إسرائيل وأشور 

 

أشور اسم ثانى أبناء سام وأبى الأشوريين ( تك ۲۲:۱۰) وبلاد أشور الأصلية تقع على الجزء الأعلى من نهر دجلة، وكان الأشوريون مزيجاً من أجناس عدة، وكانوا أكفاء في الحرب، أقوياء البنية محبين للنظام بصورة صارمة. 

وقد سميت أولى مدنهم ” أشور ” أو ” أسور “، وكانت مدينة ” أشور ” التي هي ” قلعة شرقات ” اليوم تقع على الشاطئ الغربي لنهر دجلة جنوب مدينة ” الموصل ” الآن في العراق. 

وكانت مدينة أشور نفسها هى أولى عواصم المملكة، أما العواصم الأخرى التي صارت لمملكة أشور من بعد ذلك فكانت تقع جميعها شرقى دجلة، وتبعد كثيرا إلى الشمال، وهذه العواصم هی” کاله” (Calah) وهى “نمرود” اليوم، و “دور شروكين” وهي “خورسباد” اليوم. ولكن أهم العواصم جمیعا هی ” نینوی” تل كوينجك الآن، وهذه العواصم جميعا قد أصبحت خرابا. 

اللغة : 

واللغة الأشورية هي إحدى اللغات السامية، وهي قريبة الشبه جدا من البابلية، وكان الأشوريون يكتبون على لوحات طينية أو حجرية، وكانوا يكتبون أحرف تشبه المسامير في شكلها، ولذا سُمي خطهم بالخط المسماري، وكانوا يشبهون البابليين في كتاباتهم. 

الديانة : 

أخذت الدولة الأشورية دينها عن بابل، فكان ديناً بابلياً في خطوطه الرئيسية ، ولكنه اختلف عن ديانة بابل فى نقطتين رئيسيتين وهما:

أ) كان السيد الأعلى هـو الملك، وليس الكاهن الأعظم، فقد كانت أشور دولة عسكرية وليست دينية. 

ب) كان على رأس هذه الديانة الإله القومى ” أسور” أو ” أشور”، وكان الملك ممثلاً له وكاهنه الأعظم. 

و ” أسور” في الأصل يعنى القائد في الحرب، ولذلك صوروه إله حرب مسلحاً ،بقوس، وهو نفسه الذي اعتبر إله الشمس في العهد الذي شاعت فيه عبادة الشمس في بابل.

وكان ” أسور” هو الإله القومى لأمة عسكرية، ولذلك كان الجيش يعتبر ” جنود أسور” وكانت تقف إلى جواره شريكته النسائية ” اسيرتو” أو ” أشيره” وهى السارية في العهد القديم. 

هذا إلى جانب آلهة أخرى كثيرة كانت تُعبد في أشور، وكانت تُمثل قوى الطبيعة، فكان ” أنو” يمثل قوة السماء و” بل ” (إش ١:٤٦ ) يمثل الأرض، و” أياد” تُمثل المياه و” سين” تمثل القمر، و”شماش” تمثل الشمس، و ” رمان ” تمثل العاصفة. وكانت معظم هذه الآلهة تُعبد في بابل فيما عدا الإله ” أشور”. 

تاريخها: 

كانت أشور فى البداية ولاية تابعة لبابل، وكان حكامها يدينون بالولاء لبابل، ولكنهم انتهزوا فرصة ضعف بابل في القرن الرابع عشر قبل الميلاد نتيجة حروبها المتعددة مع أعدائها الشماليين وتخلصوا من نیرها وصارت مملكة مستقلة. وبناء على ما قاله أسرحدون في سجلاته إن ” بل باني” بن ” أداسى” هو أول من استقل ببلده وأنشأ مستعمرة أشورية في ” كازا ايوك”. 

