغوا معًا، فسدوا ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد» (المزامير ١٤: ۳). فالأمر برمته بسبب الخطية النابعة من داخلنا، وليس من قوى الشر الخارجية.
مع ذلك، فالأخبار السارة هي أن الله قد أرسل ابنه الوحيد لكي يغفر لنا خطايانا ويطهر قلوبنا. قال يسوع: «طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله» (متى ٥: ٨)
إن كان الله مُحبَّا للغاية، لماذا لا يكون أكثر تساهلا مع الخطية؟
يعلم الجميع أن الله لا يقبل الخطية. لكن لماذا لا تقل متطلباته ويزداد تفهمه لعيوبنا؟ قد نفكر في شيء مثل «لماذا لا يكون الله أكثر تسامحا، ويتغاضى عن نقاط ضعفنا وفشلنا؟»
إن كان الله مُحِبَّا للغاية، أفلا ينبغي أن يكون أكثر تساهلا مع عيوبنا؟
الحقيقة هي أن الله رحيم، ولكن هذا ليس تساهلا أولًا: لا يفهم الكثيرون خطورة الخطية، وتكلفتها الكبيرة بالنسبة لله شخصيًّا حتى يغفر خطايانا. وعندما نرى المزيج بين قداسته وعدله نفهم رحمته أكثر. وهذا من شأنه أن يقطع شوطا كبيرًا للإجابة عن السبب الذي يجعل الله لا يتساهل مع الخطية، لكنه في الوقت نفسه رحيم.
لا سبب يجعل الله يتحمل الخطية. فقد رأيتُ أن طبيعته الأساسية تتميز بالقداسة والنقاوة. فليست لديه دوافع أو أفعال غير نقية؛ لأنه كامل وبلا خطية (التثنية۳۲: ٤؛ إشعياء ٥٤: ٥؛ الرؤيا ٤: ۸). لا يمكن أن يكون الله القدوس في علاقة مع الخطية بأي حال من الأحوال. يقول الكتاب المقدس: «عيناك أطهر من أن تنظرا الشر، ولا تستطيع النظر إلى الجور،» (حبقوق ۱: ۱۳). الله قدوس للغاية؛ لدرجة أنه لا يسمح للخطية بأي شكل من الأشكال. كما أن التساهل مع الخطية سينتهك جوهره!
الانفصال
لذلك تفصلنا الخطية عن الله. ويتسبب انفصال العلاقة بيننا وبينه في الموت الروحي. يقول الكتاب المقدس: «لأن أجرة الخطية هي موت» (رومية ٦: ٢٣).
إنه الموت أو الانفصال عن الله الذي يحفظ قداسته. ولأن الله محبة، يعلن الكتاب المقدس عن أنه «يُسَر بالرأفة» (ميخا ۷: ۱۸). قال الملك داود: «إلى الأبد رحمته» ( المزامير ۱۰۷: ۱) ويعلمنا العهد الجديد : «الله الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها» ( أفسس ٤:٢). ولكن حتى مع رحمة الله نحونا، لا تزال المشكلة التي ذكرناها موجودة، وهي الخطية. لا يمكن أن يكون الله في علاقة مع الخطية، ونحن كبشر لدينا حالة تسمى الخطية. فما الذي فعله الله؟
كيف تجتمع سمات الله معا؟
تكمن الإجابة في المزيج بين رحمته المحبة وعدالته الكاملة. لا يمكن للرحمة في حد ذاتها أن تتغاضى عن، أو تغفر الخطية، بدون التعامل مع هذه الخطية بالعدل. ينبغي دفع ثمن الخطية، ومن هنا يأتي عدل الله. يقول الكتاب المقدس: «ليخبروا بأن الرب مستقيم. صخرتي هو ولا ظلم فيه» (المزامير ۹۲: ١٥). ويؤكد دانيال ٤: ۳۷ «الذي كل أعماله حق وطرقه عدل». إنها طبيعته العادلة التي تتطلب فصل الخطية عن الطهارة ، وتصحيح الخطأ، وهزيمة الشر. لكن مع هذا الإصرار البار على العدل، لا يزال الله صالحًا. قال عنه أيوب: «القدير لا ندركه عظيم القوة والحق، وكثير البر. لا يجاوب» (أيوب ٣٧: ٢٣). لذا، وبدلًا من التساهل مع خطايانا، دفع شعور الله بالعدالة المتحد مع الرحمة، ثمنَ خطايانا.
في رحمته، وضع الله حياة ابنه الوحيد ليدفع ثمن خطايانا. فقد ورثنا حالة الخطية بولادتنا من أول زوجين في الجنس البشري أخطأ (رومية ٥: ١٢). لكن يشهد بطرس قائلًا: «عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم ،كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح» (۱ بطرس ۱: ۱۸، ۱۹).
أرضى حمل الله الذي بلا عيب طلب الله من القداسة والعدالة. وقد أرضت الذبيحة قداسة الله؛ لأن يسوع كان بلا دنس وكان الذبيحة الكاملة التي بلا خطية. يقول الرسول بولس: «متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله» (رومية ۳: ٢٤ ، ٢٥). كما أن الذبيحة قد أوفت عدالة الله؛ لأن موت المسيح دفع «أجرة الخطية»، أي الموت. لقد دفع الله ثمنا باهظًا ليمنحنا الغفران. ورغم أنه لا يستطيع التساهل مع الخطية، فإنه دفع الثمن؛ حتى يبسط لنا الرحمة من خلال المسيح.