ألكسندروس الثاني
البابا البطريرك الـ ٤٣
(٦٩٥-٧٢٠م)
وظل المسيح يُدبِّر الكنيسة:
وهذا أمر طبيعي، لأن المسيح في الترتيب الكنسي )حسب كتاب “الدسقولية” تعليم الآباء الرسل الإثني عشر): هو “الأسقف الكبير فوق الأساقفة” هكذا ختم كاتب سير البابوات البطاركة سيرة البابا سيمون بعد ذكره خبر نياحة البابا الثاني والأربعين في عداد بابوات وبطاركة الكرسي المرقسي بالإسكندرية.
ولعل كاتب هذه الجملة لاحظ أن سيرة البابا الذي سيخلفه ستكون ملأى بالآلام والضيقات التي ستحل بالبابا وبالكنيسة، فسبق وسجّل اعترافه ،وإيمانه وهما اعتراف وإيمان الكنيسة كلها على مدى الأجيال، بأنَّ رأس الكنيسة الحي الدائم إلى الأبد هو الرب يسوع المسيح الجالس عن يمين الآب في السماء.
اختيار قائم مقام البابا
وكتقليد الكنيسة بعد نياحة البابا الإسكندري كان الأراخنة يتعاونون مع الآباء الأساقفة في اختيار قائم مقام البابا ليقوم بإدارة شئون الكنيسة مؤقتاً، وباتخاذ إجراءات انتخاب البابا الجديد خليفة مار مرقس الرسول
وهكذا بدأ الأرحُن (أي أحد المقدَّمين في الشعب) “أثناسيوس” رئيس ديوان الأمير (الذي ظل خادماً أميناً للكنيسة بعد المبادرة الأبوية التي أظهرها له البابا السابق سيمون بشفاء ابنه)، بدأ بالتشاور مع رفقائه أراخنة ومُقدَّمي الأقباط الذين يعملون معه في ديوان الأمير عبد العزيز ومع الآباء الأساقفة، واتفقت كلمتهم على مقابلة الأمير.
فلما مثلوا أمامه طلبوا منه أن يعهد إلى الأنبا غريغوريوس أسقف “القيس” بالإدارة المؤقتة لشئون الكنيسة، وأوضحوا له أنه لابد من الحفاظ على مال الكنيسة وكل ما يتعلق بها، وأنهم اختاروا هذا الأسقف لِمَا عُرف عنه من الحكمة والعلم، فأصدر الأمير مرسوماً بذلك.
اختيار راهب كفء لرسامته أسقفاً لمدينة الإسكندرية
وقد كان موضوع إقامة بابا للكنيسة في عصر الحكم العربي لمصر أمراً لا يستريح له الحكام العرب كثيراً. لذلك بدأت الصلوات تُرفع إلى أن طاب قلب الولاة على ذلك بعد سؤالات كثيرة لله وبإرادة الرب يسوع المسيح العارف بمن يختاره من الطاهرين الأنقياء القلب.
ولهذا تأخر انتخاب البابا ثلاث سنوات كاملة بعد نياحة البابا سيمون، إلى أن عثروا على راهب من دير الزجاج، وكان راهباً وديعاً لم يكن فيه عيب عالماً بالكتب من صغره. وهكذا أتوا به إلى الأمير.
ويقول كاتب تاريخ البطاركة : إن “الأمير نظر النعمة في وجهه”، فترك لهم الحرية – بإرادة الله – أن يُقدِّموا الراهب ألكسندروس بطريركاً.
وقد اتفق الشعب الأرثوذكسي بحضور جماعة من الأساقفة والكهنة ومُقدَّمي الشعب وكتاب ديوان الأمير ، فكرَّسوا الراهب ألكسندروس أسقفاً على مدينة الإسكندرية العظمى وبطريركاً على الكرازة المرقسية (أي وَضَعَ الأساقفة كلهم أياديهم على رأسه وهم يصلون صلوات الرسامة)، وكان ذلك في يوم تذكار استشهاد القديس مار مرقس، آخر برمودة سنة ٤١١ للشهداء / ٦٩٥ ميلادية بتقويم ذلك الزمان.
وعمَّت المسرَّة العظيمة كورة مصر، وخاصة الأرثوذكسيين، برسامة وقسمة البابا ألكسندروس ليكون البابا الثالث والأربعين من سلسلة خلفاء مار مرقس الرسول على كرسي الإسكندرية. وعلى الأخص أن أمور الكنيسة كانت مُعطَّلة ثلاث سنين كانوا فيها كاليتامى (هذا التعبير كنسي مُسْتَقَى من طقس رسامة البابا لكونه الأب والراعي لإيبارشية الإسكندرية، وبهذه الصفة يكون هو الأب الأكبر والمقدَّم بين كل أساقفة الشعب الأرثوذكسي).
