رحبعام بن سليمان 

من هو رحبعام ؟ 

رحبعام ” اسم عبری یعنی “مرحب الشعب” أو “موسع الشعب” فهى كلمة قريبة من المعنى العربي “الرحب” ، و “السعة”. ولا شك في أن سليمان عندما أطلق على ابنه ” رحبعام “كان يأمل أن يكون مرحباً بالشعب فعلاً، فلقد ترك له مملكة كبيرة وعظيمة ، وكان يأمل أن يكبرها ويوسعها أكثر. 

وُلد رحبعام حوالي عام ۹۷۲ ق.م ، وتولى الملك وهو ابن إحدى وأربعين سنة، ومَلَك سبع عشرة سنة، واسم أمه نعمة العمونية ، ومات في سن الثامنة والخمسين ودُفن مع أبائه في مدينة داود. 

لقد تولى الملك بعد أبيه سليمان الذى ملك أربعين عاماً، وترك لــه أفضل العلاقات مع الدول المجاورة ، فقد صاهر فرعون ملك مصر (۱مل ۳ : ۱ ) ، وعقد معاهدة صداقة مع حيرام ملك صور (امل : ۱ – ۱۲ ) وبرع سليمان في التجارة، واختص بتجارة المركبات الحديدية وتربية الخيول (امل ۱۰ : ۲۸ و ۲۹ ) وبنى أسطولاً بحرياً كبيراً على البحر الأبيض، وآخر على البحر الأحمر وبنى مدناً بأكملها للمخازن واسطبلات خيول، وقد أسس نظام الضرائب التي فرضتها على شعب إسرائيل، بالإضافة إلى الجزية التي كانت تأتيه من المدن والشعوب الخاضعة لسلطانه، وقد اعتنى سليمان بالتسجيلات واستحضر الكتبة المتخصصين لذلك. لقد بلغت البلاد القمة فى الغني وفاضت البلاد بالخيرات المحلية والمستوردة، ونشطت التجارة، وعم السلام والأمان بدرجة مدهشة لم تبلغها إسرائيل من قبله ولا من بعده. 

وفي عام ۹۳۱ ق.م مات سليمان، ودعا كل شعب إسرائيل رحبعام إلى شكيم ليملكوه عليهم في احتفال رسمى ، ولكن كانت لهم عدة مطالب، ولكن رحبعام خيب آمالهم ، ولم يستجب لطلباتهم، فما كان منهم إلا أن قالوا : ” أى قسم لنا في داود ولا نصیب لنا في ابن يسى . إلى خيامك يا إسرائيل. الآن انظر إلى بيتك يا داود … ” ( ١مل ١٢: ١٦) وانفضوا عنه وملكوا يربعـام بـن نـابـاط عليهم. 

وضاع مجد مملكة سليمان، ولم يملك رحبعام إلا على سبطين فقط هما يهوذا وبنيامين ولولا أنه صعد إلى مركبته وهرب من شكيم إلى أورشليم لكانوا قتلوه. 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هى أسباب انقسام المملكة؟ وما هي أسباب فشل رحبعام في حياته وفى مملكته؟ فقد فشل رحبعام حتى في قيادة المملكة الصغيرة المكونة من سبطين. 

أولاً : اللسان اللاذع : 

اجتمع كل الشعب فى شكيم – وهى المدينة الرئيسية في شمال إسرائيل – وأرادوا تنصيب رحبعام ملكاً عليهم، ولكن بشرط تخفيض الضرائب التي فرضها أبوه عليهم. وقد أساء رحبعام فهم الشعب، وفهم قدراته ولذلك رد عليهم قائلاً : ” إن خنصري أغلظ من متنى أبى . والآن أبي حملكم نيراً ثقيلاً وأنا أزيد على نيركم أبى أدبكم بالسياط وأنا أؤد بكم بالعقارب” (۱مل ۱۲: ۱۰ و ۱۱ ) 

لقد كان رده  لاذعاً، مستفزاً، منفراً. يقول لهم ” إن خنصرى أغلظ من متنى أبى” والخنصر هو الإصبع الأصغر، بينما المتن هو الجزء الأسفل من الجسم الواقع على جانبى العمود الفقرى بين الضلوع وعظام الفخذ ثم يقول لهم “أبى أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب”. والعقارب هي نوع من السياط بها عدة أطراف وفى كل طرف قطعة من الحديد أو الرصاص ، وقد كان مؤذياً جداً. لقد أثارهم بهذا الرد جداً، وقد كان لديهم استعداد سابق للتمرد والعصيان.

