قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي
«أجاب حبيبي وقال لي:
قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي،
لأن الشتاء قد مضى… الزهور ظهرت في الأرض»
(نش 2: 10-12)
«قومی»
هذه هي دعوة المسيح للبشرية. إنه يدعوها أولاً إلى القيامة: «استيقظ أيها النائم وقُمْ من الأموات فيُضيء لك المسيح» (أف ٥: ١٤). يُرجح أن هذه الآية كانت من أناشيد الكنيسة الأولى، وأن .ق بولس يستشهد بها کنشید معروف لمن يكتب لهم. لذلك يُقدِّمه بعبارة «لذلك يقول (النشيد المعروف لديكم)».
هذه الآية «قومي يا حبيبتي وتعالي» عندما يقولها الراهب عند استيقاظه من النوم، للوقت يأخذ منها قوة للقيام بنشاط ليتبع الرب.
«وتعالی»
المسيح يدعونا إلى المجيء إليه «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم» (مت ۱۱: ۲۸). وهذه الدعوة هي من قديم الزمان: «هلم (تعالوا) نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج »(إش ۱: ۱۸). ثم إنه لا يقول لنا «تعالوا» أو «قومي وتعالي» بالكلام فقط، ولكنه بالقوة وبالنعمة يجذبنا إليه. إنه وعدنا قائلاً: «أجذب إليَّ الجميع» (يو ١٢: ٣٢)، فهو يدعونا للمجيء إليه ليس بالكلام ولكن بالقوة والجذب الروحي.
كذلك نرى في الرسالة إلى أفسس أن المسيح أسلم نفسه ليُحضر الكنيسة إليه: «كما أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها … لكي يُحضرها لنفسه كنيسةً مجيدةً لا دنس فيها ولا غضن» (أف ٥: ٢٥-٢٧). فالمسيح مات لكي يُحضرنا لنفسه، لكي يُحضر الكنيسة لنفسه، كمثل ما يخطب شاب عروسًا ويُحضرها لنفسه لتكون شريكة حياته. هذا هو تصور ق. بولس لعلاقة المسيح بالكنيسة: المسيح أحبَّ الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها ومات ليُحضرها لنفسه. فدعوة المسيح لنا عندما يقول «تعالوا» أو «تعالي» يا كنيسة ليست هي بالكلام فقط ولكن بالقوة والفعل والبذل إلى درجة الموت لكي يُحضرنا لنفسه.
«الشتاء قد مضى والمطر مرَّ وزال»
الشتاء هو زمن البكاء، والمطر رمز للدموع. لقد بشّر الملاك النسوة حاملات الطيب بأن زمن البكاء قد مضى. فنحن نقول في لحن TENNAT : «لماذا الطيب والنحيب والبكاء تمزجنها مع بعضها يا تلميذات الرب، قال الملاك اللامع عند القبر للنسوة حاملات الطيب. انظرن أنتن واعلمن أنه قد نهض المُخلّص وقام من الأموات].
ويُعبّر أيضًا ق بولس عن هذا المعنى بصيغة أخرى: «الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا :(۲کو ٥: ۱۷). قال هذا تعليقا على قوله
«إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة». الأشياء العتيقة هي الظلمة. فحياة الظلمة، حياة الخطية وتسلُّط الخطية على الإنسان قد مضى عهدها، ولم تعد للخطية قدرة بعد أن تتسلط على الإنسان لأنه بمجيء المسيح ظهر النور فأصبحنا ملتزمين أن نعيش في النور.
عجیب جدا أسلوب ق. يوحنا عندما يقول: «وصيةً جديدةً أكتب إليكم» ثم نقرأ ما بعد ذلك فلا نجد هناك أيَّة وصية بل مجرد خبر. يقول: «وصيةً جديدة أكتب إليكم ما هو حق فيه وفيكم أن الظلمة قد مضت، والنور الحقيقي الآن يُضيء» ( ايو ٢: ۸). فهو خبر، ولكنه سماه وصيةً. لماذا؟ لأن مجرد أن نعرف أن الظلمة قد مضت والمسيح جاء وظهر في الأرض، يُصبح ذلك وصية: إننا نُصبح ملتزمين أن نسلك في النور، ملتزمين أن نسلك كما يليق بالمسيح، بالنور. لذلك يقول ق. يوحنا: «وصيةً جديدةً أكتب إليكم أن الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يُضيء».
حقيقة مجيء المسيح إلى العالم التي سيذكرها النشيد بعد ذلك بقوله: «الزهور ظهرت في الأرض» هي نفس الحقيقة التي قال عنها ق. يوحنا: «فإن الحياة أُظهرت» (۱يو ١: ٢). فالله ظهر في الجسد (۱تي ٣: ١٦)، وظهور المسيح في العالم غيّر الزمن من زمن عتيق إلى الأزمنة الأخيرة، وأصبحنا الآن عائشين في أزمنة النور، في الأزمنة الأخيرة التي لا تتسلّط فيها الظلمة على الإنسان، ولم يعد للشيطان سلطان على البشر.
منذ أن جاء المسيح إلى العالم تغيَّر الزمن هذه الحقيقة أن الزمن نفسه قد تغيَّر نجدها كثيرًا في العهد الجديد. يقول ق. بولس «فأقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن ،مُقصِّر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم، والذين يبكون كأنهم لا يبكون والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم تزول» (۱کو ۷: ۲۹-۳۱).