وكان الرب مع الأب ألكسندروس يُسهل جميع أموره وذلك لتواضعه وعفته واتكاله على الرب وحده مُدبِّره. وهذه الأوصاف تُسجَّل دائماً عن بابوات الإسكندرية الذين كانوا دائماً هم هدف الشيطان وأعوانه لإقلاق راحتهم وإزعاجهم حتى تنزعج رعية المسيح. فكان اتكال البابا على الرب وحده هو السلاح الوحيد في يد البابا لحل كل مؤامرات إبليس وسعايته ضد كنيسة المسيح.
بداية الآلام:
بعد مضي أيام يسيرة اجتازها البطريرك في راحة وسلام أثار الشيطان حرباً جديدة على الكنيسة والأساقفة؛ إذ كان للوالي عبد العزيز ابن اسمه الأصبغ، وكان يسعى أن يجلس والياً على مصر بعد وفاة والده عبد العزيز. وكان عبد العزيز قد ولاه على جميع البلاد والياً ومستخرجاً (أي متلقياً للخراج أي الضرائب والجزية). وكانت كل الرتب في البلاد تسمع له بخوف، أولاً لأنه ابن الأمير، وثانياً بسبب السلطان الواسع الذي أَوْلاه إيَّاه والده. وكان الأصبغ هذا مبغضاً للمسيحيين، سفاكاً للدماء، رجل سوء، يُلقبه تاريخ البطاركة بأنه “كان كالسبع الضاري“.
الخيانة من الداخل:
إلا أن إبليس كان يحلو له أن يُحطّم الكنيسة من الداخل من خلال أعوانه الذين يُسلّمون نفوسهم خداماً له. وهكذا انضوى شماس لهذا “الأصبغ” كان اسمه “بنيامين”، وكان يتملقه ويُظهر له ولاءً أكثر من جماعة أصحابه، ويُعرّفه بأسرار المسيحيين بسعايته، حتى أنه ترجم له الإنجيل من اللغة القبطية، وكان يشي له بمن يشتم المسلمين وليس هذا فقط، بل كانت جماعة تعبد النار تسعى عنده بالرهبان وتشي بهم ، ويدَّعون أمام الأصبغ أنهم يأكلون ويشربون. فأرسل عاملاً عنده اسمه يزيد، اضطهد الرهبان في كل البلاد وفي وادي هبيب بالذات (برية شيهيت) وفرض عليهم جزية ديناراً واحداً على كل ،راهب وأمرهم أن لا يُرهبنوا أحداً. وهذه أول جزية فُرضت على الرهبان أما الأساقفة فقد فُرض على كل منهم ألفا دينار إضافة على الضريبة المفروضة على الأراضي التابعة لإيبارشياتهم. وكانوا يقومون بدفع كل هذا سنوياً. أما بنيامين الشماس فكان أشر من كل الذين يُهيجون الأصبغ، مما اضطر البعض أن يُأَسلموا، ومن بينهم بطرس والي الصعيد وأخوه تادرس وابن ثيئوفانس مُقدَّم مربوط، وجماعة كهنة، وآخرين من الشعب العلمانيين لا يُخصون من كثرتهم.
القضاء الإلهي
ولكن المسيح لم يُمهل هذا الأصبغ، بل في زمان يسير أَزْعَجَه من مسكنه لبغضه للشعب المسيحي؛ إذ لَمَّا كان يوم سبت النور، دخل الأصبغ إلى دير حلوان، ولما نظر إلى الصور التي تُزين جدرانه وتأملها، وكان من بينها أيقونة القديسة الطاهرة مريم والطفل يسوع في حضنها، قال للأساقفة والذين معه : لِمَنْ هذه الصورة؟ فلما قالوا له: هذه مريم أُم المسيح، افترى عليها وملأ فمه بُصاقاً وبصق في وجهها، وقال: إذا أُتيح لي الزمان فسوف أمحو النصارى من على وجه هذه البلاد، ومن هو المسيح حتى تعبدوه إلهاً.
ولما كان هذا، ففي تلك الليلة، أنزل الله عليه شدَّة. فلما أصبح الصباح، جاء إلى أبيه، فوجده جالساً وسط جماعة من المسلمين والمسيحيين، وكان يوم أحد الفصح المقدس. فسرد لوالده: نظرتُ وكان واحد جالساً على كرسي عظيم مُشرقاً مُهاباً جداً، ووجهه يُشرق نوراً أكثر من شعاع الشمس وحوله ألوف وربوات ولباسهم أبيض كالثلج؛ أما أنا وأنت فكنا واقفين خلفه مربوطين بسلاسل من حديد.
ويكمل الابن أنه سمع أحد الجالسين حول العرش يقول: هذا يسوع ملك المسيحيين الذي هو أَجَلُّ وأعلى من جميع ملوك الأرض، هذا الذي هَزَاتَ أنت به وبصقت في وجهه. وفي المنام، رأى ما يراه النائم أنه أَسْلَم الروح بين يدي الشياطين. ولما سمع والده هذه القصة حزن جداً، ومرض الابن بحمى شديدة وأسلم الروح، وبعد أربعين يوماً مات أبوه .
