العلامة بنتينوس

في هذا العصر كان باسيليدس أول وأكبر معلّم غنوسي في الإسكندرية حوالي سنة ١٤٠م، وكان ينتسب أيضاً للكنيسة. وبعده بقليل كان فالنتينوس أقوى معلمي الغنوسية، ولكنه لم يلبث أن غادر الإسكندرية إلى روما وكاد ينجح في محاولته أن يكون أسقفاً لها حوالي سنة ١٦٠ – ۱۷۰م. وكانت آراء باسيليدس وفالنتينوس غير مقبولة لدى كنيسة الإسكندرية.

في مقابل هؤلاء المعلمين الغنوسيين كان بنتينوس هو أول من نعرفه مديراً لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية وذلك حوالي سنة ١٥٠م. ومن أهم الشهادات التي وصلت إلينا والتي تظهر مقدرته العلمية وغيرته على الكرازة بالإنجيل والحياة بمقتضى التعاليم الإلهية ما كتبه الأسقف يوسابيوس القيصري (في القرن الرابع) في تاريخه الكنسي:

[ونحو هذا الوقت عُهد إلى بنتينوس – وهو شخص بارز جداً بسبب علمه – إدارة مدرسة المؤمنين في الإسكندرية، التي كانت قد أنشئت بها منذ الأزمنة القديمة مدرسة للتعاليم المقدسة، ولا زالت حتى يومنا هذا. وكان يديرها – كما وصل إلى علمنا – رجال في غاية المقدرة والغيرة نحو الإلهيات. وقيل إنه برز من بينهم في ذلك الوقت بنتينوس، لأنه تهذب بفلسفة الرواقيين.
ويقال إنه أظهر غيرة شديدة نحو الكلمة الإلهية، حتى أنه عُيّن سفيراً لإنجيل المسيح للأمم التي في الشرق، ووصل حتى إلى الهند. لأنه كان لا يزال يوجد فعلاً الكثيرون من المبشرين بالكلمة الذين سعوا باجتهاد أن يستخدموا غيرتهم الإلهية على مثال الرسل، لزيادة انتشار وتثبيت الكلمة الإلهية …..]

ثم يختتم كتاب تاريخ الكنيسة كلامه عن بنتينوس قائلاً:

[وبعد أعمال مجيدة كثيرة رأس بنتينوس أخيراً مدرسة الإسكندرية، وفسر كنوز التعاليم الإلهية (الكتاب المقدس) شفوياً وكتابة ].

يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة،
ترجمة القس مرقس داود (v, 10,1-4)

ويقرر كليمندس الإسكندري أنه تتلمذ على يدي بنتينوس وأنه نهل من معين علمه الذي لا ينضب، وهذا الاعتراف من كليمندس في غاية الأهمية، لأنه يكشف لنا أن ما سيكتبه بعد ذلك لم يكن من تأليفه، بل كان من مضمون التقليد الكنسي. ويُورد هذه الشهادة أيضاً الأسقف يوسابيوس القيصري في كتابه “تاريخ الكنيسة“:

[وفي كتاب (كليمندس) وصف المناظر، يتحدث عن بنتينوس بالاسم كمعلمه… قائلاً: “ليس هذا المؤلف كتاباً كتب لمجرد التظاهر، ولكن ملاحظاتي قد ادخرت لزمن الشيخوخة خشية النسيان هي صورة لم تمسها يد الفنان وهي مجرد تسجيل بسيط غير مزوق، للكلمات الحية القوية التي كان لي حظ سماعها، وتصوير لأشخاص مباركين بارزين….
وقد حافظ هؤلاء الأشخاص على التقليد الحقيقي للتعليم المبارك، المسلم مباشرة من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس، إذ كان الابن يستلمه عن أبيه، وقليلون هم الذين شابهوا آباءهم حتى وصل إلينا بإرادة الله لنحافظ على هذه البذار الرسولية] .

ترجمة أسفار العهد الجديد إلى اللغة القبطية:

ومن أشهر الأعمال العلمية التي قام بها العلامة بنتينوس بخلاف تفسيره لأسفار الكتاب المقدس، والتي لم يصل إلينا منها أية كتابات – أنه قام بمساعدة تلميذه كليمندس الإسكندري بترجمة العهد الجديد من اللغة اليونانية إلى اللغة القبطية، وذلك بعد أن قاما بكتابة اللغة المصرية القديمة (الديموطيقية) بحروف يونانية مضافاً إليها سبعة حروف غير موجودة في الأصل اليوناني، وما زالت هذه الترجمة هي المستخدمة في الكتب الطقسية في الكنيسة القبطية حتى الآن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top