خوروس وصحن الكنيسة
ينقسم صحن الكنيسة nave إلى قسمين رئيسيين: الأول هو الخوروس، وفيه المنجلية وكرسي الأسقف والثاني هو ساحة الكنيسة وفيها الإنبل أو المنبر في مقدمتها، واللقان في نهايتها.
الخوروس
غالبا يكون مرتفعاً ما بين درجة وثلاث درجات عن ساحة الكنيسة، ولذلك فإن اسمه في اليونانية هو (كاتاستريما) أي المرتفع كما سبق أن ذكرنا، وهو مخصص للشمامسة. وصار هو أيضاً محل وقوف القسوس الذين لا يخدمون الليتورجيا، وكان وقوفهم من قبل داخل الهيكل، وذلك حتى حدود القرن الخامس عشر أو بعده بقليل.
ويبدو أن الكنائس في العصور القديمة لم يتميّز فيها الخوروس عن صحن الكنيسة بشئ. وأول إشارة تصل إلينا عن وجود خوروس متميز عن ساحة الكنيسة ترجع إلى القرن السابع.
وأحيانا يكون للخوروس درابزين من الخشب المشغول أو من المعدن يفصله عن ساحة الكنيسة، أو حائط يرتفع قليلاً عن الأرض، كما في كثير من كنائس المدن، وأحيانا يصل إلى سقف الكنيسة كما في بعض كنائس الأديرة.
وهذا الدرابزين يُسمى عند السريان هنكا“ وهي لفظة مشتقة من اليونانية (قانقيلوس)، أي “درابزين”.
المنجلية
والمنجلية في القبطية تنطق “ماأنجيليون”، أي “مكان الإنجيل“. وتكون قائمة على أربعة أرجل وأعلاها على شكل كتاب مائل قليلا إلى الأمام. أما القسم الأسفل منها فهو عبارة عن خزائة لحفظ كتب الخدمة. والمنجلية تشير إلى جبل سيناء الذي صعد إليه موسى وتسلم الشريعة من الله.
وسرعان ما أصبحت المنجلية هي البديل العملي والأسهل للإنبل الذي أهمل استخدامه. ففي المتحف القبطي منجلية من الخشب المطعم بالعاج، تعود إلى القرن الرابع أو الخامس الميلادي وتحمل أثر رقم ۸۷۳۱ وهي تعد أقدم منجلية من الخشب. وفي وسط هذه المنجلية الأثرية مونوغراف المسيح له المجد وحوله أربع زوايا ترمز إلى زوايا الأرض. كما استخدم الفنان في تطعيم المنجلية شكل المثلثات رمز الثالوث. وعلى جانبي التطعيم الأوسط تطعيم آخر يمثل الحمام رمز السلام في العصر المصري القديم، ورمز الروح القدس في المسيحية، وسمكة كأقدم رموز المسيحية. أما الزخارف الخارجية للمنجلية فهي على هيئة مربعات كأحد أنواع الزخارف المصرية القديمة.
وبعد القرن الثاني عشر الميلادي، حين تم تعريب فصول القراءات صارت هناك منجليتان واحدة لقراءة الفصول بالقبطية والأخرى لقراءتها بالعربيَّة. ولما صارت اللغة القبطية غير مفهومة لكثير من الشعب، صار وضع المنجلية القبطية متجها إلى الشرق، أما الأخرى فتتجه إلى الشعب، أي إلى الغرب. ويوضع على يسار كل منجلية – أي عن يسار الواقف قبالتها – شمعدان بارتفاع مترين تقريباً. وتعلق الشورية على إحديهما غالباً في وقت عدم استخدامها. أما مكان المجمرة التقليدي فهو حلقة مدلاة من منتصف العتبة العليا لباب الهيكل الرئيسي.
كرسي الأسقف Throne
الكرسي أو العرش (ثرونوس) هو موضع جلوس أصحاب العظمة والسلطان. وجلوس الملك على عرشه يعني إكتمال مراسيم توليه العرش. والسيد المسيح له المجد بعد قيامته وصعوده إلى السماء، جلس عن يمين الآب في الأعالي، أي جلس على كرسي مجده كآخر مرحلة من مراحل عمله الخلاصي وهو أيضا سيجلس على كرسيه في الدينونة الأخيرة لمكافأة المؤمنين وإلباسهم أكاليل الخلاص، أو لدينونة الخطاة.
وحين يقول الرب: «على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون …» فيعني أنهم احتكروا سلطة تفسير الشريعة. وقد نهى الرب أولاده عن السعي للجلوس على الكراسي أو المتكأت الأولى في المجالس والولائم. والعذراء القديسة مريم تقول في تسبحتها: «أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين» (لوقا ٥٢:١).