وهكذا انتهى حُكْم الوالي عبد العزيز بعد عشرين سنة من اعتلائه، سعد فيها المصريون عموماً بالاستقرار، وكانت هذه المدة أطول مدة قضاها وال على حُكم مصر.
الوالي الجديد رمز للقسوة والعنف:
وكان عبد الله هو الوالي الذي خَلَف عبد العزيز مباشرة. وإن اسمه وأسماء الولاة الذين خلفوه قد أصبحت في أفواه المصريين مترادفات للقسوة والتعسُّف والتجرُّد من الرحمة. فقد ضاعفوا الضرائب، ثم تذرّعوا بالعنف لتحصيل هذه الضرائب عنوة من الشعب المصري، بل إنهم تشدَّدوا في جبايتها إلى حد أنه حين كان يموت شخص لا يحصل أهله على التصريح بدفنه ما لم يدفعوا ضريبة مقررة على الموتى. كما أن الفقير الذي لم يكن له ما يسدُّ رَمَقَه، كان هو أيضاً عُرضة لبطش هؤلاء الولاة لأنهم لم يعفوه من دفع الضريبة.
ولم يجد الشعب المصري مخرجاً له من كل هذا التعسُّف إلا برفع ناظريه نحو السماء في صمت واستعطاف، راجياً من رحمة الله أن تتداركه وبالطبع كانت الضريبة على القبطي الذي لم يؤسلم أضعاف مقدارها على الذي أسلم، وخاصة في عهد ولاية “قرة بن شريك“، الذي أدّى تعسفه إلى أن يبيع الأقباط الأواني الفضية الخاصة بالمذبح ويستبدلوها بأواني خشبية أو زجاجية، لكي يُسدّدوا الجزية المفروضة عليهم من هذا الوالي الطاغية ،وغيره، والذي أبدى المصريون المسلمون سخطهم عليه كما أبداه الأقباط.
فرض اللغة العربية لغة رسمية للبلاد بدلاً من اللغة القبطية:
وفي هذه الفترة الحالكة من البطش ،والاستبداد، أعلن عبد الله اللغة العربية لغة رسمية للبلاد بدلاً من اللغة القبطية وبدأ الأقباط في تعلم هذه اللغة قَسْراً؛ بل تعمقوا في دراستها، وبرع الكثير منهم فيها، كما يذكر ذلك كتاب “تاريخ البطاركة”.
موقف الوالي الجديد من الأب البطريرك:
عندما ولَّى الخليفة عبد الملك بن مروان (ومركز إقامته في دمشق) ابنه عبد الله على مصر؛ بدأ بأعمال التنكيل التي يُظهر بها جبروته أمام المصريين ليهابوه وكالعادة المتبعة، توجه البابا ألكسندروس من الإسكندرية إلى الفسطاط (مركز إقامة الوالي) ليُسلّم على الوالي الجديد. فلما دخل عليه البابا ورآه الأمير عبد الله سأل حاشيته: “مَن هو هذا”؟ فقالوا له: “هذا أب وبطريرك جميع الأقباط”. فأمر حُجَّابه بالقبض عليه وسلَّمه لأحدهم وقال له: “افعل به كل ما تريد من الهوان إلى أن يقوم بدفع ثلاثة آلاف دينار”. فأخذه هذا الحاجب وأقام عنده ثلاثة أيام. وكان الأقباط يتابعون الموقف ويرجون أن يتنازل الوالي عن طلبه فلم يفعل. وكان الجميع في قلق عظيم، وصار خوف على الأساقفة والرهبان لأجل هذه الغرامة المفروضة على الأب البطريرك.
وكان من بين مشاهير أراخنة الأقباط في ذلك الوقت الشماس جرجس التمراوي (وهو الذي سجَّل تاريخ البطاركة في الفترة من حبرية البابا كيرلس الكبير البطريرك الرابع والعشرين إلى البابا ألكسندروس الثاني معاصره. وقد أخذ عنه فيما بعد العالم ساويرس بن المقفع في القرن العاشر في تصنيف مؤلّفه المشهور تاريخ البطاركة“. وقد كتب الشماس جرجس كتابه هذا وهو في دير الأمير تادرس وفي دير القديس مقاريوس بوادي النطرون) هذا الشماس العالم توجه إلى الوالي عبد الله شأن هذه المسألة وسأل الوالي: “يا سيدنا، هل أنت تطلب نفس البطريرك أم تطلب مالاً؟” وكان السؤال محرجاً وذكياً في الوقت نفسه. فرد عليه الوالي : “بل أريد مالاً”. فردَّ عليه الشماس جرجس : “ضُمَّني إليه لمدة شهرين أطوف مع أبينا البطريرك الوجه البحري، وأطلب له من الأراخنة والمسيحيين، وأقوم أنا نيابة عنه بالثلاثة آلاف دينار”. فأفرج الوالي عن البابا وسلمه إلى الشماس جرجس، حيث طاف الاثنان المدن والقرى على المؤمنين بالمسيح، حتى حصل على ،المال فحمله وقدَّمه إلى الوالي الذي عفا عن البابا مقابل المال.
