أدخَلَني إلى بيت الخمر

«أدخَلَني إلى بيت الخمر
وَعَلَمُهُ فوقي محبة»
(نش 2: 4) 

«أدخَلَني إلى بيت الخمر» 

 

«بيت الخمر» هو بيت الحب الإلهي، لأن الخمر في نشيد الأنشاد كناية عن الحب الإلهي: 

+ لأن حبَّكَ أطيب من الخمر» (۱:۱) 

+ «نذكر حبك أكثر من الخمر» (٤١) 

+ ما أحسن حُبَّكِ يا أختي العروس، كم محبتكِ أطيب من الخمر» (١٠:٤). 

إذن «أدخَلَني إلى بيت الخمر» تعني أدخلني إلى بيت الحب الإلهي، وهذا يمكن أن نعتبره أنه الكنيسة بصفة عامة، أو الدير بصفة خاصة. فما أسعد الراهب الجديد الذي يشعر أن الرب أدخله إلى بيت الحب ليُقدِّم له طيلة أيام حياته كل محبة قلبه ! [عملنا الوحيد هو أن تُحبَّ الله ونُسعد أنفسنا بهذا الحب]. 

الخمر والروح القدس 

الخمر تُعطي حرارةً وفرحًا لقلب الإنسان، كما يقول المزمور: «وخمر تُفرّح قلب الإنسان» (مز ۱۰٤: ۱۵). هاتان الصفتان – الحرارة في القلب والفرح – هما 

 صفتان ملازمتان لحلول الروح القدس داخل القلب. ولذلك نجد في عدة مواضع من العهد الجديد مقابلة بين الروح القدس والخمر: 

– ففي يوم الخمسين كان منظر الذين امتلأوا من الروح القدس يُشبه الذين امتلئوا من الخمر، حتى قال بعض العامة: «إنهم قد امتلأوا سُلافةً»، فأجاب بطرس وقال: «هؤلاء ليسوا سكارى كما أنتم تظنون، لأنها الساعة الثالثة من النهر، بل هذا ما قيل بيوئيل النبي… إني أسكب روحي على كل بشر» (أع۲ : ۱۳-۱۷). 

– كذلك يوصينا الرسول بولس: لا تسكروا من الخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح القدس» (أف٥: ۱۸) هنا مقابلة بين الخمر المادية وبين الروح القدس، فهو يوصينا أن نبتعد من الخمر التي فيها الخلاعة ونمسك بالروح القدس الذي يُعطينا أكثر وأفضل بلا قياس مما تعطي الخمر المادية: 

  • «حرارة في قلوبنا كونوا حارّين في الروح» (رو ۱۲ : ۱۱) 
  • وحبًّا حارًا «لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا» (رو ٥: ٥)، 
  • وفرحا فائقا: «إذ قبلتم الكلمة في ضيق كثير بفرح الروح القدس» (١تس ١: ٦) 
    «لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشربا، بل … فرح في الروح القدس» (رو ۱٤ : ۱۷)
    «
    وأما التلاميذ فكانوا يمتلئون من الفرح ومن الروح القدس» (أع ١٣: ٥٢). 

هذه هي مفاعيل الروح القدس التي تُشبه ولكن تفوق بلا قياس مفاعيل الخمر. لذلك أدخلني إلى بيت «الخمر» تعني أدخلني إلى بيت الروح القدس، إلى بيت الحارّين بالروح الكنيسة هي بيت الروح القدس. لقد قال عنها القديس إيرينيئوس

[حيثما تكون الكنيسة فهناك يكون روح الله، 
وحيثما يكون روح الله فهناك تكون الكنيسة وكل نعمة ]

ضد الهرطقات ٣: ١:٢٤ 

فالكنيسة هي بيت الروح القدس، هي بيت الحارّين بالروح، الممتلئين بالحب الإلهي، الفرحين في الرب كل حين: «لأن سكنى جميع الفرحين فيكِ» (مز ٨٦: ۷ بحسب السبعينية). هذا هو معنى «أدخلني إلى بيت الخمر». 

الخمر ودم المسيح 

لم يكن جزافًا أن يختار المسيح مادة الخمر ليُحمّلها سر دمه. لقد قصد ذلك قصدا ليُشير إلى أن دمه فينا هو سر الحرارة الروحية هو سر الحب الإلهي. لقد فهم ذلك القديس إغناطيوس الأنطاكى، ولذلك نجده كثيرًا ما يربط بين دم المسيح والحب الإلهي: 

[الشراب الذي أشتهيه هو دم المسيح 
الذي هو الحب الذي لا يفنى]

 رسالة إغناطيوس إلى كنيسة روما ٧: ٣ 

 

 

[تجدّدوا في الإيمان الذي هو جسد الرب
وفي الحب الذي هو دم يسوع المسيح ] 

رسالة إغناطيوس إلى كنيسة تراليا ١٨ 

[أمجد يسوع المسيح إلهنا… 
لأني أراكم راسخين في المحبة في دم المسيح ]

رسالة إغناطيوس إلى كنيسة سميرنا ١:١ 

[إنكم متشبهون بالله ومضطرمون بدم الله !] 

 رسالة إغناطيوس إلى كنيسة أفسس ۱: ۱

هكذا نفهم أدخلني إلى بيت الخمر بمعنى أدخلني إلى الكنيسة التي هي بيت الخمر الروحية، بيت المشتعلين بحرارة الروح القدس وبحرارة دم المسيح المنسكب في قلوبنا! 

«وعلمه فوقي محبة» 

هذا هو العلم الذي جعله المسيح فوق رؤوسنا. 

هذه هي العلامة المميّزة التي يعرف بها الجميع أننا تلاميذه: 

«بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حب بعضكم لبعض» (يو ١٣: ٣٥).

عَلَمُنا ليس مرسومًا عليه سيف ولا أسد، ولا تاج ولا مطرقة ومنجل، بل صليب الحبيب الذي بذل نفسه لأجلنا، فصارت محبته تحصرنا (٢کو ٥: ١٤) 

صارت محبته هي شعارنا وهي الموجهة لحياتنا كلها ولكل أعمالنا. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top