بعد أن انتصر جدعون على المديانيين حمى غضب سبط أفرايم جدا، لأنه لم يدعهم للحرب معه وهم أعمامه ، وسبط مــن أقــــوى الأسباط وسط إسرائيل ، فأرادوا أن ينتقموا منه فقال لهم : “ماذا فعلت الآن نظيركم. أليس خصاصة أفرايم خيرا من قطاف أبيعزر” (قض ۸: ٢)، والخصاصة هي ما يبقى في الكرمة من العنب بعد القطاف، وتشير إلى الشيء القليل جدا في العنقود، أما القطاف فهو أفضل وأجود العنب. وكأنه يريد أن يقول لهم أنتم أفضل منا مئات المرات، بل إن أصغر واحد منكم أفضل من أحسن شخص فى عشيرتنا. ثم يقول لهم : “ماذا” قدرت أن أعمل نظيركم” ، ولذلك ارتخت روحهم عنه عندما قال لهم هذه الكلمات وهدأوا ولم ينتقموا منه. إن الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط. 

ثانيا :الحماقة 

كان رحبعام شابا أحمقا ولذلك أضاع المملكة بيده. لم يستطع أن يقيم الماضي والحاضر تقييما صحيحا، حتى يبدأ بداية صحيحة وينطلق للأمام. كان يظن أنه بالنفوذ والسلطة والعنف يستطيع أن يسيطر على الشعب، وقد كان مخطئا في هذا. لقد طلب منه الشعب أن يخفف النير عنهم وهو حق طبيعي لهم، ولكنه رفض هذا الطلب والأدهى أنه طلب مهلة ثلاثة أيام ليفكر فيها، رغم أن هذا الأمر لم يكن محتاجا لأى تفكير. وفي خلال هذه الأيام الثلاثة استشار الشيوخ الذين كانوا يقفون أمام سليمان أبيه، وقد تعلموا منه الحكمة، ولهم دراية ببواطن الأمور فأجابوه قائلين : إن صرت اليوم عبدا لهذا الشعب وخدمتهم وأحببتهم وكلمتهم كلاما حسنا يكونون لـك عبيـدا كـل الأيام (۲مل ١٢ : ٨). و احتقر رحبعام مشورة ،الشيوخ، وسمع لنصيحة الأحداث الذين نشأوا معه فكانت الكارثة. 

كان يجب على رحبعام أن يدرك أن الشعب فى الشمال يعاني من ثقل الضرائب والتسخير، وأنهم على استعداد للتمرد والانفصال، وأنه لكي يملك على كل إسرائيل لابد من أن يخفف النير عنهم. فلقد سخر سلیمان عدداً كبيراً من بنى إسرائيل ( ١ مل ٥: ١٣ – ١٦ ) وكانت هذه نقطة سوداء في تاريخ سليمان لأنه استعبد الإسرائيليين الأحرار الذين قد منع الرب استعبادة بعضهم بعضاً بأى صورة. 

وقد كان سليمان قد قسم شمال إسرائيل ” لم يذكر يهوذا ” إلى اثنى عشر إقليماً ، وأقام عليهم اثنى عشر وكيلاً، وكان على كل وكيل أن يقدم كل تمونيات ومستلزمات الملك وكل بيته شهراً من السنة (امل ٧:٤) وقد كانت مستلزمات بيت سليمان كثيرة جداً راجع ( ١ مل ٢٢:٤ و ٢٣). 

إلى جانب أنه لما ارتفعت نفقات سليمان بسبب اتساع أعماله، وبالرغم من أنه رفع الضرائب بصورة كبيرة، لكنه اضطر إلى أن يبيع بعض المدن من شمال إسرائيل لملك حیرام ( ۱ مل ۱۱:۹ – ١٤ ). لقد كان الشمال يشعر بالظلم فى أيام سليمان، فقد سخر منهم عدداً كبيراً، وفرض عليهم ضرائب باهظة، وباع منهم عشرين مدينة. 