تذمر كهنة وشمامسة الإسكندرية على البطريرك:
ويبدو أن هذه الأزمة انعكست على الكهنة بكنائس الإسكندرية، إذ كان هؤلاء يتقاضون تبرعات من مقر الكرسي البطريركي منذ زمان الملك قسطنطين في القرن الرابع، الذي فرض على خزينة الحكومة أن تدفع مرتبات هؤلاء الكهنة، وصارت كعادة أن تدفع البطريركية هذه المرتبات للكهنة والشمامسة، حتى بعد زوال الحكم البيزنطي. فلما تعيَّن البابا ألكسندروس قطع هذه المرتبات عدة سنين بسبب الغرامات الباهظة والضرائب التي ألزمته بها الحكومة الجديدة بدفعها لخزينة الدولة. ومن شدَّة ضيقه أُجبِرَ على بيع أواني الكنيسة الفضية والذهبية واستخدام أواني خشبية وزجاجية بدلاً منها، ثم لَمَّا لم تَقْوَ البطريركية بعد تلك الغرامات على سد مصاريفها الضرورية؛ قَطَعَ البابا هذه المرتبات التي كانت تأتي من الحكم البيزنطي الذي ولى.
ولما ضاق الحال بكنائس الإسكندرية وتعطلت حركتها، وافتقر خدامها لعدم صرف مرتباتهم عدة سنين، اجتمع الكهنة والشمامسة في كنائس الإسكندرية وانطلقوا إلى الأب البطريرك، وطلبوا صرف مستحقاتهم والجري على عادة أسلافه. وردَّ الأب البطريرك بما جبل عليه من الرفق شأن الأب المترفّق على أولاده قائلاً : ” إن البطريركية بسبب ما طرأ عليها من البلايا، أصبحت محتاجة إلى مؤازرتكم ومساعدتكم، فمِدُّوا لها أيدي المساعدة كأبناء محبوبين يترفّقون بأمهم عند مرضها وشدتها”. فلما لم يقتنعوا، أوضح لهم أن هذه المرتبات كانت تُصرف من خزينة الحكومة البيزنطية، إذ فرضها عليها الملك قسطنطين الكبير؛ فلما تغيَّرت هيئة الحكومة، استمرت البطريركية تصرفها بلا إكراه ولا إجبار، بل برغبة واختيار إلى أن عجزت عن سدادها بسبب الغرامات المفروضة عليها.
ولما لم يقتنعوا، خرجوا من عنده وصاروا يُهيّجون الشعب عليه. وقد استمر البابا ألكسندروس في تعب وقلق من جراء ذلك عدة سنين حتى تشتت هؤلاء الكهنة وضعفت شوكتهم. *
وهكذا كما صادف هذا البابا البلايا من الخارج، كذلك صادفها من الداخل أيضاً.
ليس هم واحد
وقد تضاعف بؤس المصريين بما حل بالبلاد من قحط ووباء، فهلك منهم الكثير لأن أجسامهم كان قد أنهكها الفقر والخوف، فلم تعد لديهم القوة على المقاومة .
وكان هذا الوالي يستهزئ بالمؤمنين بالمسيح. وكان يجمع إليه الأساقفة والمقدمين من الشعب (الأراخنة) والرهبان ويهزأ بهم ويتجبّر بكلام صعب، ويقول لهم: “مَنْ قتل واحداً منكم غفر الله له لأنكم أعداء الله”. وكان يُضاعف الخراج على الرهبان والكهنة، حتى أن كنائس كثيرة خربت بهذا السبب. وكان محباً للمال وأخرج رجلين هما: عاصم ويزيد ومعهما جماعة من الأعوان، وأنزلوا على الناس بلايا كثيرة، حتى أن الفقراء الذين لا خُبزَ لهم كانوا إذا ماتوا لا يدفنهم أحد إلا بأمره.
دوام الحال من المحال
وظل الوالي عبد الله ينسج على هذا المنوال حتى حدث ما لم يكن في حسبانه، إذ بينما هو جالس في قصره يوماً، فوجئ بِوَالٍ جديد يدخل عليه اسمه ”قرة وجلس والياً بدلاً منه؛ إذ لم يكن يدري أن الخليفة عبد الملك في دمشق قد مات وتولى مكانه ابنه الأكبر “الوليد”، الذي لما جلس على كرسى الخلافة بدأ يعزل الولاة ويُولّي غيرهم من أصحابه. وهكذا ولى “قرة” على مصر، الذي لم يكن يعرف ”عبد الله” هذا. وهكذا لحفت بعبد الله فضيحة عظيمة وخزي وهو يغادر مكان الولاية. وأنزل ”قرة الوالي الجديد بأصحاب الوالي القديم عبد الله، سواء من المسلمين أو من المؤمنين بالمسيح بلايا عظيمة وطرحهم في السجون حيث أقاموا فيها سنة.
