البابا تيموثاوس الأول

البابا تيموثاوس الأول

 البطريرك الثاني والعشرون
في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري

(٣٨٠-٣٨٥م)

هذا القديس هو أيضاً من تلاميذ القديس أثناسيوس الرسولي وشقيق البطريرك المتنيح البابا بطرس الثاني، وهو الذي رافق معلّمه القديس أثناسيوس إلى مجمع صور الأريوسي سنة ٣٣٥م، حيث حول أساقفة هذا المجمع قضية الخلافات اللاهوتية إلى قضية أخلاقية ضد القديس أثناسيوس. ويذكر المؤرخون أن تيموثاوس هو الذي فضح المؤامرة الدنيئة التي حبكت ضد القديس أثناسيوس متهمة إياه بأنه زنا مع عذراء نذرت بتوليتها أثناء اختفائه من مطاردة الأريوسيين. كما كان ضمن الوفد الكنسي الذي أرسله البابا بطرس إلى كنيسة القسطنطينية لتنظيمها، وعاون القديس غريغوريوس في إعادتها إلى حظيرة الإيمان الأرثوذكسي.

وبعد سيامة البابا تيموثاوس بطريركاً على كرسي كنيسة الإسكندرية، احتكم إليه أساقفة شمال أفريقيا في خلافهم مع أسقف روما داماسوس في محاولته أن يجعل قوانين مجمع سرديكا المحلي في مرتبة مساوية المرتبة قوانين مجمع نيقية المسكوني الأول. فأرسل إليهم القديس تيموثاوس نسخة أصلية من النسخة المحفوظة في كنيسة الإسكندرية مما دعاهم إلى الإقرار بأن تعطى الأولوية للمجمع المسكوني فوق المجامع المحلية.

وكعادة الأباطرة أن يسعوا لتوحيد الشعوب الخاضعة لهم تحت عقيدة وعبادة واحدة، اجتهد الإمبراطور ثيئودوسيوس في عقد مجمع مسكوني يستقطب كل البدع والهرطقات التي تمزق الشعوب الخاضعة له، وذلك لضمان ولائهم تحت سلطانه. وكان أخطر هذه البدع ما أذاعه مقدونيوس أحد أساقفة القسطنطينية نفسها من إنكاره للاهوت الروح القدس، وهو موضوع لم يتعرض له مجمع نيقية، وحيث كان الاعتراف بلاهوت الروح القدس أمراً مسلماً به لدى جميع الكنائس كتقليد رسولي راسخ وكانت الفرصة مواتية بسبب وجود ملاتيوس أسقف أنطاكية في القسطنطينية لرسامة القديس غريغوريوس أسقفاً على عاصمة الدولة الرومانية الشرقية. فلما جاء وفد الكنيسة المصرية برئاسة البابا تيموثاوس اعترض على هذه الرسامة باعتبارها تتعارض مع قوانين الرسل التي لا تبيح انتقال الأسقف من مدينته التي رسم عليها إلى مدينة أخرى؛ وكان القديس غريغوريوس أسقفاً على سازيما رغم أنه لم يتسلمها بسبب وجود أسقف آريوسي عليها. وقد وافق الأساقفة المجتمعون في القسطنطينية على رأي بطريرك الإسكندرية ونتج عن ذلك انسحاب القديس غريغوريوس حفاظاً على السلام بين المجتمعين.

أما بخصوص بدعة إنكار الروح القدس، فقد قرر المجمع إضافة التعريف التالي لقانون نيقية: “نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب… إلخ”. ثم تطورت المحاورات اللاهوتية إلى مجاملات شخصية وتملق لأصحاب السلطات القديمة، فقرر المجتمعون رفع مدينة القسطنطينية لتكون الثانية بعد روما القديمة، مع أنها لم تكن كرسيّاً رسولياً. وهذا القرار حفز البابا تيموثاوس على الانصراف من المجمع قبل انتهاء جلساته، لأنه قرار يتناقض مع الترتيب المقرر من قبل الـ ٣١٨ أسقفاً المجتمعين في نيقية.

وهكذا يرى القارئ أن ذيول البدعة الآريوسية كانت وراء اضطراب كنائس أنطاكية والقسطنطينية، وكان على كنيسة الإسكندرية، باعتبارها أقدم وأرسخ كنائس الشرق المسيحي – خاصة بعد الكفاح المرير والمضني للقديس أثناسيوس الرسولي بطريركها العظيم – أن تعاون في تثبيت العقيدة الرسولية في هذه الكنائس المزعزعة.

وليس ذلك فقط، فمن واقع شهرة كنيسة الإسكندرية في التمسك بالقوانين الكنسية التقليدية، صار حكمها هو المعيار الأرثوذكسي الصحيح الذي يعلو فوق كل اعتبارات شخصية. فقد اعترض البابا تيموثاوس الأول في مجمع القسطنطينية المسكوني سنة ٣٨١م على ترشيح القديس غريغوريوس اللاهوتي – رغم قداسته لبطريركية القسطنطينية، متمسكاً بالقانون الخامس عشر من قوانين مجمع نيقية العشرين الذي يمنع انتقال أسقف من إيبارشيته إلى إيبارشية أخرى؛ مما أظهر بالأكثر عظمة البابا تيموثاوس دون أن تخسر الكنيسة، في وقت بدأت فيه الكنائس الأخرى تمالئ أصحاب السلطان المدني وتتملقهم لتعاظم نفوذ كنيسة القسطنطينية فوق الكنائس الرسولية مع أنها لم تكن كرسيّاً رسولياً. وقد تنازل القديس غريغوريوس اللاهوتي عن وضعه كبطريرك قسطنطينية وانسحب، ورسم عوضاً عنه بطريرك آخر للقسطنطينية.

 

Leave a Reply