وفى ألواح تل العمارنة نجد أن ” أشور وباليد” كان ملكاً على أشور في (١٤٠٠ ق.م ) وتراسل مع فرعون مصر وزوج ابنته لملك بابل وبذلك أعطى لنفسه الحجة للتدخل في شؤون بابل، وقتل صهره، وأرسل ” أشور “وباليد” قواته إلى بابل وسيطر عليها، وأجلس أحد أقاربه ملكاً على عرش ،بابل، وضعفت ،بابل، واضطرت لحماية نفسها من قوة أشور الصاعدة. 

وفى عام (۱۳۰۰ ق.م ) تولى الملك شلمنأسر الأول، وكان ملكاً قوياً وعنيفاً ومكافحاً، ولذلك جني توكولتي – ماس ) بن شلمنأسر وخليفته على العرش ثمار جهاده. وعندما ملك (توکولتي – ماس ) أصبح سيداً لجميع الأراضي التي يرويها دجلة والفرات، وقد حمل تمثال مردوخ إلى أشور كعلامة على انتقال صولجان الملك من بابل إلى أشور. 

وبعد ذلك بسنوات قليلة فقد الملك الأشورى ( بل كدر – أوزر ) حياته في معركة ضد البابليين، وحوالي عام ( ۱۱۹۰ ق.م) ضعفت أشور ولم تقو على صد هجوم قبائل الكلدانيين والأراميين، وفقدت كثيراً من أراضيها ، وباتت مرة أخرى مملكة صغيرة، وكان هذا بعد عهد بـاراق ودبورة وحربهما مع الكنعانيين بحوالي مائة سنة ( قض ٤ ). 

ولكن سرعان ما قامت أشور من كبوتها مرة أخرى وصارت أمة عظيمة. فقد تولى الملك ” تغلــــــث (فلاسر الأول ) ( ١١١٤ – ١٠٧٦ ) وبالرجوع إلى سجله التاريخى يتضح أنه قد نشر نفوذه ونفوذ أمته غرب البحر الأبيض المتوسط مخضعاً لسطوته الأمم التي في تلك المنطقة. 

غير أنه حدث خلال القرنين التاليين أنها تقهقرت ودب فيها الضعف والوهن، بينما قويت إسرائيل وتصاعد نفوذها خلال حکم داود وسليمان. 

ولكن حوالى ٨٨٤ ق . م تولى الملك على أشور ملك يدعى أشـور ناصربال الثانی (٨٨٤ – ٨٦٠ ق.م) وكان أعظم ملوكها وراح يدوخ البلدان والأقطار، ويبنى القصور والهياكل ويعتبره التاريخ أنه مؤسس الامبراطورية الأشورية. اتخذ من كاله Calah” عاصمة له، وطور جيشه وتوسع شرقا وغربا. 

 

وخلف ” أشور ناصر بال” في الحكم ابنه ” شلمنأسر الثالث” ( ٨٥٩ – ٨٢٥ ق. م ) الذي لم يقنع بمجرد شن الغارات على البلاد وأخذ غنائمها، ولذلك عمل على تنظيم وإدارة البلاد التي أخضعتها جيوشه، وكـــان أخآب ملكاً على إسرائيل في ذلك الوقت، ولم يكن يدرك أين موقع الخطر الحقيقى الذى سيواجه أمته، وكان أخآب يظن أن آرام أخطر عليه من أشور التي كان مقدراً لها فى التاريخ أن تبيد مملكة إسرائيل وتشرد أبناءها. 

لقد قرر أخآب في عهده أن ينضم إلى الفينيقيين، وتزوج من أميرة فينيقية وهى ” إيزابل” ابنة “أثبعل ” حاكم فينيقية، وقد كانت امرأة شريرة جداً وكانت تعبد البعل. 