إن مجرد دخول المسيح إلى العالم قد غير الزمن وجعلنا عائشين في ترقب مستمر للمجيء الثاني. فقد أصبحت كل الأمور الزمنية أمورًا ثانوية. أي شيءٍ يُحزنك أصبح قليل الأهمية، فلماذا تحزن؟ الذين يبكون كأنهم لا يبكون». العلاقة الزوجية أصبحت قليلة الأهمية الذين لهم نساء كأن ليس لهم». وبالمثل الذي يشتري كأنه لا يشتري والذي يستعمل هذا العالم كأنه لا يستعمله. لماذا؟ لأن المسيح جاء إلى العالم، فأصبح مجيء المسيح المسيح هو الحقيقة الأولى الكبرى التي تملأ كياننا لدرجة أنها ركنت كل الأمور الأخرى إلى درجة ثانوية.
يقول ق. بولس بنفس المعنى: «هذا وإنكم عارفون الوقت، إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار. فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور» (رو ۱۳: ۱۱، ۱۲) تناهى الليل وتقارب النهار الشتاء قد مضى والمطر مرَّ وزال والزهور ظهرت في الأرض. الزمن قد تغيَّر، ولم يُصبح عندنا فرصة لنعيش في الظلمة، لأن المسيح أصبح الآن يُضيء العالم، فصرنا ملتزمين أن نعيش كما يحق للنور.
ق بطرس يقول ذلك بصيغة أخرى «لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم، سالكين في الدعارة والشهوات… وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت، فتعقلوا واصحوا للصلوات» (۱بط ٤: ٣، ٧). الزمن الماضي شيء والزمن الحاضر والمُستقبل شيء آخر. في الماضي لم يكن المسيح قد ظهر في العالم … الزهور لم تكن قد ظهرت بعد في الأرض وأما الآن، فإن الحياة أظهرت فصرنا ملتزمين أن نعيش كما يليق بهذه الحياة التي أظهرت.
«الزهور ظهرت في الأرض»
الزهور هي الحياة الجديدة والزهور تظهر دائمًا في الربيع، بعد الشتاء الذي يرمز لزمن الموت. الزهور تبتدئ في الدورة الجديدة في الربيع الجديد، الذي بعده تظهر الثمار، فالزهور دائمًا بشيرة لظهور الحياة الجديدة. «الزهور ظهرت في الأرض» معناها أن الحياة الجديدة ظهرت فإن الحياة أظهرت، وقد رأينا ونشهد وتخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا» (۱يو ۱: ٢).
إن مجيء المسيح أي تجسده يُدعى أحيانًا في الإنجيل «ظهورًا » (انظر مثلاً ۲تي ۱: ۱۰). وقد صارت هذه الكلمة شائعة عند الآباء للتعبير عن ١: التجسد، حتى صارت هي اسم عيد الميلاد والأعياد المتصلة به «أعياد الظهور الإلهي». فلماذا يُحبذ الآباء كلمة «الظهور» عن كلمة «المجيئ» للتعبير عن التجسد ؟
في الحقيقة إن المسيح كان في العالم منذ الأزل: «في العالم كان والعالم به كُوّن، والعالم لم يعرفه» (يو ۱: ۱۰) . والجديد الذي حدث في التجسد هو أن المسيح اتحد بالجسد فصار ظاهرًا للعالم . كان في العالم بطريقة خفية ثم صار ظاهرًا للعالم. فوجود المسيح في العالم لم يبدأ بالتجسد، ولكن ظهوره للعالم هو الذي ابتدأ بالتجسد. ولهذا كان عيد الميلاد أصلاً يُسمَّى عيد الظهور الإلهي. وكان هو مع عيد الغطاس عيدًا واحدًا اسمه عيد الثيؤفانيا وهي تعني الظهور الإلهي، بينما تعني الظهور.
فصل البولس الذي يُقرأ في عيد الظهور الإلهي، أي الغطاس، نلاحظ فيه أن كلمة rubavela بمعنى الظهور، والفعل المُشتق منها قد وردا ثلاث مرات
+ «لأنه قد ظهرت نعمة الله المُخلصة لجميع الناس… منتظرين الرجاء المُبارك وظهور مجد إلهنا العظيم ومُخلصنا يسوع المسيح… ولكن حين ظهر لطف مُخلّصنا الله وإحسانه…» (تي ٢: ١١- ٣: ٤).
فالتجسد يُعبَّر عنه بظهور المسيح للعالم. يقول ق. بولس: «بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أُظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح» (۲ تي ١: ١٠). هذا يعني أن القصد والنعمة أعطيت لنا قبل أن تُخلق في المسيح. الآب أحبَّ المسيح منذ الأزل، ورآنا في المسيح منذ الأزل فأحبَّنا فيه. وقصد منذ الأزل أن يُعطينا ملء النعمة في المسيح. وإنما الذي حدث في التاريخ في الزمن هو أنه أظهرت هذه النعمة وهذا القصد الأزلي، أُظهر بظهور مخلصنا يسوع المسيح.
هذه المعاني نفسها نجدها في رسالة بطرس الرسول الأولى بخصوص دم المسيح.
يقول:
+ «عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، ولكنه قد أظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم» (۱بط ۱ : ۱۸-۲۰).
فالسر الجديد الذي حدث هو ظهور النعمة وظهور الدم الإلهي الذي كان معروفًا عند الآب منذ الأزل في الثالوث في علم الله السابق. كانت كل أعمال الله معروفة منذ الأزل (أع ۱۵: ۱۸) ، وحبه كان موجودًا منذ الأزل. فهو قد أحبنا من قبل أن يخلقنا . ولكن حبّه هذا أظهر في الأزمنة الأخيرة.