وكرسي الأسقف في الكنيسة هو الموضع الذي يجلس عليه الأسقف في أثناء تأدية الخدمة الليتورجية، ومنه أيضاً يخاطب شعبه ويعلمهم وتكتمل رسامة الأسقف بتجليسه على كرسيه في إيبارشيته، علامة توليه مسؤولية شعبه.
وكان كرسي الأسقف في عصور الكنيسة الأولى في مكان مرتفع علی درج في منتصف شرقيَّة الهيكل الرئيسي فكان جلوسه متجها إلى الغرب في مواجهة الشعب وبينهما المذبح. ومن حوله عن يمينه ويساره يجلس الكهنة. وفيما بعد انتقل كرسي الأسقف إلى مقدمة صحن الكنيسة. وفي نهاية الخوروس مباشرة، فيكون عن يسار المتجه إلى الهيكل.
بيض النعام
يُعلق بيض النعام في هذا الخوروس، ليكون أمام أعين المصلين مذكراً إياهم بالقيامة. فلقد استقر في الأدب المسيحي منذ القديم أن البيضة رمز للقيامة، وأنها خير مثال للحياة التي تخرج من القبر أي قشرتها. واختير بيض النعام نظراً لكبر حجمه فحسب.
أما الغاية العملية منه فكانت منع سقوط الهوام في قناديل الزيت المعلقة أمام الأيقونات، حيث يُثبت فوقها مباشرة. وفي الوقت الذي بدأ فيه الاستغناء عن تعليق بيض النعام في كنائسنا القبطية، فلازال يُعلق أمام الهيكل وداخله عند الكنائس الشرقية الأخرى حتى اليوم، كما أنه يوجد أيضا في المساجد الإسلامية.
صحن أو ساحة الكنيسة
تنقسم ساحة الكنيسة إلى قسمين طوليين، واحد للرجال إلى الناحية البحريَّة منها، والآخر للنساء في ناحيتها القبلية. ويحمل ساحة الكنيسة مجموعة من الأعمدة تزين أحيانا برسوم للرسل والقديسين كما في أعمدة كنيسة أبي سرجة بمصر القديمة. وسقف صحن الكنيسة في كثير من الكنائس له جناحان جانبيان، وسقف الجناح الجانبي منخفض قليلا عن سقف منتصف الصحن، وهو في سوريا وشمال أفريقيا وأوروبا مائل، أما في مصر فهو عادة أفقيا. وتقول الدسقولية في الباب العاشر : “….. وأمرهم (يا أسقف) ليكون العلمانيون جلوسا ناحية بكل ترتيب وهدوء. وكذلك النساء أيضاً يجلسن معتزلات ناحية وحدهن بهدوء وسكوت … فإن وُجد واحد جالساً خارجاً عن المثال الموضوع، فليردعه ويرفضه الشمامسة، فإنهم النوتية وينقلوه إلى الموضع الذي يليق به. ليس أن الكنيسة مثل مركب فحسب، بل كماشية الخراف (أيضاً). وكما أن الراعي يميّز الخراف من الغنم، ويجعل كل واحد من جنسه وقدره، ويجد (يسعى) كل واحد منهم يجري إلى شبهه، هكذا يكون الحال في الكنيسة.
وليجلس الشبان أيضا في موضع وحدهم إذا كان ثمة موضع يسعهم. وإن لم يكن فليقفوا خلف من كبروا في القامة، وليجلسوا بترتيب. والصبيان فليأخذهم عندهم آباؤهم وأمهاتهم. وليجلس الأطفال الإناث في موضع وحدهن إن كان الموضع يسعهن. وإن كان ليس موضع فليقفن خلف النساء.
وأما العذارى والأرامل فليتقدمهن كلهن في موضع وقوفهن وصلواتهن. وأيضا النساء اللاتي تزوجن وولدن أولاداً فليقفن ناحية …….
ومنذ القرن الخامس أي في زمن القدّيس أغسطينوس صار يعلو الأروقة الجانبيَّة والغربية لصحن الكنيسة طابق علوي خصص للنساء في الصلاة في الكنيسة، وسُمي “بيت النساء”، وهو يطل على صحن الكنيسة من خلال درابزين من خشب أرابيسك مفرغ يكفي لإخفاء النساء عن جماعة المصلين. وصار بيت النساء مكاناً متميزاً سواء في الكنائس الشرقية أو في المعابد اليهودية، وانتشر جدا في مصر وآسيا الصغرى.
ثم تقلص هذا الطابق العلوي وانحصر في أعلى الجزء الغربي من ساحة الكنيسة، حيث شغلت النساء الناحية الغربية من صحن الكنيسة مرة أخرى بدءًا من القرن العاشر الميلادي، وسمي بيت النساء.
أبواب الكنيسة
في صحن الكنيسة ثلاثة أبواب كما تذكر الدسقولية في الباب الخامس والثلاثين، الباب الغربي، والباب القبلي والباب البحري.
الباب الغربي وهو مخصص لدخول الشعب.
والباب القبلي لدخول القرابين. وكان على هذا الباب ستائر ، ويقف عنده شماس يتلقى قرابين ونذور العابدين، ويكتب أسماءهم لينقلها إلى الأسقف أو الكاهن ليذكرهم في أوشية القرابين، ويصلي من أجلهم.
والحكمة في أن تدخل القرابين من باب خارجي مستور عن عيون الناس هو أن تكون العطايا في الخفاء، “وأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية”(متى ١٨:٦)
استحدثت الكنيسة القبطية في إحدى كاتدرائياتها، وهي كاتدرائية القديس أثناسيوس الرسولي بدمنهور والتي تحتفظ منذ سنة ۱۹۸۷م بجزء من رفات هذا البابا القديس، استحدثت بالدور العلوي الغربي من الكنيسة غرفة زجاجية مغلقة مكيفة الهواء للأطفال مع أمهاتهم، تسمح لهم بالاستماع إلى الصلوات عبر ميكروفون مثبت بالغرفة، مع متابعة الصلوات من خلف ساتر زجاجي عازل للصوت، فلا يتأثر هدوء الكنيسة بتشويش الأطفال.
وجدير بالذكر أن القانون الثالث من قوانين الرسل يمنع تقديم أي شئ على المذبح غير الخبز والخمر والماء والبخور، أي المواد اللازمة للتقدمة نفسها، وأيضاً الشموع والزيت للإنارة. أما بواكير الحبوب والعنب فتقدَّم في أوانها في آخر الخدمة، وتبارك خارجا عن المذبح، وتوزع على الشعب. ولم يكن يُسمح أن يقدَّم شئ من بواكير الثمار غير حبوب الحنطة التي يُصنع منها خبز التقدمة، والعنب الذي يُستخرج منه الخمر.
والباب البحري وهو لدخول الإكليروس مباشرة إلى الهيكل أو إلى الخوروس الأمامي.
هذا هو النظام الق لاستخدامات أبواب الكنيسة الثلاثة. ولكن الأبواب تعدل وضعها قليلا، فصار الباب القبلي في منتصف بيت النساء تقريباً، وصار مخصصا لدخول وخروج النساء. وهكذا الحال مع الباب البحري الذي صار في منتصف صحن الكنيسة وليس في مقدمته كما كان سابقا، ومن ثم لم يعد للإكليروس بابا مختصا بهم للدخول إلى الكنيسة. وهو تعديل استوجبه التطور نظراً لكثرة أعداد المؤمنين، وقلة الكنائس في ذات الوقت.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن الأبواب في وضعها القديم، كانت تتيح للعابدين فرصة لهدوء أوفر ، حيث أن الداخل إلى الكنيسة لم يكن يلفت نظر المصلين فيشتت انتباهة الصلاة. أما الخروج من الكنيسة فلم يكن يتم إلا في نهاية الصلاة تماماً.
ومن ثم لم يكن سهلا أن يتطلع المصلون إلى خارج الكنيسة من خلال الأبواب، فضلا عن أن نوافذ الكنيسة لم تكن نوافذ عادية منخفضة لمجرد دخول الضوء، إذ كانت عالية ذات زجاج غير شفاف، أو زجاج ملون برسوم دينية جميلة كما في كنيسة المعلقة مثلاً. وذلك لأن الضوء الخافت مريح للنفس، ويساعد على تركيز الانتباه في الصلاة، كما أن النوافذ العالية تسمح بتجديد هواء الكنيسة دون أن يتعرض المصلون لتيارات هوائية مباشرة تضر بصحتهم.
الإنبل أو المنبر – Pulpit
وهو يُسمى في اليونانية (أمبون) أي “المكان المرتفع“. وهو اسمه المشهور به في الكنيستين القبطية واليونانية، أما في الكنيسة السريانية فيُسمى ”البيما“. والبيم أو البيما Biua يعني أيضا المكان المرتفع. وكان مكانه في الجانب البحري من مقدمة صحن الكنيسة كما تشير الدسقوليَّة إلى ذلك، أي عن يمين الهيكل وهو المكان التقليدي القبطي له ولكنه في
الكنيستين اليونانية والسريانية يُقام في وسط صحن الكنيسة تجاه المائدة ويُنصب على أربعة أعمدة ويُرقى إليه بدرج من جهة الشرق أو من الشرق والغرب معاً.
ويكون سطحه مستويا ليجلس عليه أو يقف فيه الأسقف أو القسوس أو الشمامسة او غيرهم من درجات الإكليروس. وقد أشار كتاب المراسيم الرسوليّة إلى البيم.
والإنبل في الكنيسة القبطية كان يُصنع من الرخام أو الحجارة أو الخشب مستقرا غالباً على اثني عشر عموداً إشارة إلى آبائنا الرسل الأطهار، ومزيّن بأيقونات القديسين.
وأقدم إنبل معروف حتى الآن في مصر يعود إلى القرن السادس الميلادي، وهو مصنوع من الحجر ذي سبع درجات، وهو من حفائر دیر الأنبا إرميا بسقارة.
والإمبل (أو البيم) يشير إلى الحجر الذي كان على قبر المخلص حيث كان الملاك جالساً يكرز للنسوة، كما يشير إلى الجبل الذي تسلم عليه موسى الشريعة، والجبل الذي تجلى الرب عليه أمام تلاميذه.
أما استخداماته الطقسية فتنحصر في الأمور التالية:
– قراءة فصول من الكتب المقدَّسة، وترديد آيات المزامير ذات المرد. وفي ذلك تقول الدسقولية : ليكن الموضع الذي تقرأ عليه الفصول خارجاً قليلا عن المذبح من بحري الباب.
تلقى من عليه منشورات أو عظات الأسقف. ويذكر سقراط (۳۸۰ – ٤٥٠م) المؤرخ أنه كانت عادة القدّيس يوحنا ذهبي الفم أن يعظ وهو جالس فوق الإمبل حتى يمكن للشعب أن يسمعه بوضوح.
– تتلى من عليه بعض نداءات الشماس مثل التسريح أي الأمر بالانصراف، وأحيانا تلاوة الذبتيخا، لاسيما أسماء الراقدين المطلوب عمل ترحيم لهم.
– قراءة فصل الإبركسيس في باكر خميس العهد، وأمانة اللص اليمين في يوم الجمعة العظيمة، وكل عناصر صلاة الساعة الثانية عشر من يوم الجمعة العظيمة. وفي ذلك يذكر كتاب دلال أسبوع الآلام وفي آخرها (أي في نهاية الساعة الثانية عشر) ينزلون من الإمبل لاجراء طقس الدفنة، فيشير ذلك إلى إنزال جسد المخلّص من على الصليب، وحمله ووضعه في القبر“.
وكان الإنبل (أو البيم) يُستعمل في الكنيسة اليونانية على مدار السنة لقراءة فصل الإنجيل المقدس من عليه. وقد بطل حاليا استخدام الإمبل أو البيم في الكنيسة الشرقية عموماً، وحل محله المنجلية. وفي مصر تحديدا كان هذا التحول بدءًا من القرن الرابع عشر الميلادي.
وقد يُشاهد في بعض كنائس رومية القديمة منبران بدلاً من المنبر الواحد، أحدهما عن اليمين لقراءة الإنجيل، والآخر على الشمال القراءة فصل الرسالة. وهذان المنبران أو المنجليتان نجدهما أيضا في الكنيسة القبطية واحدة عن اليمين لقراءة الفصول بالقبطية، والأخرى على الشمال لقراءتها بالعربية.
اللقان
وموضعه الطقسي القديم في مؤخرة صحن الكنيسة، أي في الجهة الغربية منه. وهو حوض محفور في الأرض، مصنوع من الرخام أو الحجر، يُستخدم في تبريك المياه في خميس العهد، وعيد الغطاس، وعيد الرسل. ويُستخدم بدلاً منه حالياً لقان صغير يوضع على منضدة في نفس الموضع الطقسي القديم للقان.
وينبغي التفريق بين اللقان وحوض الاغتسال أو المرحضة والتي كانت توضع في ردهة الكنيسة الخلفية، وكانت مخصصه لغسل اليدين أو الوجه – وربما الرجلين أيضا – قبل دخول الكنيسة. لأن دخول الكنيسة كان قبلا بقدمين حافيتين، ثم أن التناول قديماً كان يتم بوضع الجسد المقدس في يد المتناول اليمني قبل أن يتناوله هو بدوره إلى فمه. وهذا الحوض تعرفه الكنيسة السريانية الأنطاكية والكنيسة البيزنطية أيضا ليغسل فيه الداخلون أيديهم أو وجوههم.