بدء الضيق على يد الوالي الجديد “قُرَّة”:
ولكن الوالي الجديد “قرّة” لم يكن بأفضل من سابقه إذ ألحق بالكنائس والرهبان بلايا كثيرة. فلما وصل ”قُرَّة إلى مصر، مضى الأب البطريرك كالعادة ليُهنئه بالولاية ويُحييه. فلما مَثَل أمامه، قبض عليه الوالي وقال له : “ما قبضه منك عبد الله بن عبد الملك، عليك أن تقوم لي بمثله” فردَّ عليه الأب البطريرك : “إن شريعتنا تأمرنا أن لا تكون لنا مقتنيات ولا ذهب ولا فضة، بل نصرف حاجة معيشتنا يوماً فيوماً على أنفسنا وعلى الفقراء والمحتاجين. ولكن ما فعله عبد الله معي كان بسعاية أهل السوء حتى ظلمني والزمني بثلاثة آلاف دينار، ولَمَّا لم يجد معي منها شيئاً أخرجني إلى البلاد حتى أتصدق، حتى وفق الله ما طيب به نفسي إلى الآن خمس مئة دينار. فمن أين يكون معي شيء مما تطلبه؟ فردَّ عليه الأمير: أتحلف لي أنَّ ليس معك ذهب؟ فقال له الأب البطريرك: “قد أمرنا الله أن لا نحلف ،البتة، فصدقني الآن أن الخراج الذي تطالبني لا أقدر عليه، والله يعلم أن ليس عندي ذهب”. فلم يُصدقه الأمير.
فلما رأى الأب البطريرك أن لا فائدة من إقناع الأمير، طلب منه أن يسمح له بالسفر إلى الصعيد، ومهما فتح الله عليه بصدقات الناس يُرسله إليه. فسمح له بالسفر إلى الصعيد. وصار البابا البطريرك يطوف المدن والقرى ويسأل وكان الرب يسوع يشفي مرضى كثيرين بصلواته (لاحظ، أيها القارئ ، كيف يصف الكاتب القبطي القديم المعجزات، إذ لا ينسبها إلى إنسان بشري، بل إلى الرب يسوع، وأن دور البابا البطريرك هو الصلاة).
على أن زيارة البابا الإجبارية للصعيد كانت بتدبير الله ولتكميل مقاصده لخلاص نفوس المؤمنين، إذ سببت فرحاً شديداً للشعب المصري المسيحي في الصعيد، وأدت إلى تعزية وتثبيت المؤمنين هناك، إذ لم يَزُرْهُم بابا منذ عهد البابا بنيامين (٦١٧-٦٥٦م، أي منذ ١٠٠ سنة).
ويقول كاتب سيرته الشماس جرجس – الذي كان في الوقت نفسه وكيل البابا البطريرك – إن البابا ألكسندروس كان مهتماً بخلاص كل أحد من الناس. فلهذا، كما يقول كاتب السيرة: إن الرب يسوع فعل في أيامه أموراً عجيبة. فمقابل الآلام والمحن الشديدة التي تكاثرت على البابا ألكسندروس وعلى شعبه المسيحيين كان الرب يسوع يعمل أعمالاً عجيبة ليتمم مقاصده ويحفظ كنيسته ووديعة الإيمان المسيحي في صدور وقلوب البابا والمؤمنين.
وهذه هي سمة مسيرة الكنيسة القبطية منذ كرازة القديس مرقس الرسول في القرن الأول وحتى إلى القرن الحادي والعشرين وإلى الأجيال التابعة.
إلا أن عَشْرةً حدثت من وسط المؤمنين أحرجت البابا أمام والي البلاد.
العثرات من الداخل، وإحراج البابا على يد أتباعه:
وقبل أن نذكر هذه العثرة التي أَخْرَجَتْ البابا وهو يطوف بلاد الصعيد يجمع الصدقات من أهلها (الذين ناءت أكتافهم بثقل الجزية والضرائب والخراج)، لابد أن نُسجِّل أنه منذ مجمع خلقيدونية المشئوم وانقسام الكنيسة إلى قسمين بدأت المستويات الروحية للشعب في التدهور نتيجة تحول دفة التعليم إلى التنازع على الألفاظ اللاهوتية المختصة بشرح أسرار تجسد ابن الله الوحيد.
وكانت النتيجة ظهور بدع وسط الشعب ووسط الرهبان منها بدعة الغيانيين التي ظهرت في عهد البابا بنيامين الأول الذي عاصر الغزو العربي، ومنها بدعة الموحدين وهي بدعة لم تذكر صراحة في تاريخ الكنيسة لارتباطها بالأفكار الإسلامية التي وفدت مع الغزو العربي، ويبدو أن البعض من هؤلاء الموحدين حاول الترويج لها وسط الرهبان وكانت هذه البدعة تنكر أسرار التجسد، وتشوّه سرَّ الإفخارستيا وتسخر من نعمة الاتحاد بالله والبُنُوَّة التي أسبغها الله على البشرية المُجدَّدة بالمسيح، ونادت بعقاب أرضي على كل خطية، وتنزيه الله عن شركته مع بني البشر.