وكانت هذه الخطوة سليمة جداً من الناحية السياسية والتجارية فقد هيأت لإسرائيل أصدقاء في الشمال والغرب وضمنت لها الموانئ والأسواق لتصريف تجارتها. ولكنها كانت سياسة خطيرة روحياً، شكلت خطراً يهدد كيان الأمة دينياً، لأن فينيقية دولة وثنية، وكانت إيزابل متشددة لعبادة البعل ، وأصرّت على دخولها إلى إسرائيل، فتسربت إلى إسرائيل العادات والعبادات الوثنية، وكان للنبي إيليا دور كبير في هذا الصراع حتى يُرجع الناس من عبادة الأوثان إلى الإله الحی (۲ مل  ۲۲:۹-۳۷) 

في ذلك الوقت أحست ممالك سورية – وكان أكثرها من الآراميين والحثيين بأن أشور تشكل خطراً عليهم، فصمموا على الوقوف في وجهها، وكوّنوا حزباً من الأمم تحت زعامة ملك دمشق وأرخيلونى ملك حماة، وهذا الحلف ورد ذكره فی ( ۱مل ۲۰)، وقد أرادوا أن يضموا إليهم “أخآب” الذى رفض فى البداية، وشعر أنه ليس من صالحه أن يعارض أشور ، وخاصة أنها الدولة الكبرى المقبلة في التاريخ إلى جانب أنه ينظر إلى آرام بعداوة لأنها كانت سبب ضيق له من الجهة الشمالية الشرقية. 

ولعل الحصار الذي قام به بنهدد ملك آرام للسامرة عاصمة مملكة إسرائيل، كان القصد منه إرغام أخآب على الانضمام لهذا الحلف ( ١مل ۲۰: ۱-۳).

ولعله بعد معركة ” أفيق” وعد أخآب أن ينضم إلى هذا الحلف مقابل إعادة مدنه إليه، والسماح لتجاره أن يتاجروا مع دمشق ( ١ مل ٢٠-٣٤). والواقع الذى يؤيده التاريخ أنه انضم فعلاً إلى هذا الحلف والتحم في حرب مع الأشوريين في معركة ” قرقر” شمال “حماة” عام (٨٥٣ ق.م) وكانت الخسائر فادحة ۱۲۰۰ مركبة حربية ۱۲۰۰ من الفرسان، ۲۰۰۰۰ من المشاة لبنهدد ملك دمشق، ۲۰۰۰ مركبة حربية من المشاة لآخاب ملك إسرائيل. 

وفى سنة ( ٨٤١ ق . م ) وصل شلمنأسر إلى دمشق حيث حاصر ملك سورية، ويدعى “حزائيل” الذي كان قد قتل سيده بنهدد وتولى الحكم وهزمه أشر هزيمة ونهب البلاد. وقد عثر علماء الآثار على لوحة نقش عليها هذا الحادث التاريخي نصها:-

“رکن حزائيل ملك سورية إلى قوة جيوشه وجعل جبل سانيرو (وهو جبل حرمون الآن) إحدى قمم جبال لبنان قلعته الحصينة… هزمته أشر هزيمة… وأغلقت عليه فى مدينة دمشق وأحرقت حدائقه وبساتينه وتقدمت حتى جبل حوران وهدمت مدناً كثيرة”. 

في ذلك الوقت كان “ياهو” قائد جيش إسرائيل قد قتل ملكـه وسـيـده ” يهورام” بن أخآب ملك إسرائيل وصار ملكاً عوضاً عنه، ثم قتل إيزابل أم يهورام. وبذلك خلق لنفسه عدوين وهما مملكة يهوذا التي كان ملكها في ذلك الوقت ” أخزيا” ابن “عثليا” أخت “يهورام” ملك إسرائيل وفينيقية. لذلك بادر ” ياهو” واتجه صوب شلمنأسر ملك أشور وتعهد بأن يدفع الجزية له. وقد نقش الأشوريون هذا الحادث على لوحة سميت “المسلة السوداء” التي اكتُشفت فی ،نمرود ، وهي الآن في المتحف البريطاني، وقد ظهر فيها ياهو جاثياً على ركبتيه أمام ملك أشور ومكتوب تحته هذه الكلمات: “جزية ياهو… فضة وذهب …. ووعاء ذهبي …. قبلت منه رصاصاً وصولجاناً ليد الملك وحراباً ” . 

وتولى الملك بعد ذلك ” سمس رمان” وأخذ نجم مملكة أشور في الأفول، وانشغل في إخماد الفتن والتمرد الذي ظهر في أجزاء مختلفة من المملكة. 

وخلفه على العرش ابنه هدد” نیرارى الثالث” ( ۸۱۱-۷۸۳ ق.م ) واسم أمه سميراميس، وقد شن هجوماً على دمشق ويدعى أنه أعاد إخضاع سوريا بما فيها فينيقية وآدوم وفلسطين، وأنه أخذ “ماريعا ” ملك دمشق أسيراً في عاصمته. وهذا ساعد إسرائيل على التخلص من الضغط السورى عليهم. 

ثم اجتازت أشور فترة من الضعف والوهن تولى فيها الملك ثلاثة من الملوك وهم شلمآنصر الرابع (۷۸۲-۷۷۳) ق.م) ثم خلفه ” أشور دان الثالث” (۷۷۲ – ۷۵۵ ق.م ) ثم خلفه ” أشور نيراری” (٧٥٤ – ٧٤٥ ق.م ) واستطاع هؤلاء الملوك الثلاثة أن يحافظوا على أشور، ويدافعوا عنها كأمة قوية، ولكنهم لم يمتلكوا القدرة على تحقيق أى أغراض توسعية كما فعل من جاء من بعدهم. 

وفى عام ٧٤٥ ق.م تولى الملك قائد حربى هـو “بولو” ويشير إليه الكتاب المقدس (۲مل ۱۵ : ۱۹ ) باسم “فول Pul” وقد أطلق على نفسه اسم ” تغلث فلاسر الرابع ” وملك من (٧٤٥ – ٧٢٧ ق.م) وقد كان مقاتلاً مغواراً، أعاد تنظيم الجيش حتى أصبح لا يقاوم، وقاد أمته في فتوحات وغزوات ناجحة. ومن عهده اتبعت أشور طريقة أشد في التنكيل بالشعوب الخاضعة لها وسلب أموالها، وإقامة ملوك عليها بمعرفتهم، مع تعمد ترحيل شعب الدولة العاصية، وتشريده إلى بلدان مختلفة، وإحلال شعوب أخرى محله. 

وقد ساعدت هذه السياسة على كبح التمرد أو توقفه، وقد طالب “تغلث فلاسر” في بداية ملكه من “منحيم” ملك إسرائيل، ورصين” ملك أرام أن يدفعا الجزية له، وربما رفضا . وفى عام ٧٣٥ ق.م سيطر على حماة وأصبح “منحيم” ملك إسرائيل خاضعاً له. 

وفى عام ۷۳۳ ق.م بدأ حملته ضد رصين ملك أرام، وكان في “فتح” ذلك الوقت ملكاً على إسرائيل، و ” آحاز ” ملكاً على يهوذا، وقد حاول ملكا إسرائيل وأرام أن يُرغما آحاز ملك يهوذا على الانضمام لهما لمحاربة ” تغلث فلاسر“ ملك أشور، ولكن آحاز رفض ذلك. فتآمرا معاً وهجموا على أورشليم. ويقول الوحي: ” حينئذ صعد رصين ملك أرام وفقح بن رمليا ملك إسرائيل إلى أورشليم للمحاربة… ” ( ٢مل ٥:١٦). 

وقد طلب الرب من إشعياء أن يخرج لملاقاة ” آحاز” ويقدم له رسالة الاطمئنان ( إش: ۱-۹ ) ويحذره من الانضمام إلى حلف أرام وإسرائيل أو أشور، وأنبأه أن يقف على الحياد ويتمم مشيئة الرب، ولكنه كان ملكاً ضعيفاً أعوزته الثقة بالنفس والثقة بالرب، فبعث بهدايا إلى ” تغلث فلاسر” ملك أشور وطلب منه أن ينقذه من أرام وإسرائيل، ويقول الكتاب المقدس: “وأرسل آحاز رسلاً إلى تغلث فلاسر ملك أشور قائلاً : أنا عبدك وابنك. اصعد وخلصنى من يد ملك آرام ومن يد ملك إسرائيل القائمين على. فأخذ آحاز الفضة والذهب وأرسلها إلى ملك أشور هدية ٢ مل ١٦ : ٧ و ٨ ) فزحف ” تغلث فلاسر” ملك أشور على آرام وقتل رصين ملكها ( ٢مل ٩:١٦ ) في عام ( ۷۳۲ ق.م ). وقد جاء في سجلات ملك أشور التاريخية عن رصين ما يلي: 

“هرب وحيداً لينقذ حياته وكفأر دخل باب مدينته، أغلقت عليه كطائر في قفص. وهدمت حدائقه وبساتينه ودمرت ست عشرة ولاية في سورية”. 

وسقطت دمشق عاصمة أرام وسيطرت أشور على المنطقة، وعيّن حاكم أشورى لدمشق. وعين “هوشع ” ملكـــاً على إسرائيل بعد مقتل ” فقح” ( ۲مل ۱:۱۷). 

وخشي الملك “آحاز” ملك يهوذا أن يكون هو الفريسة بعد أرام فذهب إلى دمشق لملاقاة تغلث فلاسر – بعد أن هزم أرام واستولى على دمشق – ليقدم له فروض الولاء والطاعة ، وبينما هو في دمشق أبصر مذبحاً وثنياً كان الأشوريون قد أقاموه لعبادة ملكهم، فأرسل رسمه وشكله إلى أوريا الكاهن ليعمل مثله فى أورشليم، وأقامه فى هيكل الرب، وقدم عليه الملك آحاز ذبائح ومحرقات (۲ مل ١٦: ۱۰-۱۷ ) وبعد موت ” تغلث فلاسر” كان خليفته مغامراً حربياً آخر وهو “شلمنأسر الرابع” تولى الملك من ( ۷۲۷ – ۷۲۲ ق.م) واسمه الأصلى ” أولولا”. وظن “هوشع ” ملك إسرائيل أنه بعد موت “تغلث فلاسر” سيستعيد حريته المسلوبة، فتوقف عن دفع الجزية التي تعهد بها إلى ملك أشور، والتمس معونة مصر، وفى هذا يقول الكتاب المقدس : ” وصعد عليه شلمنأسر ملك أشور… ووجد ملك أشور في هوشع خيانة. لأنه أرسل رسلاً إلى سوا ملك مصر ، ولم يؤد جزية إلى ملك أشور حسب كل سنة، فقبض عليه ملك أشور وأوثقه فى السجن. وصعد ملك أشور على كل الأرض وصعد إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنين…. ” ( ٢ مل ١٧: ٣-٦) وسقطت السامرة في يد ملك أشور بعد حصار دام ثلاث سنوات ( ٧٢٤ ٧٢٢ق.م) ومات شلمنأسر الرابع أثناء حصار السامرة وخلفه “سرجون الثاني” الذي تولى الملك من ( ۷۲۲ – ٧٠٥ ق.م ) وقد استولى على السامرة في عام ۷۲۲ ق.م ورحل ۲۷۲۹۰ رجلا من سكانها إلى السبي والكتاب المقدس يوضح ذلك قائلا : ” وفى السنة التاسعة لهوشع أخذ ملك أشور السامرة وسبى إسرائيل إلى أشور وأسكنهم فى حلح وخابور ونهر جوزان وفي مدن مادی” ( ٢مل ٦:١٧) راجع أيضا ( ٢ مل ١٧: ٢٣ و ٢٤). وقد كان الهدف من وراء هذه السياسة هو تحطيم الشعور الوطني لدى الشعب من جراء اختلاطه بالأجناس الأخرى، لينسى أنظمته وعاداته وتقاليده القومية ودينه، فلا يفكر فى ثورة أو تمرد على الأنظمة لأنه مشتت.

وفى عام ۷۱۷ ق.م استولی علی کرکمیش عاصمة الحثيين. ومن المحتمل أن حملته على أشدود في عام  ۷۱۱ ق.م  هي التي ذكرت في ( إش ۲۰ : ۱ ) وقد أجبر مردوخ ،بلادان الکلدانی، الذي جعل من نفسه ملكا على بابل عام  ۷۲۲ ق.م على التراجع إلى أرض المستنقعات عند رأس الخليج الفارسي. وقد اتخذ من أشور وكالة ونينوى عواصم له، وفى النهاية بنى ” خورسباد” المدينة المعظمة التي حازت على شهرة عظيمة بسبب إنشائها. وانتهى حكم سرجون بموته في ساحة القتال عام  ٧٠٥ ق.م. 

وقد تولى الملك من بعده ابنه ” سنحاريب” من ( ٧٠٥ – ٦٨١ ق.م ) وقد حذا حذو أبيه، وبدأ فى مهاجمة مملكة يهوذا، وكان ” آحاز” قد مات وخلفه ” حزقيا ” الملك. وقد أنشأ سنحاريب مدينة نينوى العظيمة واتخذها عاصمة له، وبنى حولها سورا ارتفاعه ٤٠ أو ٥٠ قدما. 

وفى عام ٧٠٤ ق.م  اضطر مت نيران ثورة واسعة النطاق ضدسنحاريب – إذ لم تكن له المهارة العسكرية ولا القدرات الإدارية التي كانت لأبيه ، وربما كانت مصر هي التي أشعلت الثورة. وكان النبي إشعياء يومئذ فى أورشليم، وعارض كل حلف سياسي مع الأجانب، ونادى على الملأ بأن الله سيحمى يهوذا إن هي وثقت فيه وفعلت مشيئته. ومع ذلك فقد انضم حزقيا مع الثائرين، وحاول أن ينتزع من أيدى الأشوريين سلطتهم على الفلسطنيتيين، فشن سنحاريب هجوماً شرساً على فلسطين وأخذ مدنهم وحمل أسرى كثيرين، ثم التحم بالمصريين وهزمهم أيضاً، ثم اتجه نحو يهوذا وحاصر أورشليم ويشير في مذكراته إلى أنه فتح صيدا ويافا و ٤٦ مدينة ” مسورة” من يهوذا. وقد عثر المنقبون على لوحـة تاريخية نقش عليها سنحاريب الحوادث التاريخية كما يلي: 

” استعنت بالإله أسور … وحاربتهم جميعاً وهزمتهم ، أما حزقيا الذى لم يخضع لنيري، فقد حاصرت ستاً وأربعين من مدنه واستوليت عليها وحملت ٢٠٠١٥٠ من الأسرى وخيولاً وحميراً وماشية وغنماً. أما حزقيا فقد أغلقت عليه فى أورشليم عاصمته كطائر في قفص… واقتطعت منه بلاداً، وأثقلت عليه الجزية…” . 

وقد أشار الكتاب المقدس إلى هذه الحوادث قائلاً: ” وفي السنة الرابعة عشرة للملك حزقيا صعد سنحاريب ملك أشور على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها وأرسل حزقيا ملك يهوذا إلى ملك أشور إلى لخيش يقول : قد أخطأت. ارجع عنى ومهما جعلت على حملته. فوضع ملك أشور على حزقيا ملك يهوذا ثلاث مئة وزنة من الفضة وثلاثين وزنة من الذهب. فدفع حزقيا جميع الفضة الموجودة في بيت الرب وفى خزائن بيت الملك. في ذلك الزمان قشر حزقيا الذهب عن أبواب هيكل الرب والدعائم التي كان قد غشاها حزقيا ملك يهوذا دفعه لملك أشور (۲)مل ١٨: ١٣ -١٦). ولولا التدخل الإلهي لكان سنحاريب قد استولى على أورشليم . ولكن الله أرسل ملاكه وقتل من جیش سنحاریب ۱۸۵ الفا ( ٢ مل ١٩: ۳۵)، وكان ذلك استجابة لصلاة حزقيا، وهرب سنحاريب إلى نينوى عاصمته، وفيما هو ساجد فی بیت سروخ إلهه ضربه أدرملك وشر آصر ابناه بالسيف وملك آسرحدون ابنه عوضا عنه ( ۲مل ۱۹: ۳۵) ، وقد ملك آسرحدون من ٦٨١ – ٦٨٦ ق.م. وقد أتى آسرحدون بأناس من أجزاء متفرقة من الامبراطورية أسكنهم في السامرة ( عز ٤: ٢). وكان آسرحدون قائدا ماهرا وإداريا ارعا . وصلت أشور تحت قيادته إلى أوج مجدها، وأعاد بناء بابل وجعلها العاصمة الثانية للإمبراطورية – ربما لأن زوجته كانت تنتسب إلى أشراف هذه المدينة. وأصبحت فلسطين ولاية خاضعة له، وأخضع ترهاقة. 

حدث خلال حکم آسرحدون أنهم هجموا على يهوذا وأخذوا منسى ملك يهوذا” أسيرا إلى بابل وقيدوه بسلاسل ووضعوا خزامة في أنفه (٢ أخ ٣٣ ١٠-١٣). ومات آسرحدون خلال سیره بجيوشـــه قـاصدا مصر. وتولى الملك ابنه ” أشور بانيبال” عوضا عنــه مــن وكان نصيرا سخيا للتعليم، وتدين مكتبة نينوى بمعظم کنوزها له. 

وكان أشور بانيبال هو آخر الملوك العظماء في أشور، وقد نقل قوماً من أجزاء متفرقة من الامبراطورية وأسكنهم فى السامرة ( عز ١٠:٤ ) . 

وفى سنة ٦٦٧ ق.م  استولى ” أشور بانيبال” على طيبة، ولكن الثورات على الملك بدأت تظهر فى الامبراطورية وخارجها، فقد تمرد على الملك ” سماسويكن ” حاكم بابل ولكنه لقى مصرعه خلال حریق بابل عام ٦٤٨ ق.م. 

ولم يستطع الأشوريون الاحتفاظ بمصر طويلاً، فقد ثــار الأمير المصرى سامتيخوس الأول (٦٦٤ – ٦١٠ ق.م ) وشق عصا الطاعــة علــــى أشور واسترد مصر سنة ٦٥٢ ق.م. 

وثار على أشور أمير يدعى ” نبوبو لاسار” وشق عصا الطاعة على أشور وجعل نفسه سید بابل وكل هذه الصراعات أنهكت أشور واستنزفت مواردها المالية، فأصبحت خالية الوفاض وسقط شبابها قتلى في الحروب وهكذا وصلت إلى حالة متردية من الضعف. 

وتولى الملك ” أشور – إتيل – إيلاني Assur-ltil-llani” ابن أشور بانيبال وخليفته، وكانت المملكة فى طريقها للاضمحلال، فقد أخذ الوهن يدب في كل أوصالها، وانتهزت يهوذا أيضاً الفرصة وقامت بحركة استقلالية، وهذا ما ساعد يوشيا على التقدم بقوة فى طريق الإصلاح، ولقد استطاع يوشيا أن يحطم المذابح الأشورية التي كان قد أدخلها آحاز ومنسى، ولم يكن هذا ممكناً لو كانت يهوذا تابعة لأشور، ولكن ماساعد يوشيا على الإصلاح هو ضعف أشور ( راجع ٢مل ۲۳). 

وقد سقطت كالح ونهبت فى أيام ” أشور- إيتل- إيلاني” وفشل ملکان جاءا من بعده في صد هجوم مملکتی مادى وبابل الصاعدتين، ثم سقط آخر ملوك أشور وهو ” سين سار – إسكن-Sim-Sar” Uskin وهو يحارب السكيثيين عام (٦٠٦ ق.م ). 

وفى أثناء مُلك هذا الملك كان البابليون قد هجموا على نينوى بقيادة ملكهم نبو” بولاسار” ، وبعد حصار مرير اقتحموا المدينة عام ٦١۲ ق.م وقتلوا أمراءها بحد السيف وأحرقوا قصورها وهياكلها. فتقهقر الأشوريون إلى الشمال حيث جعلوا حـاران عاصمة لهم. ولكن البابليين هاجموا حاران أيضاً عام ٦٠٨ ق.م. وانطلق فرعون “نخــو” ملك مصر خليفة ” سامتيخوس” بجيشه شمـالاً لمعاونة الأشوريين، وفي الطريق اعترضه يوشيا ملك يهوذا، ولسنا ندرى لماذا سلك يوشيا هذا المسلك؟ لعل ” نبوبولاسار” ملك بابل استنجد به ولعل يوشيا حارب لكي يضمن لنفسه استقلالاً تاماً، لأن ملك مصر جاء ليساعد ملك أشور. ومهما تكن الأسباب فلم يكن يوشيا موفقاً في ذلك، وقتل في معركة مجدو ” (٢ أخ ۳۵: ۲۰ – ٢٦ واضطرت يهوذا لدفع الجزية لمصر. وكان ” يهوآحاز بن يوشيا” قد تولى الملك في يهوذا، ولم يقتنع به “نخو” فرعون مصر فعزله وقيده بسلاسل ونفاه إلى مصر إلى أن مات هناك، وعين يهوياقيم ملكاً عوضاً عنه على يهوذا وفرض ضرائب باهظة على يهوذا ( راجع ٢ مل ٢٣: ٣١-٣٥، ٢أخ ١:٣٦-٨ ). 

وفى عام ٦٠٥ ق.م انطفأ آخر قبس من النضال والمقاومة الأشورية فقد قام نبوخذ ناصر ملك بابل بهجوم شرس على المصريين، وهزمهم في معركة كركميش وسيطر على مصر، وقضى نهائياً على مملكة أشور، وبذلك وقعت يهوذا أيضاً تحت سيطرة بابل، وكان هذا أيام حكم يهوياقيم. 

ويسجل لنا الكتاب المقدس هذه الفترة قائلاً: 

” في أيامه صعد نبوخذ ناصر ملك بابل فكان له يهوياقيم عبداً ثلاث سنين…. ولم يعد أيضاً ملك مصر يخرج من أرضه لأن ملك بابل أخذ من نهر مصر إلى نهر الفرات كل ما كان لملك مصر” (۲مل ٢٤: ١ و٧ ). وفى عام  ٥٩٦ ق.م صعد نبوخذ ناصر مرة أخرى إلى أورشليم وحاصرها وكان هذا فى أيام حكم الملك يهوياكين، ونهب المدينة، وأخذ كل ما فی خزائن بیت الرب، وخزائن بيت الملك، وكسر كل آنية الذهب التي عملها سليمان ملك إسرائيل في هيكل الرب، وسبى من أورشليم كــل الرؤساء وجميع جبابرة البأس وجميع الصنّاع ، ولم يبق أحد إلا مساكين شعب الأرض، وسبى يهوياكين إلى بابل، وأصبحت أورشليم عبارة عن ولاية بابلية، وعين متنيا ملكاً على أورشليم وغير اسمه إلى صدقيا (٢مل ٢٤: ٨-٢٠)

وسقطت أورشليم سقوطاً كاملاً ونهائياً في أيدى البابليين في عام ٥٨٦ ق.م. 

لقد كانت سياسة أشور – ومن بعدها بابل – محددة وواضحة في معاملة الشعوب الخاضعة لها ، فكانت تفرض على الدولة المهزومة الجزية دليلاً على خضوعها، وعلامة على أنها صارت تابعة لها، وأن أرضها ومالها وشعبها لم يعد ملكاً لها. 

وكان لملك أشور الحق في أن يطلب جيش هذه البلاد لتشارك في حروبه، وإذا شعر أن أى دولة تحاول التآمر ضده كان يغزوها ويؤدب ملکها بقسوة وعنف. 

وكانت سياستها أيضاً أن تأخذ أفضل رجال البلد التي تغزوها، وتسيطر عليها وتبدد شعبها، وتنقله إلى بلاد أخرى من المملكة، وتأتى بأنـاس مـن بلاد أخرى تسكنهم مكانهم حتى تضيع هوية البلد، ولا يستطيع شعب أي بلد أن يقوم بثورة أو مؤامرة ضد ملك أشور. 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى