أبيًا
من هو أبيًا؟
أبيًا هو ابن رحبعام بن سليمان. ” أبيًا ” اسم عبرى يعنى ” أبى هو يهوه “، وله اسم آخر هو أبيام والذى يعنى ” أبا البحر ” أو “أبا الغرب”. ولعل رحبعام عندما أطلق هذا الاسم على ابنه كان يتمنى أن يسترد إسرائيل، ويستعيد مجد المملكة المفقود.
” أبيًا ” هو الملك الثانى على مملكة يهوذا وقد مَلَك من ۹۱۳ – ۹۱۰ ق.م تقريباً، فقد كان الملك الأول رحبعام بن سليمان والذى ملك سبع عشرة سنة (٩٣١ – ٩١٤ )، وفي بداية ملكه انقسمت إسرائيل إلى مملكتين، مملكة إسرائيل “المملكة الشمالية” ومكوّنة من عشرة أسباط وملكها يربعام بن ناباط، ومملكة يهوذا “المملكة الجنوبية ومكوّنة من سبطين يهوذا وبنيامين. وقد فشل رحبعام في قيادة الشعب من بعد أبيه، وبسبب حماقته واندفاعه انفض الشعب من حوله وملكوا يربعام بن ناباط.
وفي السنة الخامسة من ملکه، صعد عليه شيشق ملك مصر بجيش كبير جداً، وألف مركبة، وستين ألف فارس فغزا أورشليم وأخذ المدن الحصينة التي ليهوذا. ودفع رحبعام جزية فادحة لشيشق.
وطوال السبعة عشر عاما التي حكمها رحبعام كان فى حرب مستمرة مع يربعام بن ناباط ( ۲أخ ۱۲: ١٥ ) . وقد عمل رحبعام الشر في عينى الرب، فبنى أصناماً ). للشعب، وتدنت أخلاق الشعب فى أيامه إلى درجة مرعبة. وكان هناك سوق للمأبونين، وتنجست الأرض بكل أرجاس البلاد التي كان الرب قد حَذَرَ بني إسرائيل من الاختلاط بها.
لقد تولى أبيًا الملك على المملكة وهى تعانى وتمر بأزمة شديدة من كل النواحي ، بسبب غزو شيشق لها، والحروب المستمرة مع يربعام بن ناباط.
يقول سفر الملوك إن اسم أم أبيا معكة ابنة أبشالوم (امل ١٥ : ٢ ) . بينما يقول سفر الأخبار إن ” اسم أمه ميخايا بنت أوريئيل ” ( ٢ أخ ۱۳ : ۲)، فهل هناك مشكلة بخصوص الوحي؟
إن الدارس المدقق سيجد أن المشكلة بسيطة جداً، لأن معكة هي ميخايا فقد جرت العادة أن اسم الإنسان يتغير إذا صار ملكاً، وكذلك اسم المرأة يتغير إذا صارت ملكة ومعكة هى ميخايا بعد أن تغير اسمها.
ولكن تبقى مشكلة أخرى وهى أن كاتب سفر الملوك يقول إنها ابنة أبشالوم بينما كاتب سفر الأخبار يقول إنها بنت .اوريئيل والحقيقة أن أبشالوم لم ينجب إلا ثامار كما يذكر لنا الوحي ” وولد لأبشالوم ثلاثة بنين وبنت واحدة اسمها ثامار وكانت امرأة جميلة المنظر ” ( ٢ صم ١٤: ٢٧ ) . وثامار تزوجت بأوريئيل وأنجبت معكة فهى حفيدة أبشالوم ( ١ مل ۱٥ : ۲ ) وأم الملك أبيا وعندما ينسبها الكاتب هنا لأبشالوم ذلك لشهرة أبشالوم الواسعة في ذلك الوقت وهذا ما يؤكده المؤرخ اليهودى الكبير يوسيفوس فقد قال : ” إن ثامار بنت أبشالوم تزوجت أوريئيل وولدت معكة أو ميخايا ” وقد تزوجها رحبعام وكانت زوجته المفضلة ( ۲أخ ۱۱: ۲۱ و ۲۲ ) ، وقد كانت امرأة شريرة صنعت لسارية تمثالاً وكانت تسجد أمامه، وعندما ملك آسا كانت هي في أوج مجدها وقمة نفوذها وسلطانها، فقد ظلت ملكة طوال الثلاث سنوات التي حكم فيها أبيًا، إلى أن جاء حفيدها آسا، وقد كان ملكاً صالحاً تقياً وحاسماً، فخلعها من أن تكون ملكة وهدم تمثالها ودقه وأحرقه فى وادى قدرون ( ٢ أخ ١٥ : ١٦).
أولاً : أبيًا الذي لم يتعلم الدرس :
كان الدرس الأول الذى يجب أن يتعلمه أبيًا هو أن البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية فبسبب الخطية والابتعاد عن الرب انقسمت المملكة بعد وفاة جده ،سلیمان، إذ قال الرب له : ” من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدى وفرائضى التي أوصيتك بها فإنى أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك” (مل ۱۱:۱۱)
وبسبب كبرياء أبيه رحبعام وترك شريعة الرب انهزم أمام شيشق ملك مصر، وقال له شمعيا النبى عن فم الرب : ” هكذا قال الرب أنتم تركتموني وأنا أيضاً ترکتکم لید شيشق ” ( ٢ أخ ١٢: ٥).
وبالرغم من ذلك عندما تولى أبيًا الملك لم يتعلم الدرس ، واتبع سياسة الشمول التي بدأها سليمان وَصعَّدَها رحبعام فلم يهدم مذابح البعل ، ولم يهدم المرتفعات، ولم يحطم السوارى. لقد استمر في الشر، ويذكر الوحى عنه: “وسار في جميع خطايا أبيه التي عملها قبله ” ( ١مل ۱٥: ۳ ) . لقد سار على نفس نهج أبيه.
وربما يعود السبب لأنه تربى فى أحضان أم شريرة وثنية هي معكة بنت أبشالوم ( ١مل ١٥: ٢ ) التي صنعت تمثالاً لسارية وكانت تسجد أمامه ( ٢ أخ ١٥: ١٦). لم تعلمه أمه شيئاً عن إله العهد الرب القدير، لقد تشرب الوثنية منذ طفولته. لذلك فى أيامه استشرى الشر والفساد في كل أرجاء المملكة وازدهرت في أيامه عبادة الأوثان، لدرجة أن آسا ابنه عندما تولى الملك وجد مرتفعات في كل مدن يهوذا وتماثيل للشمس، ومذابح غريبة وسواري في كل مكان ( ٢أخ ١٤: ٢ – ٥ ).
لقد كانت سياسته جديرة بإزالة الأسرة المالكة من أورشليم تماماً لولا عهد الله الذي سبق وقطعه مع داود ( ۱مل ١٥: ٤ و٥). إنه درس هام لا يجب أن يُنسى.
ثانياً: أبيا الساذج
منذ أن تولى أبيًا الملك وقد أعد نفسه ليحارب يربعام بن ناباط، لأنه كان يريد أن يسترد إسرائيل ، فأعد جيشاً مكوناً من أربع مئة ألف رجل مختار، وذهب للحرب ووقف على جبل ” صمارايم ” – وصمارايم هى إحدى مدن بنیامین (یش ١٨ : ٢٢ ) وتقع على الحدود بين يهوذا وإسرائيل – ومن سذاجته بدأ يقدم خطاباً طويلاً ليربعام وكل شعب إسرائيل، ولم يكن الوقت وقت كلام بل فعل. وكان يربعام يتمتع بذكاء حاد، ولذلك فيما هو يتكلم كان يربعام قد دبَّر كميناً كبيراً ليأتي من خلف جيش أبيًا حتى يحاصروه في المنتصف ويقتلوه وكل شعبه وبالرغم من أن أبيًا قدم خطاباً جميلاً ورائعاً إلا أن جيش يربعام كان قد أحاط به من الأمام ومن الخلف . يقول الجامعة : ” لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت للولادة وقت وللموت وقت للغرس وقت ولقلع المغروس وقت … للهدم وقت وللبناء ،وقت للبكاء وقت وللضحك وقت … للسكوت وقت وللتكلم وقت … للحرب وقت وللصلح وقت … ” ( جا ۳: ۱-۹).
ثالثاً : أبيًا المحارب المنتصر
بالرغم من أن يربعام دَبَّر كميناً للملك أبيًا عندما كان يتكلم، وبالرغم من أن جيش أبيًا كان مكوناً من أربع مئة ألف جندى، بينما جيش يربعام مكون من ثمان مئة ألف جندى، ولكن الرب أعطى انتصاراً لأبيًا على يربعام. يقول الوحى : ” ضرب الله يربعام وكل إسرائيل أمام أبيًا من جيش يربعام خمس مئة ألف رجل ،مختار، وطارد يربعام وأخذ منه عدة مدن وهى : بيت إيل وقراها ويشانة وقراها وعفرون وقراها، وذل بنو إسرائيل، وأضعف أبيًا المملكة الشمالية. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هو سر انتصار أبيًا ؟
لعل هناك سببين رئيسيين وهما :
١ – أبيًا كان أداة فى يد الرب ليعاقب به يربعام نتيجة شره وفساده، فهو الذي أخطأ وجعل إسرائيل يخطىء. لقد صنع عجلى ذهب ووضع واحداً في بيت إيل والآخر في دان وقال : ” هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر ” ( ۱مل ۱۲: ۲۸).
وبنى مرتفعات وأقام كهنة للمذبح ليسوا من بيت لاوی، وغير ميعاد عيد الحصاد، ولم يسمع لتحذيرات الله المتعددة له، لذلك كان عقاب الله له على فم أخيًا الشيلونى: ” ويضرب الرب إسرائيل كاهتزاز القصب في الماء ويستأصل إسرائيل عن هذه الأرض الصالحة التي أعطاها لآبائهم ويبددهم إلى عبر النهر لأنهم عملوا سواريهم وأغاظوا الرب. ويدفع إسرائيل من أجل خطايا يربعـام الذى أخطأ وجعل إسرائيل يخطىء ” ( ١مل ١٤: ١٥ و ١٦).
٢- و السبب الثاني يعود إلى أن أبيًا كان يحارب كرامةً لعهد الله مع داود. فمن خطابه يبدو أنه لم يكن يحارب إطلاقاً لأجل أى مجد شخصي” ( ۲ أخ ۱۳: ٤ – ١٢).
وكان يؤمن أن الله معهم لأن المملكة مملكته ” مملكة الرب ” عـ ٨ والرب يحارب معهم فالانتصار حليفهم ، فيقول في خطابه : ” وهوذا معنا الله رئيساً وكهنته وأبواق الهتاف عليكم فيا بني إسرائيل لا تحاربوا الرب إله آبائكم لأنكم لا تفلحون ” عـ ۱۲ فهو يحارب حروب الرب.
إن الله لا يخيّب منتظريه وطالبيه فعندما رأى بنو یهوذا أن الكمين من خلفهم والحرب أمامهم صرخوا إلى الرب عـ ١٤ فأعطاهم نصراً عظيماً.
رابعاً: أبيًا الذى أمسك العصا من منتصفها :
وقف أبيًا على جبل صمارايم وخاطب يربعام وجيشه، ومن يدرس هذا الخطاب يجده عظة روحية لاهوتية بليغة.
إن أبيًا يمثل الإنسان الذى يعرف الحقيقة ولكنه لا يعيشها يعرف الحق ولكن لا يعيش بمقتضاه فى عظته يقول ليربعام : ” أما لكم أن تعرفوا أن الرب اله إسرائيل … “(۲ أخ ۱۳: ٥). ولكنه ترك مذابح البعليم، وتماثيل الشمس والسواري في كل أرجاء المملكة . فى عظته يوجه اللوم ليربعام وكل شعبه لأن معهم عجول ذهب صنعها لهم يربعـام عــ ٨ ، ولكنه لم يتخذ موقفاً حاسماً تجاه التماثيل الموجودة في مملكته. يدين يربعام لأنه طرد كهنة الرب بني هرون وأقام كهنة ليسوا من سبط لاوى عـ۹، وفى نفس الوقت لم يعط هو الفرصة للكهنة الذين هم من بيت لاوى وجاءوا إليه من المملكة الشمالية ليقدموا الذبائح للرب ويقودوا الشعب فى طلب الرب والتذلل أمامه. إنه يعلن قائلاً : “وأما نحن فالرب هو إلهنا ولم نتركه ” عـ ١٠ ثم يقول : ” لأننا نحن حارسون حراسة الرب إلهنا ” عــ ١١ ولكنه كان متساهلاً جداً مع العبادات الغريبة ، ولم يتخذ موقفاً حاسماً تجاه انتشار التماثيل الغريبة والمرتفعات في كل مكان.
إن أبيًا يقدم صورة للإنسان الغيور على الدين والكنيسة، ولكنه لا يدخل الكنيسة. هو يعرف أن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة، ولكنه لا يقرأه، هو يعلم أن الله تجسد في المسيح وصلب ومات وقام في اليوم الثالث ليفتديه من الخطية، ولكن ليست له علاقة شخصية بالرب. إنها صورة للإنسان المتدين الغيور على مجد الله دون أن تكون له علاقة شخصية به.
يعرف أن الله هو مصدر النجاح والتقدم والبركة ، ولا توجد آلهة غيره، ولكنه متساهل مع العبادات الوثنية الغريبة الأخرى.
لقد اتخذ أبيًا أربع عشرة امرأة وولد اثنين وعشرين ابناً، وست عشرة بنتاً، ومَلّكَ ثلاث سنين فى أورشليم، ثم اضطجع مع آبائه فدفنوه في مدينة داود وملك آسا ابنه عوضاً عنه.