كل هذه التعاليم الغريبة وغيرها أضعفت الحس الروحي لدى الشعب، وأدخلت التهاون في قلوب بعض الأراخنة والرهبان ما رأيناه أثناء سردنا لسير بعض الآباء البطاركة السابقين على البابا ألكسندروس ، وما سنراه هنا في هذه الحادثة المؤسفة. وكان من نتيجة هذا التدهور الروحي، ظهور هذه الحوادث المؤسفة كأنها بثور على جسم الكنيسة تكشف عن الأذى الذي لحق بأعضاء الكنيسة نتيجة التعاليم الروحية الخاطئة.
ذلك أنه بينما كان البابا يتجوّل في الصعيد بناءً على أمر الوالي الجديد، ونتيجة اعتراف البابا أنه راهب لا يملك دنانير ليُسدّد بها الغرامة التي فرضها عليه الوالي حدث أن راهبين تلميذين السائح متوحد اسمه فيتا باسطوس عثرا في أثناء حفرهما الأرض في الصخرة التي يسكن فيها المتوحد على خمسة أوعية نحاسية مملوءة بدنانير ذهبية من أيام حكم البيزنطيين، فأخفيا أحدها وقدَّما الباقي للأب السائح الذي سألهما بقلب طاهر: “هل هذا كل ما وجدتماه؟” فقالا : نعم. فَسُرَّ بذلك، ثم قال لهما: “قد وفق الله هذا المال للأب البطريرك”. وأرسلها لوكيل البطريرك وكاتبه ليدفعا للوالي عن الأب البطريرك ، فأخفياها هما أيضاً، بينما أخذ الراهبان يُبدران ما استوليا عليه، وتركا الرهبنة، وابتاعا لباساً فاخراً وأشياء أخرى. فشاعت أعمالهما، ووقعا في يد الوالي وكاتبه. فقبض الكاتب على أحدهما وسأله من أين لك هذا المال؟ فاعترف الراهب بكل ما حدث، وحينئذ أبلغ الكاتب الوالي قُرَّة . فاستشاط غضباً، وأمر بغلق الإبيسقوبيون“ (وهو اللقب الذي كان يُطلق على المقر البابوي في الإسكندرية ومعناه : الدار الأسقفية” أي أسقفية مدينة الإسكندرية العظمى)، وصادَرَ كل ما فيها من أوانٍ وذهب وكتب، وانتقم من أتباع البطريرك الذين استولوا على الأربعة الأوعية الممتلئة بالدنانير. ثم بعث إلى البطريرك بالصعيد يستدعيه، وهم بقتله بسبب ذكره له أنه ليس معه ذهب.
ويقول كاتب السيرة إن أتباع البطريرك جميعهم هربوا وتركوا البطريرك وحده أمام الوالي، تماماً كما هرب الحواريون ليلة القبض على الرب يسوع ومحاكمته. فلما مَثَلَ البطريرك أمام الوالي وهمَّ بقتله (يقول كاتب سِير البطاركة) إن الرب منعه من ذلك فكبّله بالحديد وطرحه في السجن وتركه سبعة أيام ثم ألزمه بالثلاثة الآلاف دينار، وأرجعه الوالي مرة أخرى إلى الصعيد. وظل البابا يجمع الأموال حتى أوْفَى الدَّيْن.
ويقول كاتب سيرة البابا ألكسندروس الثاني تعقيباً على الآلام التي قاساها ألماً وراء ألم : [… كل هذا وهو صابر على تبكيتهم وداعياً إلى المسيح راعي الرعاة أن يتسلم منه شعبه بسلام].
دور الأراخنة في أيام الآلام والمحن
كان إنسان اسمه يؤانس أَرْخُن (كلمة يونانية ومعناها “رئيس” أي واحد من شعب الكنيسة له مركز في السلطة الحاكمة) دبَّر الله أن يكون له قبول لدى الولاة. فمضى إلى الوالي “قُرَّة”، وقال له: “يجب أن تعلم أن الرهبان والأساقفة الذين في سائر الأماكن قد ثقلت عليهم “الخراج“. وها أنا أعرض عليك حلاً سهلاً : إذ نحن نعرف حال الشعب، فإن رأيتَ أن توليني أمرهم، فسأستخرج لك هذا الخراج حسب حالة كل واحد، حيث إن بعضهم ميسر الحال، والبعض الآخر لا يقدر على توفير قوت يومه. وكأنه يريد أن يُحصل منهم الضرائب حسب الدخل الحقيقي لكل واحد (وهذا أقرب ما يكون لنظام الضرائب الحالي، مع الفارق طبعاً في أسلوب تحديد الدخل).
نموذج للآلام التي عاناها الشعب المصري في عهد “قُرَّة”:
يقول كاتب سيرة البابا ألكسندروس إن الأمير قُرَّة كان مُحبّاً لجمع المال، وكان كل “أَرْحُن” يموت يأخذ جميع ماله وكان قد مات صاحب ديوان الإسكندرية، وبقيرة الذي كان كاتباً من تنيس، وجماعة أخرى لا يُحصى عددهم في مصر (أي الفسطاط). فأخذ الوالي ما تركوه من أموال، حتى الأساقفة فعل معهم نفس الشيء. وزاد على البلاد مائة ألف دينار غير الخراج المفروض عليهم، حتى أن الناس كانوا يهربون هم ونساؤهم وأولادهم من مكان إلى مكان بعيد يأويهم ويُخرجهم من دائرة المطالبات بالخراج.
ويُذكر أنه عيّن والياً على سخا‘ كان يجمع هؤلاء الذين هربوا من مصر وأتوا إلى سخا، ويبطهم ويعيدهم كل واحد إلى موضعه. وكان على الناس بلايا عظيمة.
ثم أنزل (الله حسب السيرة -) على أرض مصر وباءً عظيماً ولم يَعُدْ يُعرف عدد الذين يموتون فيه كل يوم ودخل الوباء إلى منزل الوالي ”قُرَّة” نفسه فماتت نساؤه وغلمانه. وكان يهرب من موضع إلى موضع لعله ينجو من الوباء ولا يموت حتى انهارت قوَّته، فمات بغتة ميتة سوء.
علاقة مسيحيّي أنطاكية وبطريركهم مع الكنيسة القبطية:
كان بطريرك كنيسة أنطاكية المتولّي على الكنيسة هو “يوليانس“ منذ عهد بابا الإسكندرية يؤانس (تنيح ٦٧٣م) إلى أيام البابا الكسندروس ثم تنيح البطريرك الأنطاكي يوليانس، فاجتمع أساقفة الكرازة الأنطاكية في بلاد المشرق ليُقيموا بطريركاً لهم كالمعتاد عوضاً عن البطريرك المتنيح. ولكن الخليفة الوليد لم يُمكنهم من ذلك وقال : لن أدع بطريركاً يُقام في أيامي. وكان الأنطاكيون حزانى جداً لهذا السبب.
ولما تأخروا في رسامة البطريرك الجديد، لجأوا إلى حيلة وهي أن يُكلّفوا أسقفاً تقياً اسمه “إيليا“ أن يقوم بأعمال بطريرك أنطاكية (وذلك لأنهم لم يستطيعوا أن يرسموا راهباً على كرسي أنطاكية حسب القانون الكنسي)، وكتب هذا الأسقف بعد تجليسه رسالة السينوديقا (المعتاد إرسالها من كل بطريرك أنطاكي أو إسكندري للبطريرك الآخر ليشرح له فيها معتقده السليم، وأرسل الرسالة أسقف اسمه استفانوس إلى الأب البطريرك ألكسندروس يشرح له فيها الإيمان المستقيم، ويُوضح له لماذا اضطر الأساقفة مؤقتاً إلى تكليف أسقف بهذه الخدمة بخلاف القانون “إلى حين زوال الغضب كما ذكر في الرسالة، أي إلى حين زوال العارض الذي ألجأهم إلى هذه المخالفة، وذلك لكي يتمّم الشرطونيات أي رسامات الأساقفة في الإيبارشيات الخالية. وقد قبل البابا ألكسندروس خطابه هذا، وكذلك قبلَ العذر الذي أورده لتبرير هذا التجليس إلى حين زوال السبب الذي أدى إليه.
عودة مناوشات البطريرك الخلقيدوني من جديد
فإن طبيباً بيزنطياً كان يسكن الإسكندرية اسمه أنوبيس، وكان من المتشيعين لمجمع خلقيدونية، وكانت لا تزال هناك جالية بيزنطية ذات شأن تعيش في الإسكندرية؛ هذا الطبيب استطاع أن يستميل إليه والي الإسكندرية. فاستغل هذه الوظيفة والحظوة التي نالها لدى الأمير، فأقنعه أن يُقيمه بطريركاً يونانياً على الإسكندرية. ولما تمّ لهذا الطبيب ما أراد، أخذ يُناوئ البابا ألكسندروس الثاني ويسخر منه جهاراً على مسمع من الجميع. فغضب الشعب الإسكندري المخلص لإيمانه الأرثوذكسي وثار في وجه الدخيل المغتصب وطلبوا قطعه، فاضطر إلى أن يلجأ إلى البابا ألكسندروس، حيث تلقاه البابا بصدر رحب.
فامتلأ أنوبيس خجلاً من هذه المعاملة الكريمة القائمة على تعليم الإنجيل، إذ هكذا كانت شيمة بطاركة الإسكندرية. وكما يقول كاتب السيرة : فقَبِلَه بمحبة مسيحية وعاد إلى وصايا الله الذي قال: «إذا رأيت حمار عدوّك مُلْقَى مثقلاً، فلا تنصرف عنه إلى أن تنهضه».
تعدد المناوءات من الولاة:
وبعد موت قُرَّة، أرسل الخليفة الوليد من دمشق والياً اسمه أسامة، بدأ ولايته بالمناوءات اللازمة. فلما بدأ بذلك، حدث غلاء عظيم لم يُسمع به منذ القرن الأول، مات فيه أكثر يمن ماتوا في الوباء السابق وتبع ذلك رخاء عظيم.
وفي هذا الرخاء بدأ الوالي “أسامة” في ممارسة أفعاله الرهيبة ضد المصريين عموماً، وكان المسلمون قبل الذين ظلوا على إيمانهم بالمسيح، خائفين منه وضيَّق على المواطنين مانعاً إياهم أن يأووا أي غريب، وسجّل أسماء الرهبان في كل دير لكي لا يسمح بأي غريب أو محتال أن ينتحل الرهبنة وكان يستولي على أموال الناس ويقتل جماعات تحت العقوبة. وقد أسهب كاتب سِيَر البطاركة في ذِكر هذه المآسي بالتفصيل.
وتوفّي الخليفة سليمان بن عبد الملك، ومَلَكَ مكانه عمر بن عبد العزيز الذي كان والياً على مصر، فأرسل والياً إلى مصر، فقبض على أسامة وجعله في الحبس مُقيَّد القدمين، ثم أخرجه من الإسكندرية إلى مصر، فقبض الله روحه في الطريق.
بعض الفَرَج من بَعْد الضيق، ثم عودة الضيق:
وقد أمر عمر بن عبد العزيز واليه أن يمنع الخراج عن الكنائس والأساقفة، وأبطل الجباية الزائدة، وعمَّر المدن التي خربت واستنشق المصريون طعم الهدوء والأمن إلى حين.
ولكن الأمر انقلب بعد ذلك على الأقباط، إذ أرسل عمر بن عبد العزيز منشوراً بأن: “كل من لا يكون على دين محمد مثلي، فيخرج من أعمالي (أي يترك الخدمة في دار الولاية). فترك الكثيرون من المسيحيين أعمالهم في دار الولاية، ثم أعاد الوالي الخراج الذي كان قد ألغاه سابقاً نفس الخليفة عمر بن عبد العزيز عن الكنائس والأساقفة لمدة سنة واحدة. كما أمر بكسر الصلبان في كل مكان وكشط الصور التي في الكنائس، ويمكن رؤية آثار هذا في التشويه الذي يراه الزائر للأديرة في وجوه الأيقونات الحائطية داخل الكنائس الآن.
وظل الخليفة عمر بن عبد العزيز في الخلافة لمدة سنتين وأربعة أشهر. وتولى الخلافة بعده هشام أخوه، الذي يشهد له كتاب سِيَر البطاركة بأنه “كان رجلاً خائفاً الله من على طريق الإسلام، وكان محباً لسائر الناس”.
وكتب الخليفة هشام إلى مصر يأمر بأن يُسلَّم لكل من يدفع الخراج شهادة باسمه حتى لا يظلم أحداً. وأقام اثنتين وعشرين سنة في الخلافة.
الوالي الجديد على مصر وتجدد الاضطهاد:
وأقام الخليفة هشام والياً جديداً على مصر هو عُبَيْد الله، وكان محباً للكنائس الأرثوذكسية، وأوصاه أن يفعل الخير مع بني المعمودية. ثم تعيَّن حنظلة بن صفوان سنة ٧١٣م والياً على مصر، فجاء ضربة شر قاسية على مصر، لأنه أحصى الناس وفرض على كل واحد ضريبة، وأمر أن تُرسَم على أيدي المسيحيين صورة أسد وهدد مَن وُجدَت يده بلا صورة بقطعها.
نياحة البابا وانتقاله إلى موضع الراحة
استدعى الوالي حنظلة البابا ألكسندروس وهدده بقطع يده ما لم يُذعن لهذا الأمر، فطلب مهلة ثلاثة أيام فأمهله فاختلى البابا أثناءها للصلاة طالباً من الله أن ينقله إلى عالم الأبدية. ولم تنته المدة حتى شعر بضعف فطلب من تلاميذه أن ينقلوه في مركب إلى الإسكندرية، ففعلوا. فأرسل الوالي قوماً وراءه ليمسكوه ويُحضروه أمامه فوجدوه قد فاضت روحه منه، فقبضوا على تلاميذه وعذبوهم عذاباً شديداً.
وكانت مدة إقامة هذا البابا على الكرسي ٢٤ سنة و ٩ أشهر. وكانت نياحته في ٢ أمشير سنة ٤٣٦ للشهداء و ۷۲۰ ميلادية.
بركة صلاته تكون معنا جميعاً .آمين