هذا إلى جانب الخلافات التاريخية القديمة الموجودة مر قبل سليمان . فمنذ البداية وكان الاتحاد غير وثيق بين الأسباط، ولقد كان الصراع مستمراً بينهم والحسد بين سبط يهوذا وأفرايم (قض ۸: ۱ – ۳ و ۲ صم ۹:۲ ، ۱۹ : ٤٢ و ٤٣ ). 

ولم يشترك يهوذا في الحرب التي دخلتها دبورة وباراق ضد سیسرا (قض ٥ ). 

إلى جانب أن مصر كان لها دور كبير في انقسام المملكة ، فهي التي رحبت بير بعام بن ناباط وأيدت تمرده، ورحبت ببنهدد الأدومي الذي كان خصماً لسليمان أيضاً. 

 

لقد كان رحبعام أحمق ومتسرعاً، إذ بعد ثلاثة أيام رد عليهم بالجواب القاسي، وقد كانت الثلاثة الأيام فرصة رائعة لير بعام بن ناباط، وقد كان يتمتع بذكاء وقوة شخصية لأن يُعد العدة للثورة والتمرد. ولو كان رحبعام ذكياً ويريد أن يتمسك بالنفوذ والقوة، لكان قد باغت الشمال بضربة شديدة، وقتل كل قادة التمرد والثورة، ولكنه رد عليهم جواباً مثيراً ومهيجاً لسخطهم فقط. 

وكان من حماقته أنه أرسل إليهم أدورام (۱مل ۱۲ : ۱۸ )، وهو مسئول التسخير من أيام سليمان ١ مل ٥ : ١٤). لقد أرسل لهم الشخص المكروه منهم، الذي يذكرهم بالماضى المؤلم، وبهذا التصرف زاد ضيقهم فرجموه بالحجارة ومات، فما كان منه إلا أن صعد إلى مركبته وهرب إلى أورشليم ليملك على يهوذا. 

ومن تسرعه أيضاً أنه جمع جيشاً من بنيامين ويهوذا تعداده ۱۸۰,۰۰۰ محارب ليحارب بيت إسرائيل ويرد المملكة، ونسى أن المملكة الشمالية مكوّنة من عشرة أسباط، ولولا رجل الله شمعيا الذى نصحه بالعودة وعدم الحرب لكان قد خسر كل شيء. 

ثالثاً: الأم الشريرة 

يذكر الوحى أن رحبعام هو ابن نعمة العمونية ( ١مل ١٤: ٢١). ونعمة ” هي أميرة عمونية – يقطن أهلها الصحراء الواقعة شرق الأردن – تزوجها سليمان، ويبدو أنها كانت جميلة وذات تأثير وجاذبية على الملك ، فبنى مرتفعة لمولك رجس العمونيين من أجلها. 

ونتيجة انشغال سليمان بالمملكة ترك الفرصة للأم الشريرة الوثنية لكى تربی الابن فصنعت منه رجلاً وثنياً لا يعرف الله الحى. لقد أرضعته الوثنية فنشأ لا يعرف شيئاً عن إله العهد. 

لا شك في أن وراء كل شاب عظيم أم عظيمة ، ووراء كـل شـاب فاسـد أم نجسة وشريرة. إن أم موسى لم ترضع ابنها اللبن فقط، ولكن أرضعته محبة الرب والانتماء والولاء له، لذلك عندما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون مفضلاً أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتى بالخطية. 

وحنة هي التي أخذت ابنها صموئيل إلى الهيكل وقدمته للرب بعد أن فطمته، وقالت لعالى الكاهن : ” لأجل هذا الصبي صليت فأعطـانـي الــرب سـؤلـى الذي سألته من لدنـه وأنـا أيضـاً قـد أعرتـه للـرب . جميع أيام حياته هو عارية للرب” ( ١صم ۱: ۲۷). 

رابعا : القدوة السيئة : 

ترك سليمان لابنه الكثير: مال وسلطة ، ومملكة كبيرة مترامية الأطراف، وعبيد وإماء، وتجارة، وزراعة …. الخ . إلا أنه لم يترك لــه قدوة طيبة، وهذا هو سبب الخراب. 

ابن الحكيم أصبح أحمقا ، ابن بـانى الهيكل لا يعرف شيئا عن رب الهيكل، ولا يعرف شيئا عما يحدث في الهيكل. 

يذكر الوحى عن سليمان الآتى : ” وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبیات و عمونيات و أدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبنى إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. وكانت له سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبه. وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى فذهب سليمان وراء عشتورث إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عيني الرب وبنى مرتفعة لكموش رجس الموآبيين على الجبل الذى تجاه أورشليم ولمولك رجـ عمون” (۱مل ۱۱: ۱-۸)

 

ابن ينشأ وسط ألف امرأة ووسط بيت به العديد من العبادات، والعديد من الآلهة. لقد تأثر رحبعام بأبيه وسار على نفس نهجه، فتزوج ثمانى عشرة امرأة وستين سرية ( ٢ أخ ١١ : ٢١). وعمل رحبعام الشر في عيني الرب. 

خامساً: الزوجة الشريرة 

لم تكن نعمة العمونية الوثنية هي التي خلف ابنها رحبعام فقط ولكن كانت هناك أيضاً الزوجة الشريرة. لقد تزوج رحبعام ثماني عشرة امرأة وستين سرية، ولكن كانت أحبهم إلى قلبه معكة بنت أبشالوم (۲ أخ ۱۱: ۲۱ ) . والوحى يذكر هنا كلمة (بنت) بمعناها الواسع، فلقد كانت حفيدة أبشالوم وليست ابنته ( ۲ أخ ۱۳ : ۲ ) – ولقد كانت معكة امرأة شريرة فاسدة، ويبدو أنها كانت ذات نفوذ كبير ومتسلطة على رحبعام، ولم يحطم كبرياءها ونفوذها إلا الملك العظيم آسا إذ يذكر عنه الوحى: ” حتى أن معكة أم آسا الملك خلعها من أن تكون ملكة لأنها عملت لسارية تمثالاً وقطع آسا تمثالها ودقه وأحرقه فى وادی قدرون ( ۲ أخ ١٥ : ١٦). ” والسارية ” عبارة عن عمود كان يُنصب على الأماكن المرتفعة والجبال حيث عبادة الأوثان، ولكى يجتمع الناس من حولها لعبادة الإله الذي ترمز له. 

سادسا: الابتعاد عن الرب: 

كان لابد لرحبعام أن يفهم أن سر وحدة المملكة في أيام أبيه سليمان وجده داود يعود إلى مركزية العبادة فى أورشليم. فالدين من أكبر عوامل التوحيد بين القبائل والأمم والشعوب. كان يجب على رحبعام أن يدرك أن ديانة يهوه هي الرباط الوحيد القادر على ضم أطراف المملكة معاً. 

وقد قال الرب لسليمان الذي ذهب وراء عشتورث إلاهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين، وبنى مرتفعة لكموش رجس الموآبيين ، ” من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدی وفرائضى التي أوصيتك بها فإنى أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك ” ( ١ مل ۱۱: ۱۱).

وقد قال أخيا الشيلونى النبى لير بعام بن ناباط أيام أن كان عبداً عند سلیمان : ” هكذا قال الرب إله إسرائيل هأنذا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط .. لأنهم تركوني وسجدوا لعشتورث إلاهة الصيدونيين ولكموش إله الموآبيين ولملكوم إله بني عمون ولم يسلكوا في طرقی ليعملوا المستقيم فى عينى وفرائضى وأحكـامي كداود أبيه” (امل ۱۱ : ۳۱ و ۳۳). 

لقد كان انقسام المملكة نتيجة مباشرة لابتعاد سليمان عن الرب ولم يتدارك رحبعام الموقف، ولو كان يريد أن يجمع كل إسرائيل لكان بدأ بطلب الرب وبتوبة صادقة لكنه نسى الرب إلهه. 

لقد نجح رحبعام فى أول ثلاث سنين من ملكه، وقام بتحصين عدد من المدن التي ظلت تحت يده، وشدد الحصون وجعل فيها قواداً وخزائن مأكل ، وجعل أتراساً في كل مدينة ورماحاً ( ٢أخ ١١: ٥ – ١٢ ). وكان الفضل في هذه النجاحات يعود إلى سبب رئيسي وهو أنه عندما ملك يربعـام بن ناباط على إسرائيل، وصنع عجلين مر الذهب ووضع واحداً فى بيت إيل والآخر فى دان وقال هذه آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر ، وطرد الكهنة واللاويين فجاءوا إلى أورشليم لا لتقديم الذبائح فحسب بل وللإقامة المستديمة، ويذكر الوحى أنهم قادوا يهوذا إلى طلب الرب إله إسرائيل وليذبحوا له ” وشددوا مملكة يهوذا وقووا رحبعام بن سليمان ثلاث سنين لأنهم ساروا في طريق داود وسليمان ثلاث سنين ” ( ۲ أخ ۱۱: ۱۷). 

إلا أن الوحى يذكر عن رحبعام ” ولما تثبتت مملكة رحبعام وتشددت ترك شريعة الرب هو وكل إسرائيل معه” ( ٢ أخ ۱۲: ۱).

لقد أضاف رحبعام إلى ما استحدثه أبوه من عبادات وثنية، فنصب السوارى للبعل فى أورشليم حتى قبل انتشارها في المملكة الشمالية، كما أذن بوجود عبادات وثنية أخرى، واستشرى الفساد في كل أرجاء المملكة، وكان هناك سوق للمأبونين ( ١مل ١٤: ٢٤) – والمأبونون هم الذين يمارسون الشذوذ الجنسي – فماذا كانت نتيجة الفساد والابتعاد عن الرب؟؟ 

في السنة الخامسة لملك رحبعام – أى بعد هذا النجاح بسنتين – صعد شيشق ملك مصر وغزا أورشليم وشيشق هو شيشق الأول، أول ملوك الأسرة الثانية والعشرين، وهو ليبي الجنسية، وهو نفس الحاكم الذي أكرم يربعام حين كان هاربا في مصر. 

ومازالت نتائج هذه الغزوة مسجلة على أحد حوائط معبد آمون بالكرنك فى الأقصر، إذ توجد قائمة باسماء ۱۸۰ مدينة أستولى عليها شيشق ، وكانت هذه المدن من الشمال والجنوب، مما يدل على أن شيشق لم يغز يهوذا كحليف مع يربعام لأن أسماء مدنه من المملكة الشمالية وجدت مسجلة على حائط معبد الكرنك في الأقصر كمدن خضعت لشيشق ، وتم الإستيلاء عليها في تلك الغزوة. 

لقد كان شيشق أداة في يد الله لعقاب رحبعام والشعب لارتدادهم كما قال شمعيا. وقد كان لشيشق ۱۲۰۰ مركبة حربية و ٦٠ الف من الفرسان، ويضيف يوسيفوس إلى هذه القوة أنه كان يمتلك جيشا مكونا من ٤٠٠,٠٠٠ جندى. ويبدو أنه لم تكن هناك قوة تقف أمام هذا الجيش الغازي الكبير ، فتقدم إلى أورشليم ونهب كل كنوز القصر . والهيكل بما في ذلك أتراس الذهب التي عملها سليمان، فصنع رحبعام أتراسا أخرى من نحاس ( ۲ أخ ۱۲ : ۹). 

لقد ملك رحبعام سبع عشرة سنة، كانت خلالها مملکته في توتر مستمر، وهزائم متكررة ، وكانت حرب بينه وبين يربعام كل الأيام (1١مل ١٤: ٣٠ ، ٢ أخ ۱۲: ١٥ ) ومات فى الثامنة والخمسين من عمره ودفن مع آبائه ( ١مل ۱٤ : ۳۱ ) وخلفه ابنه ” أبيـا ” على العرش. 

قال شمعيا النبي لرحبعام بعد غزوة شيشق له هكذا قال الرب : أنتم تركتموني وأنا أيضا تركتكم ليد شيشق ( ۲ أخ ۱۲ : ٥). 

٤٤ 

إن الله يحفظ من يحفظ نفسه، لقد ضاعت المملكة منه لضياع علاقته بالله، فلقد كان مصير المملكـة مرتبطا بمدى ارتباطها بالله لو كان رحبعام بدأ بالتوبة الصادقة، وهدم مرتفعة ملكوم ، ومرتفعة كموش، وهدم السوارى لتوحد الشعب من خلفه.

ولو أنه استغل فرصة هروب الكهنة واللاويين من المملكة الشمالية وقدومهم إلى أورشليم لحقق لمملكة يهوذا إنجازات عظيمة ولو أنه استشار الله عندما طلب من الشعب فرصة للتفكير لتغير الوضع تماما. 

لقد فشل رحبعام رغم كل إمكانيات النجاح التي كانت متاحة أمامه، والمسئولية ترجع أولا وأخيرا إليه. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى